طيب العراقي
تضم معظم دول العالم، مكونات مجتمعية متعددة، متنوعة بأصولها أو ثقافتها أو ديانتها، ونادراً ما نجد في دولةما؛ مجتمعاً أحادي الدين واللغة، ولا يؤدي وجود مكونات دينية أوعرقية أو مذهبية بالضرورة، إلى قيام معضلات سياسية أو أجتمعية، وإلى بداية حرب أهلية.
هناك مكونات نشطة سياسياً وأجتماعيا؛ وأخرى مستكينة، وأخرى تسعى إلى الإبقاء على الشعور المكوناتي، وعلى شخصيتها الذاتية، وأخرى أكثر استعداداً لمستوى عال من الاندماج الاجتماعي- السياسي، وذلك بفعل عوامل ذاتية وعوامل إقتصادية.
الفيليون في العراق من النوع الأخير، الذي تغلبت لديهم المشاعر الوطنية؛ على الشعور المكوناتي، مع أن وضعهم هذا جوبه بجحود مجتمعي كبير، وبظلم من السلطات الحاكمة طيلة قرن من الزمان مضى، إبتداءا من تشكيل الدولة العراقية الحديثة عام 1920 ولغاية يومنا هذا.
في العراق؛ ترافق االتفاعل التاريخي بين المجموعات المكوناتية، مع انهيار الدولة العثمانية ونظام الملل الذي أحدثته، والتدخل المتواصل للقوى الإستعمارية، ونشأة الدول القطرية، التي نشأت وهي لا تعرف الديمقراطية، واستمرت الدولة تعمل بقوانين الطوارئ وبلا دساتير محترمة، وكانت النتيجة هي تدهور الأوضاع الإقتصادية، وتراجع مؤشرات التنمية البشرية.
أدت هذه التراكمات في الواقع، إلى إهمال العوامل المسبّبة لعدم الاستقرار، وساهم في تفاقم مشكلة المكونات في العراق، ومنها مشكلة المكون الفيلي، غياب الديمقراطية والمجتمع المدني وأستهتار السلطات بحقوق الإنسان.
أدى ذلك الى إيجاد حالة من التوتر، في العلاقات بين الدولة الشمولية الظالمة والمكونات المجتمعية، وكان نصيب المكون الفيلي هو الأكبر، نظرا لموقع الفيليين في المكانة الأقتصادية العراقية، ولأنفتاحهم وتأثيرهم في باقي المكونات العراقية، ولأنتمائهم لمذهب أهل البيت عليهم السلام، وهو مذهب ترى فيه السلطات العنصرية الطائفية الحاكمة عدوا لها.
لقد كان الحديث عن حقوق المكونات؛ طيلة حكم البعث والأنظمة التي سبقته، من أكثر المحظورات السياسية والثقافية تحريماً، وأنتشرت شعارات الأمة العربية الواحدة، التي ترى في جميع العراقيين بعثيين وإن لم ينتموا، كواحدة من أشهر المبرّرات المستخدمة، لاستمرار الممارسات القمعية فيها، وهي مصادرة واضحة ومباشرة للحقوق القومية للآخرين.
كما جرى تسطيح للعقل الجمعي العراقي، حينما صورت السلطات الحاكمة، أن عوامل الاستقرار في المجتمع العراقي؛ الملئ بفسيفساء من الاثنيات والأقليات، مرهونة بهيمنة هوية وطنية إندماجية، وكأن هناك تضاد بين أن يكون العراقي وطنيا، وبين أن يكون من قومية أو عرق ما، وهكذا أفرغت الوطنية من محتواها النبيل، لتتحول الى سيف مسلط على رقاب العراقيين جميعا.
لقد كان نصيب الفيليين هو الأكبر؛ من ذباحات نصل هذا السيف الوطني، فجردوا من حقوق المواطنة ومن عراقيتهم، ولم يضع أصحاب الشعارات الوطنية؛ شعاراتهم موضع التنفيذ فيما يتعلق بالفيليين، بل جرى تنفيذ تلك الشعارات بشكل مقلوب، وباتت مفردة الوطنية تعني العنصرية!
العراق اليوم وبعد ستة عشر عاما؛ بحاجة الى كسر سيف العنصرية، وبحاجة التي توصيف جديد للوطنية، يعيد للوطنية معناها النبيل، ويعيد للفيليين وهم العراقيين الوطنيين الأكثر أصالة، حقوقهم التي سلبها منهم أدعياء الوطنية، وبحاجة ماسة لإيجاد حلول خلاقة لمشاكل الفيليين الأساسية، وهي حلول يجب أن تسعى لأرضائهم والإقتصاص من جلاديهم.
لم يعد من المقبول اليوم، استمرار حالة انتهاك حقوق الإنسان الفيلي، ومطلوب إنصاف الفيليين على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
الفيلييون أنفسهم مدعوين اليوم؛ لبناء كينونتهم التي خربتها الأنظمة الظالمة، والأمر يحتاج الى جهد كبير ومنظم، وإلا فإن أسم "فيلي" سيختفي الى الأبد في غضون عشر سنوات، وهذا ما أراده البعث..!
https://telegram.me/buratha