طيب العراقي
القرار في حقيقته، عبارة عن اختيار بين مجموعة بدائل مطروحة لحل مشكلة ما أو أزمة أو تسيير عمل معين . ولذلك فإننا في حياتنا العملية نكاد نتخذ يومياً مجموعة من القرارات بعضها نتنبه وندرسه والبعض الآخر يخرج عشوائياً من غير دراسة.
القرار السياسي هو ذلك القرار الذي تتوافر فيه واحدة من مجموعة عناصر مختلفة أهمها أن يكون صادرا عن شخص ذي صفة سياسية أو من خلال أحد أجهزة السلطة السياسية، أو منصبا على موضوع يتعلق بالسياسة العامة للدولة.
ولا بد أن تتوافر في القرار السياسي أيا كان نوعه، استراتيجيا أو يوميا، شروط من بينها:
الشرعية: بمعنى صورة عن السلطة القانونية المخولة.
والإلزام: بمعنى وجود القوة التي تملك تنفيذه.
العمومية: بمعنى أنه يمس الشؤون العامة والاحتياجات الرئيسية لأفراد المجتمع.
أي عملية تخطيط اقتصادي أو اجتماعي شامل تحتاج في النهاية إلى اتخاذ قرار تصدره القيادة السياسية في البلاد.. ولا بد لهذه القيادة من سلطة تشرح تلك الخطط للشعب وتلزمهم بها
والواقع أن أي عملية تخطيط اقتصادي، أو اجتماعي شامل تحتاج في النهاية إلى اتخاذ قرار تصدره القيادة السياسية في البلاد. ولا بد لهذه القيادة من سلطة تشرح تلك الخطط للشعب وتلزمهم بها.
يتسم التخطيط للتقدم الاقتصادي والاجتماعي بوجود مركز تتمركز فيه مسألة اتخاذ القرارات التخطيطية الرئيسية، وأن يكون له صفة الإلزام على كل المستويات، وهنا تبرز ضرورة المشاركة الفعالة للجماهير ومنظماتها في صياغة القرارات التخطيطية، قبل أن تأخذ شكلها ومحتواها النهائي.
ويختلف القرار السياسي عن كل من السياسة العامة والقرار الإداري.
فالسياسة العامة: هي الإطار العام الذي يسترشد به صناع القرار بعد دراسات مستفيضة ومراعاة مصالح الجماعات المختلفة والمؤسسات والمنظمات وغيرها التي تكون في مجملها النسيج الذي يتكون منه المجتمع، وهو بذلك يعتبر إطارا توفيقيا تراعى فيه المصلحة العامة من ناحية، والضغوطات التي تمارسها تلك الجماعات من ناحية أخرى. ويصبح ذلك الإطار العام بعد إقراره دليلا مرشدا وملزما عند اتخاذ القرارات في شتى مجالات النشاط القومي، مثل الشؤون الخارجية أو الصحة أو التعليم أو الإنتاج الصناعي والزراعي.. إلخ.
أما القرار الإداري فهو الأداة التي تستخدمها السلطة التنفيذية لتنفيذ السياسة العامة. ويتم اختياره بعد مقارنته بعدة بدائل أخرى. فالقرار بهذا المعنى يوضح الاتجاه العام لسياسة الدولة، والسياسة العامة تكون بمثابة الدليل الملزم والمرشد عند اتخاذ القرارات التنفيذية، سواء كانت متوسطة المدى أو قرارات يومية جارية.
والقرار الإداري هو في جميع أحواله أداة لتنفيذ القرار السياسي أو السياسة العامة. وتقوم الأجهزة الإدارية بصنعه، وتخضع له أعضاء المنظمة الإدارية التابعة لهذه الأجهزة، وهو بهذا المعنى يعد أحد أدوات السلطة الإدارية لإنجاز المهام الموكلة إليها.
وبناء علية فإن القرار السياسي يكون أكثر شمولا من القرار الإداري، وذلك لأنه صادر عن القيادة العليا أو المؤسسات السياسية والأجهزة العليا، وهي التي تقوم بعد ذلك بتطبيقه سواء فيما يتعلق بالأمور الداخلية أو الخارجية. وهي التي تقوم بممارسة الرقابة عليه من خلال أنماط عديدة، كالرقابة السياسية والتشريعية والقضائية.
ونستنتج من ذلك أن القرار السياسي يأتي في مرتبة أدنى من مرتبة السياسة العامة للبلاد وأقل ديمومة منها، إذ انها تحتاج إلى مدة زمنية أطول لتبنيها وإلى مشاركة أطراف كثيرة أخرى تساهم مع صانع القرار في رسمها. كما نستنتج أيضا أن القرار السياسي أعلى مرتبة من القرار الإداري الذي قد لا يحتاج أحيانا حتى إلى مشاركة صانع القرار في إصداره.
أهمية القرار السياسي قد تتفوق أحيانا على أهمية السياسة العامة للبلاد وذلك حين تطرأ مستجدات داخلية وخارجية تستوجب المعالجة الحاسمة واتخاذ القرار بشأنها بصورة يكون إيقاعها أسرع من خطوات تبني سياسة عامة جديدة
ومن ناحية أخرى، فإن أهمية القرار السياسي قد تتفوق أحيانا على أهمية السياسة العامة للبلاد وذلك حين تطرأ مستجدات داخلية وخارجية تستوجب المعالجة الحاسمة واتخاذ القرار بشأنها بصورة يكون إيقاعها أسرع من خطوات تبني سياسة عامة جديدة، حتى ولو كان ذلك القرار لا يسير في نفس اتجاه السياسة العامة للبلاد.
فقد يصدر قرار سياسي يمنح فئة معينة من المتضررين تعويضات عن أضرار لحقت بهم حتى ولو كانت سياسة البلاد العامة هي ترشيد الإنفاق.
وقد تفرض الضغوط الدولية أمرا واقعا على دولة ما رغم أن سياسة تلك الدولة العامة هي ليس رفض ذلك الأمر الواقع فحسب، ولكن رفض الرضوخ لأي ضغوط تمارس عليها بشكل عام.
وتلجأ بعض الدول أحيانا وخاصة دول العالم الثالث إلى تفضيل القرار الإداري على القرار السياسي عند اتخاذ قراراتها وذلك لتميزه بعدة أمور منها:
الابتعاد عن الضغوط السياسية التي تصاحب عملية صنع القرار السياسي خلال مراحل التفكير والمشاورات والمداولات بحيث تجد المؤسسات السياسية والبرلمان القرار أمرا واقعا بعد صدوره.
تأمين سرعة التنفيذ والالتزام الفوري من جانب الأجهزة المعنية كالجمارك والشرطة وجهاز الضرائب ..الخ.
تجنب ضغوط الرأي العام هربا من توجيه النقد للحكومة، لأن القرار الإداري يخضع للرقابة الإدارية أكثر مما يخضع للرقابة السياسية.
ومع التسليم بجدوى هذه الاعتبارات التي قد تقتضي تفضيل مثل هذا النوع من القرارات الإدارية وخاصة في ظروف الأزمات، إلا أن الإفراط في اتباع هذا الأسلوب يؤدي إلى تقليص دور المشاركة السياسية في المجتمع
https://telegram.me/buratha