المقالات

العمل الحزبي العراقي..الأزمة والمشكلات


طيب العراقي

 

تشكل الأحزاب المؤسسات الاساسية للحياة الديمقراطية، بوصفها تنظيمات تمنح العمل السياسي، شكله الأكثر عقلانية وقدرة؛ على التعبير عن مطالب المواطنين في الدولة الحديثة، فالأحزاب بصورتها الحداثوية، نشأت لتحل محل التعبيرات القديمة، القائمة على الاحتماء بالعشيرة والقبيلة والطائفة، ولتتعامل مع الناس بصفتهم المواطنية، وهي تجمع بين الأفراد على أساس الانتماء، لتصور سياسي أيديولوجي محدد، يساعد على تأطيرهم من أجل التعبير عن آمالهم، وتحويل تلك الآمال إلى تصورات وبرامج فعلية، قابلة للتنفيذ عند الوصول إلى الحكم، عبر الآليات الديمقراطية المعروفة.

الأحزاب السياسية في مهامها المركزية؛ تقوم بجملة واجبات أساسية، أهمها تأطير الأنصار، وإيجاد منفَذ للفاعلين السياسيين للعمل والتأثير، وإعداد الكوادر القادرة على إدارة الشأن السياسي والتنظيمي، واجتذاب العناصر النوعية، ومنحها الفرصة للقيادة وتصدر العمل الوطني.

هذه الأرضية النظرية للأحزاب السياسية، بمعناها الحديث، تستلزم المساواة المطلقة بين الأعضاء، عند نقطة شروع واحدة، ومبدأ الإشغال المراكز القيادية، عبر الانتخاب والمحاسبة الداخلية، وسيادة روح الديمقراطية داخل الأحزاب، ورفض فكرة المعصومية والولاء للزعامات والقيادات.

استنبات الأحزاب في البيئة العراقية، يفتقد بشكل حاد الى الأسس المتعارف عليها، لتصبح معظم الأحزاب العراقية، مجرد جماعات تقوم على الولاء، للقائد والزعيم المُلهَم العارف بأحوال السياسة، والقادر على إدارة شؤون الحزب، بالمواهب الأستثنائية التي أفترضها في نفسه، فيقرب من يشاء ويبعد من يشاء، والأمر لا يتعلق في هذا الحال، بالأحزاب والقوى الإسلامية وحدها، وإنما أيضاً بالتنظيمات العلمانية، التي ترفع الديمقراطية شعاراً.

هذه الظاهرة تمس الأحزاب جميعاً، الإسلامية منها والعلمانية، فهي في غالبها تقوم على علاقة عمودية، بين قيادة تتمتع بصلاحيات مطلقة، ولا تخضع للمساءلة، ومنخرطين هم أشبه بالرعايا السياسيين، عليهم السمع والطاعة، حيث يلعب منطق الولاء للزعيم الفرد، المتحكم في كل مفردات القرار السياسي، الدور الأساسي في الحزب.

إذا كان مبرر القمع مشجباً كافياً لغياب الديمقراطية؛ والتداول على القيادة زمن الاستبداد الصدامي، فإن الخروج إلى العلنية، والمشاركة في الحياة السياسية؛ بعد زوال ذلك النظام، يطرح أكثر من سؤال، عن واقع الحياة الحزبية العراقية راهنا.

ثمة حقيقة التي لا يمكن التغاضي عنها، لأنها تنهش بالعمل الحزبي، وهي أننا نجد حضوراً واضحاً، للوبيات المال ورجال الأعمال الفاسدين، في التحكم في مكونات حزبية كثيرة، وهي تتحرك بدافع امتلاك مزيد من النفوذ، وتوجيه العمل الحزبي خدمة لمصالح خاصة، لكن النتيجة المريعة، هي أن قيادات معظم الأحزاب، أصبحت أسيرة لتلك اللوبيات، لذلك ظلت تعيد إنتاج نفسها بصيغ مختلفة، الأمر الذي أدى الى ضمور القواعد الجماهيرية؛ للأحزاب العراقية بصورة كارثية، وخير دليل على ذلك؛ تدني النتائج في الأنتخابات النيابية الأخيرة، لمعظم الأحزاب العريقة!

بسبب غياب آليات إدارة الحزب السياسي؛ بصورة علمية وعملية، تسمح بالتداول على القيادة، أو حفظ التنوع داخل كيان الحزب، وهو أمر يمكن رصده لدى جميع الأحزاب العراقية بلا أستثناء تقريبا، لذلك فإن معظم قيادات الأحزاب العراقية، تنتمي إلى شريحة عمرية جاوزت الستين، ما منع الشباب من تولي مناصب قيادية، والتأثير على الخيارات المركزية للتنظيمات السياسية.

إن الشخصانية والتعنت؛ والرغبة في تصدر المشهد من جانب، وانسداد قنوات التعبير داخل الأحزاب، فضلاً عن تمسك القيادات بمواقعها من جانب آخر، هي الأسباب الحقيقية، لعزوف جيل الشباب عن الممارسة الحزبية.

تكمن أزمة الأحزاب السياسية العراقية بعد 2003، في أنها لم تصل بعد إلى درجة النضج، وفهم معنى الحزب السياسي، في بنيته العميقة، باعتباره وبالدرجة الأولى، مدرسة للتربية السياسية للمواطن، ينخرط فيها ليتدرب على مساهمته في الشأن الوطني، وعلى ممارسة حقوقه السياسية الأساسية، ولكن تحقيق هذه المهمة، في صورتها المثلى، ليس بالأمر اليسير؛ في ظل حالة الاضطراب التنظيمي، الذي تشهده غالبية الأحزاب..

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك