طيب العراقي
(أنا أفكر اذاً أنا موجود)، تعني فيما تعني (أنا أنتظر اذاً أنا موجود)، لأن التفكير يرتبط بالإنتظار كقاعدة إنسانية عامة، وإلا فيمَ يفكر الإنسان، إذا لم يفكر في شيء ما ينتظره؟!..وهكذا فإن جوهر التفكير هو الإنتظار، والإنتظار يعني الأمل، الذي يقود الى العمل، فلولا الأمل لبطل العمل، لسبب واضح أن الانتظار يرتبط بوشائج قوية بالأمل، لدرجة يمكن معها القول، أنت المنتج الحقيقي لقوة وطاقة الأمل لدى الانسان هي فكرة الانتظار.
تشكل ثنائية الأمل والانتظار متلازمة إيجابية قادرة؛ على إحداث التغيير في المجتمعات والأفراد من حال الى حال، فلا تغيير من دون أمل، ولا أمل من دون انتظار، ولا قدرة على التغيير، من دون استثمار هذه الفكرة بصورة متقنة، لكي تستمر الإنسانية بالانتاج والابداع والابتكار والتجديد، لان التجديد من أهم سنن الحياة، الذي يشكل غيابه مشكلة، تستوطن المجتمعات وتشل قدراتها على العطاء الإيجابي.
حتى نعيش حياة بعطاء إيجابي، نحتاج الى الفكر المنتِج المتحرك، والانتظار عملية زرعها الخالق في المجتمعات، حتى يحرّك الإنسان افكاره، وتتولد لديه رغبة دائمة بالتجديد والأمل المستدام، ويندفع الى الابتكار والتغيير نحو الأفضل دائما، ويتجه بقوة نحو الفضائل كقوى دافعة الى أمام.
يحدث هذا عندما ننتظر ما بإمكانه أن يغير حياتنا ويجعلها أفضل، فيزرع الأمل في النفوس والعقول، ويجعلها اكثر استعدادا للتغيير، وهذا يشكل ركنا أساسيا من أركان نجاح الفرد والمجتمع.
فكرة الانتظار موجودة لدى مفكرين من امم عديدة؛ فضلا عن الاديان حيث تتواجد فكرة المنقذ المخلص؛ في عالم يغصّ بالقهر والوجع وقد صاغها المفكرون بأساليب شتى وافكار متنوعة، طريقا الى الخلاص وصناعة السمو والارتقاء.
للخلاص من عالم (القهر والوجع) الذي يحيط بنا، ويكاد يطيح بآمالنا بحياة أرقى، نحتاج الى استعداد دائم، كما ينبغي أن لا يكون الانتظار مدعاة للتراجع او الاتكال او التلكّؤ، بل هو ما يجب أن يدفعنا الى امام، وتلك هي القيمة الايجابية الفعالة له، حيث نبقى في حالة أمل متواصلة للتغيير نحو الافضل، فنسعى الى التجديد والابتكار والتغيير، مبتعدين عن الانتظار المتكاسل السلبي، الذي يبقينا في حالة من الشلل الفكري والفعلي.
لأننا أيجابيين فإننا نؤمن بمجيء الأمل المنقذ متمثلا (بالامام المهدي المنتظر عليه السلام)، الذي سيملأ الارض قسطا وعدلا، بعد أن تغص بالمآسي والظلم والويلات، ولكن تبقى قيمة الانتظار مرتبطة بالهدف الاسمى لها، وبقدرتها على تحريك الانسان ودفعه نحو الافضل دائما، اي أن الانتظار ليس سلبيا، بل هو الدافع الأول لإحداث التغيير المطلوب، مشفوعا بحالة من الأمل المستمر.
بهذا المعنى تكون قيمة الانتظار مؤثرة وناجحة، وينبغي تعميمها على المجتمع عموما بالطريقة التي تجعل منها طريقة واداة للتطور وليس طريقة او سبب للسكون والثبات على فكر او نمط حياتي متكرر.
الانتظار فكرة تقوم على التصحيح، ولذلك تعد فكرة منتجة للأمل بدلا من اليأس وهذا المطلوب، وهكذا ستكون دافعا للتطور والسعي نحو الابداع، وهكذا ستكون ثنائية (الانتظار/ الأمل) فكرة عملية فعالة، ومطلوبة في تصديها للكسل والخمول وعدم الابتكار والتجديد.
توظيف ثنائية الانتظار/ الأمل، يتطلب نشرها كقيمة من قيم المجتمع، يتفاعل معها الجميع على انها وسيلة للابداع، عن قناعة وايمان تام، وليس طريقا الى الرتابة والتكرار والملل، وعندما تكون فكرة الانتظار والأمل مكملة للقيم الاخرى، عند ذاك سيكون الفرد والجماعة اكثر استعدادا للتغيير، واكثر أملا بتحقيق النجاح المطلوب، خاصة أن المنقذ متمثلا بالإمام (الحجة المنتظر عليه السلام)، عند ظهوره سيعيد الاعتبار الى الانسان، الذي تعرض للظلم والقهر والطغيان بكل أشكاله.
اليوم هناك أمل وانتظار مع العمل، والسعي والتخطيط للتغيير، والتخلص من القهر والحرمان والجهل والتخلف والفساد، وهذا هدف قديم جديد، يستدعي جهودا جبارة لتحقيقه، على أن يبقى الأمل والانتظار اطارا مستداما، للوصول الى عملية التغيير الكبرى.
https://telegram.me/buratha