طيب العراقي
عُرف عن الفيليين إنسجامهم مع المكونات المجتمعية الأخرى أينما حلوا، كما عُرف عنهم حبهم لوطنهم العراق بتماه حاد؛ يكادون يتفوقون به على مكونات المجتمع العراقي الأخرى، ولعل وضعهم الأقتصادي الجيد، ونشاطهم ومثابرتهم وهيمنتهم؛ على مفاصل التجارة والبازار في العراق، كان سببا رئيسيا في هذا ألإنفتاح، لأن النشاط الأقتصادي يتطلب بيئة منفتحة ومنسجمة مع البيئات الأخرى.
لذلك لم يكن الفيليون منغلقين على أنفسهم قط، كما هو حال الأقليات دوما،لأنهم لا يرون أنفسهم أقلية في وطن هم بناته الأوائل، وكانت مواطنهم الوافعة على إمتداد 900 كيلومتر؛ من الشمال الى الجنوب شرق دجلة، مفتوحة لسكن القبائل العربية القادمة من الوسط والجنوب، بلا حساسية أو إثارة مشكلات، يعزز هذا الواقع كونهم من أبناء المذهب الشيعي الأثني عشري، الذي يتسم بقدر كبير من التسامح والإنفتاح على الآخر، أي آخر كان!
هذا الوضع تسبب بنتيجة سلبية عرضية، يعاني الفيليون من آثارها، فقد كان لهذا الإنسجام والتماهي تأثيرا كبيرا على اللغة الفيلية، التي قل عدد المتحدثين بها بشكل خطير، ومن يتحدثون بها الآن إنما يمتلكون من مفردات لهجتهم، ما لا يزيد عن 50ـ65% من هذه اللهجة العريقة في أفضل الأحوال، اما الباقي فهو من المفردات العربية للذين يسكنون على الجانب العراقي، ومن المفردات الفارسية، للذين يسكنون في الجانب الأيراني من لورستان الكبرى، فضلا عن هيمنة اللهجة الكردية السورانية، في مناطق كرميان على المتحدثين بالفيلية.
الواقع أن كثير من الفيليين؛ قد أستعربوا وذاب عدد كبير منهم، في العشائر العربية في وسط وجنوب العراق، وخصوصا في محافظتي واسط وديالى، ويشكل الفيليين اليوم؛ جزءا مهما من الجسم العشائري لعشائر عربية لا نود ذكر أسمائها، لموانع أخلاقية ومجتمعية نفترض أنها معروفة ومفهومة للقاريْ الحصيف.
تشكل اللغة العامل الأساس؛ في حفظ الهوية للأمم ومنها الأمة الفيلية، التي تعرضت لإستلاب وتغريب كبيرين، وكلما تراجع إستخدام اللغة أو اللهجات الخاصة بالأمم والشعوب، تسارعت معدلات إندثار تلك الأمم وذوبانها، ويحدثنا التاريخ عن أمم ذابت وأنتهت ولم يعد لها وجود، بسبب تخلي أبنائها عن تعاطي لغتهم، لأسباب شتى، من بينها الظلم والإستبداد من قبل الحكام الغرباء المحتلين، أو لأسباب ذاتية في أبناء الأمة أنفسهم.
الأمة الفيلية معرضة اليوم الى خطر محدق، يتمثل بنشوء أجيال جديدة من أبنائها، لا تتحدث باللهجة الفيلية، بسبب انفتاح ابناء هذه الأمة المعطاء على الثقافات الاخرى، وعدم حساسياتهم تجاه المجتمعات المختلفة، وبسبب تراجع الحس القومي الذي كانت نتيجته، نشوء حالة من اللا أبالية تجاه إندثار لغتهم.
يتعين في هذا الصدد أن نعترف بأن تأرجح الهوية، بين الأنتماء القومي والمذهبي لدى الفيليين، كان سببا في ضياع لهجتهم، فهم متعلقون بمذهب أهل البيت عليهم السلام، ولأن الفيليين أناس منفتحين على جميع المكونات، أنعكس هذا ألإنفتاح على المكون الرئيس لمذهبهم، وهم العرب الشيعة في العراق، إيمانا من الفيليين بأن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم، وهي لغة الطقوس والشعائر الدينية.
قادة الفيليين وصناع الرأي ووجهائهم، مدعوين اليوم لمراجعة هذا الموضوع بشكل مركز، وعليهم الأنتباه الى أن اللغة واللهجة هي عنوان الهوية، إذ لا يمكن لفيلي أن يطالب بحقوقه المغتصبة والمسلوبة، دون أن يستعيد لغته ولهجته أولا، لتكون هي "فسفورة" الهوية وكودها السري!
..................
https://telegram.me/buratha