حلا الكناني
أصعب شيء على الانسان أن تطير فراشات أحلامه في عالم من العتمة، لا يسعها أن تدرك الأزهار، ولا أن تشمّ لها رحيقاً، فتتعثر إحداهن بالاخرى ليجدنهنّ قد أُلقينَ في حفرةٍ عميقة مليئةً بمياهٍ آسنةٍ، أحالت أجنحتهن الكسيرة الى سوادٍ داكنٍ ، دون أن يُدركن ذلك، وما كان امامهن الاان يُبصرن بعيون مخيلتهنّ التي غدت هي الأخرى كعتمة رداء الشيطان الذي احتجزهن دون رحمة .
جرّبن الهروب من ذلك الجحيم، فوجدنَ أنفسهنّ يرفرفن بأجنحةٍ تكاد تعلو بهن إلى مقربةٍ منه، كلّ محاولاتهنّ باتتْ يائسة ٍ، وأيقنّ أن الصبر هو سلاح المقاومة الوحيد ، فتوسلنّه ان يُرجي رحيله الى بعد حين، علّه يسليّهن رغم مرارة لحظاته .
متى تُصبح كوابيسنا حلماً كباقي الشعوب التي تنعم بالحياة ؟ قد يعلم جميعنا ان الأنفس تتوفى حين مماتها ومنامها، لكنّ ارواحنا حين تغادر الاجسام منّا في المنام تجوبُ متفقّدةً الأحياء والأموات ، فتجد الأموات ثُكلى بأحياءهم، وتجد الأحياء يتمنون اللحاق بمن ماتوا، حينها تقفُ كأصحاب الأعراف بين الأثنين ، لا تعرف ألى أي مصيرٍ منهما سيُصار بها ، فتقفلُ راجعةً ألى أجسادنا لتنتظرَ مصيرها المرتقب .
بأيّ ذنبٍ قُتلت روح السعادة حتى في منامنا ؟
وإلى أيّ أجل أُجلّت ؟ وإلى متى سنظلّ خائفين حتى من الضحكات الواهمة ، لأننا سنتوقع أن شرّاً سيعقبها لا محال؟
مَن استهوتّهُ الشياطين ، وراحَ يُفسد في الأرض ويظلم أهلها ، مكث فيها طويلاً إلى يوم يُبعثون ، ونحن صرعى الصبر نعيش في دوامّة يشتد عصفها بنا يوماً بعد يوم، ونشهدُ سُحُباً من الآيديولوجيات تمطر بغزارة ٍ تارة، وتارة أخرى تغدو متفرقّة ، أو تحجب عنا نور الشمس لساعات ، وكل ذلك محكوماً بكينونتها الفكرية، وما يختفي وراءها من أهدافٍ لا يعلمها الا جلّ جلاله ، ومن يقفُ ورائها .
بينما تغطي سحب الكوابيس والآيديولوجيات المكان، وعتمة النفس ، ولا تتركنا نتنفس الصعداء، يظهر ذلك الفارس الشجاع ممتطياً صهوة جواده ، حاملاً في قبضته لامة حربه، فيقترب من معاناتنا أكثر، ليضع سهماً في كبد قوسه، ويقضي على سلطان كوابيسنا ، ويحررّ فراشات أحلامنا اللاتي هجرهن النور منذ زمن ، وليجرّد سيفه قاطعاً رأس كل آيديولوجية أمطرت بنا هماً وغما ً، وجعلتنا في ضلالةٍ عن الهدى ان ندركه .
مضى دون ان يُشعرنّ به أحداً ، حاملة لنا الريح بعضاً من صداه إنّي لا أريد منكم جزاءاً ولا شكوراً، فأنا ماضي أوطانكم، وحضاراتكم العريقة التي ملئت الدنيا بما رحُبت علماً، ومعرفة، وانتصارات للحق على الباطل.
حينها فقط نُدرك ان الكابوس، وإن طالت مدته ، لا بدّ له أن يلملم خيبته ، تاركاً المجال مفتوحاً أمام أحلامنا الوردية الشفافة التي لم تَطِر بعيداً بأمانيها ، لأنها تعودت الواقعية ، فهي وليدة الواقع ، وتحمل جيناته الوراثية، و وريثة ذلك الماضي العربي العبق، الذي ترويه حضارة بابل، وأكد، وسومر، و وادي النيل، وفصاحة الجزيرة العربية، وشجاعتها التي طرزّت التأريخ بأبهاها صوراً، لذا ابتعدي ايتها الكوابيس اللعينة ، وتعالي يا أحلام اجدادنا ، لانكِ الواقع الذي سنعيش، وبدونكِ لا نكون .
https://telegram.me/buratha
