شذا الموسوي
منذ 2003 وما بعدها، اراد العراق بكل قواه السياسية بناء علاقات متوازنة مع جيرانه واشقاءه العرب مبنية على الاحترام والمصالح المتبادلة، وعبر عن ذلك بالعديد من الوسائل اهمها تضمين دستوره الدائم للعديد من المواد التي تشير الى هذه الارادة، ومنها المادة 8 والتي نصت على ان (يرعى العراق مبدأ حسن الجوار، ويلتزم بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ويسعى لحل النـزاعات بالوسائل السلمية، ويقيم علاقاته على أساس المصالح المشتركة والتعامل بالمثل، ويحترم التزاماته الدولية)، ايمانا منه بان قدر هذه الدول ان يكون لها جغرافيا وتأريخ ومصير مشترك، وان امن وامان هذه المنطقة وازدهارها هو من امن وازدهار وتقدم كل دولة فيها، وان ما يصيب احدها سرعان ما سينتقل الى الدول الاخرى شئنا ام ابينا.
لكن بعض دول الجوار شعرت بالخطر من التجربة العراقية وخشيت ان تنتقل عدوى الديمقراطية اليها، فاختارت ان تناصب العراق العداء وبذلت ما في وسعها لاسقاط النظام فيه، او اضعافه على الاقل، بشتى الوسائل، وجندت اتباعها لاشاعة القتل والنزاع الطائفي والتخريب فيه، وتدمير بناه التحتية ومعالمه الحضارية، وتوجت مساعيها تلك بتسهيل وتمويل المجاميع الارهابية ومنها داعش الذي كان اقصى ما وصلت الى انتاجه الوحشية البشرية والبربرية الدموية، فتداعى العراقيون حينها بكل اطيافهم للتصدي وافشال هذا المخطط البائس الذي استهدف وجودهم وحياتهم وبلادهم بشتى مسمياتهم وتصنيفاتهم العرقية والدينية والمذهبية.
وبعد ان خابت هذه المؤامرة الرعناء، ادركت تلك الدول ان العنف ليس هو الوسيلة الاسلم للتأثير في الوضع العراقي، فتراجعت عن منهجها الاهوج واختارت هذه المرة ان تتبع اسلوبا اخر في التعامل مع العراق، فبدأت بعض هذه الدول باعادة العلاقات الودية معه، مع التلويح بملف الاقتصاد والاستثمار الذي اخفقت فيه الحكومات العراقية المتعاقبة، علها تجد لنفسها موطئ قدم في الساحة العراقية، مدعومة بتشجيع امريكي يهدف الى عدم اخلاء الارض لايران التي اصبحت الاقوى نفوذا فيه، حيث عرفت كيف تدير لعبة المصالح معه، فاصبحت الاقوى والاكثر تأثيرا في ملفه امنيا واقتصاديا.
اما البعض الاخر من الدول العربية كالاردن ومصر، فقد وجدت في العراق المتعافي الناهض على قدميه بقرة حلوبا تدر عليها النفط الرخيص والدولار التي هي في امس الحاجة اليهما، فسارعت الى اعادة وشائج العلاقات الاقتصادية ووصلت جسور الاخوة والجوار على امل التخلص من ازماتها، مقابل تقديم الدعم السياسي والتوقف عن سياسة التحريض والتأليب التي انتهجتها في السنوات السابقة.
كل هذا شهدناه في الشهور القليلة الماضية وهي تطورات ايجابية على الصعيد الخارجي وتدعو الى التفاؤل الحذر،ولكن يبقى السؤال الاهم وهو: ماذا سيجني العراق من هذه التغيرات الستراتيجية ومن عقد هذه الاتفاقيات؟ هل ستتمكن الحكومة العراقية بوضعها المأزوم الحالي من استثمار هذه الفرصة في تحسين الاوضاع الداخلية في البلاد وتقديم ما يحتاجه المواطن العراقي؟ ام ستكتفي بتقديم التنازلات لهذه الدول دون مقابل؟
تشاء ارادة السماء ان تتزامن هذه التطورات السياسية الخارجية مع تسلم حكومة السيد عادل عبد المهدي لزمام الامور بموجب تركيبة سياسية معقدة غير منسجمة، وصراع سياسي محتدم بين قوى سياسية ادمنت الفشل والفساد، فهل ستتمكن هذه القوى من التسامي على خلافاتها ودعم مسيرة التغييروالاصلاح واستغلال الفرصة دون تضييعها؟.
ان اجواء الدعم والاسناد والانفتاح على المحيط العربي والاقليمي ليس الا ثمرة نجاح العراق في اجتياز امتحان داعش، وصمود شعبه وتضحياته، ونتمنى على السيد رئيس الوزراء ان يضع هذه الحقيقة نصب عينيه، وان لا ينسى ان ابواب الكعبة التي فتحت له يوم امس انما فتحت ببركة دماء هذا الشعب المظلوم المحروم ، وان على كتفيه تقع مسؤولية تغيير واقعه وتقديم مصالحه على المصالح الحزبية والفئوية الضيقة، والسير به ليتبوأ مكانته الطبيعية المستحقة بين دول العالم المتقدمة.
https://telegram.me/buratha
