حلا الكناني
حُبّ الذاتِ فطرةً يولدُ بها معظمُ الناسِ، إذ يتضح حب الانسان لذاته منذ طفولته، ويظهر ذلك من خلال كثرة استعماله لضمير الأنا، وحبّه لتملك الأشياء التي تقع تحتَ يديّه، والاستحواذ عليها، فضلاً عن ميلهِ إلى أن يحظى بالتفضيل، والمديح دون غيره، وكلّما لاقى تعزيزاً على سلوكياتهِ، كلّما أصبحَ أكثرَ أنانيةً، وتفرّداً بذاتهِ، ويكبرُ، وهو حاملاً معه ذكرياتُ مشحونةٍ لطفولتهِ تقبعُ في لا وعيهِ وتتسربُ الى وعيّه عنوةً دون وجود أي برزخٍ يمنعهما من أن يبغي أحدهما على الآخر في بعض الأحيان.
ينمو و يتزايد حب الأنا في داخلنِا، وقد يطغى أحياناً ليُصبحَ كحبّةِ الفاصولياء العجيبة التي نبتت، وكبرت حتى وصلت الى عنانِ السماء، وصارتْ أمانيّ صاحبها أوسع من ذي قبل، فأراد حينها أن يبلغَ الجبال طولاً، وأوجدَ لنفسه عظمةٍ دون الآخرين، دون أن يُدرك أنها سرعان ما ستختفي كرذاذِ العطر الذي ما إن يملأ أنحاء المكانِ، حتى تجدهُ يتلاشى وكأنه لم يكن.
أوصانا نبيّنا محمد عليه وآلهِ أفضل وأتمّ التسليم بأنفسنا وإخوتنا المسلمين خيراً حين قال:" لايؤمنُ المرء حتى يحبّ لأخيهِ ما يُحبّ لنفسه"، فتَرَكنا تلك النصيحةُ جانباً، والتزمنا المثلُ القائل: "كلمن يحود النار لكَرصته"، فصار همّنا أنفسنا، ولا يهمنّا من افتقرَ إن اغتنينا، فآثرنا مصالحَنا على الآخرين، وسابقنا الموجَ لنكون أول الراكبين، وزيّفنا السباق لنصيرَ من الفائزين، وتمادينا في غيّنا حتى صرنا كنَهمٍ لا يشبع، وإن مُلئت أوانيّه بما لذّ وطاب، وبات جارنا جائعاً، ونحن متخمين، وأصبحتْ أيدينا إلى الأعناق مغلولتين، وشاختْ أجسادنا وما زلنا طامعين، وانطوى في ذواتنا سجّل الرحمة، ورُفع الى ارحم الراحمين .
ما الذي نطمحُ إليه بعد كلّ هذا ياتُرى؟وهل من سبيلٍ نرجوه للخلود؟
"إنّك ميّتٌ وإنّهم لميّتون" هكذا خاطب عزّ وجل نبيّه الأعظم عليه وآله أفضل الصلاة وأتمّ التسليم، فهل إن أموالنا التي سلبناها الفقراء بالتي تُقرّبنا الى الخالقِ زُلفى؟ وهل سنبقى قادةً يُخلّدنا، ومن معنا التاريخ بمنجزاتنا؟ أم سيُقضى علينا،و ستُطاردنا اللعنة أينما حلّ ذكرنا، وسنقدِم من اتبعونا يوم القيامةِ نوردهمُ النار؟
تساؤلاتٍ لم نوجهها يوماً لذواتنا، ولعبنا دورَ الأصنامِ التي تخللّتها أرواح الشياطين، واتخذنا أنفسنا إلهاً متعطشّاً لقرابينَ بشرية، كلّما جيء بها إلينا، طلبْنا المزيد، وكممّنا آهاتُ الأمهات، وصَرَخاتِ الأيتامِ، وصارَت زمجرةُ نعيقُنا تملأُ الأرجاءَ عنوةً، وزرعنا الحقدَ، فأنبتَ طائفيةً سوداء، وحصدنا كنوزاً، وحصد الفقراء أبناءاً شهداء.
ذلك هو (الأنا) ربيّناه صغيراً في داخلنا، فأصبح كلّنا، واحتلّ جميع انحائنا، وصار لايرى إلا إيّاه، وكبُرت مطامعهِ من لعبةٍ صغيرةٍ، إلى بلدٍ بأكمله، ليبسطَ ذراعيه على كلّ شِبرٍ منه، وليقتات على دماءٍ بريئة راح يملأ منها الكؤوس.
ترى هل من نهايةٍ لذلك البربري الأنويّ الذي استشرى ظلمه في الناس، وأخذ منهم مأخذه؟
تساؤلٌ ستُجيب عنه صراعاتُ الأيام، فلنرتقب، ونكن من المنتظرين.
https://telegram.me/buratha
