المقالات

السيد محمد باقر الحكيم والمرجعيّة السياسية


طيب العراقي

 

قرأت كتاب (عقيدتنا ورؤيتنا السياسيّة) لشهيد المحراب آية الله السيد محمد باقر الحكيم قدّس سرّه، وهناك تحدّث عن المرجعيّة السياسيّة وأدلّتها حسب روايات أهل البيت عليهم السلام. يقول السيد الشهيد في كتابه: (فإنّ العمل السياسي حركةٌ يوميّة وقرارات ومواقف لابد للمؤمنين من التقليد والمتابعة فيها للقيادة السياسيّة ذات العلم والعدالة والخبرة والتجربة بالأمور السياسيّة، وكما يجب على المؤمنين (التقليد) والمتابعة في الأمور العمليّة والشخصيّة من العبادات والمعاملات والمأكل والمشرب لمرجعيّة دينية في الفتيا والأحكام الشرعيّة، كذلك يجب عليهم التقليد والمتابعة في هذه الأمور السياسيّة؛ لأنّها أعمال واجبة.

وتشخيص الموقف فيها على ضوء الإسلام يحتاج إلى اجتهاد في الإسلام، واجتهاد في السياسة والأوضاع الاجتماعيّة، ويجب عليهم أن يختاروا هذه القيادة للرجوع إليها ويتابعوها).

أفهمُ من كلام السيّد الحكيم أنّه لابد أن تكون للشخص مرجعيّة في الفتيا ومرجعيّة في السياسة، وإذا كان ذلك جائزاً فهل يجوز بالرجوع إلى الوليّ الفقيه أم هناك تعارض، وخاصّة إذا كان مرجع الفتيا في الأمور الشرعيّة لا يؤمن بولاية الفقيه؟.

الحقيقة أن النصّ المنقول أعلاه، يريد أن يقول بأنّ النشاط السياسي والاجتماعي في تفاصيله اليومية، يوجد فيه موقفٌ شرعي،.

عندما تتخذ قراراً معيناً في القضايا السياسية فهذا نوعٌ من العمل الذي يتطلّب رخصةً شرعيّة، ويطرح السيّد الحكيم هنا شكلاً جديداً من أشكال المرجعيّة، إذ يميّز بين المرجعيّة الفتوائيّة المعروفة، التي تقوم بالبحث في النصوص الدينية، لتحصيل الأحكام الكليّة في العبادات والمعاملات، وبين المرجعيّة اليوميّة الشرعيّة، التي تقوم بالدمج بين الوعي الفقهي الاجتهادي العام، والوقائع السياسيّة والاجتماعية اليومية.

يحدث هذا التصور الفكريب، لإنّ هذه الوقائع لو لم تكن هناك مرجعيّة للموقف الشرعي منها فسوف تكون المرجعيّة التقليديّة مجرّد عنوان عام لا يحدّد للمكلّف ما الذي ينبغي له فعله فيها؛ لأنّ الفتوى هي وضع الحكم الكلّي على الموضوع الكلّي، والمفروض أنّ الوقائع السياسيّة والاجتماعيّة ليست كلّيات، بل جزئيات وأحداث؛ فلا تستطيع الفتاوى المتداولة أن تحدّد دائماً الموقف من الوقائع المتحرّكة السياسية والاجتماعيّة،

الأمر يفرض ـ وفقاً لوجهة نظر النصّ أعلاه ـ أن تكون هناك مرجعيّة من نوع مختلف، وهي مرجعيّة الدمج بين الفتوى الكليّة والوقائع الجزئيّة، بحيث تحدّد هذه المرجعيّة للمكلّف موقفه الشرعي في الوقائع الجزئيّة. هذا ما أفهمه من النصّ الذي يريد السيد الشهيد الحكيم رحمه الله من خلاله أن يؤكّد عليه.

وبناءً على هذا المعنى، نجد أنفسنا أمام أمور:

1 ـ إنّ كلام السيد الشهيد الحكيم معناه منح الفقيه مبدأ المرجعيّة في الشؤون السياسية والاجتماعية الجزئيّة، إضافة إلى مرجعيّته الفتوائيّة العامّة.

2 ـ إنّ هذه الفكرة التي يطرحها تلتقي جداً مع فكرة ولاية الفقيه العامّة، بل تكاد تتماهى معها من حيث المبدأ، وعلى مستوى أكثر من تفصيل.

3 ـ إذا اتفق أن اتحدت المرجعيّتان في شخص واحد فلا مشكلة، وأمّا إذا اختلفتا، فلابدّ من البحث المعروف هنا في نظريّة وحدة المرجعيّة والقيادة، فبعض العلماء يرى الوحدة أو يميل إليها، وبعضهم لا يرى ذلك، وهو خلاف وتفصيل معروف. بل يرى بعضهم أنّ المرجعيّة والقيادة مشروطتان معاً بالأعلميّة الفقهيّة، بينما يرى آخرون بأنّ القيادة غير مشروطة بالأعلميّة الفقهيّة على خلاف المرجعيّة، ويرى فريق ثالث أنّ المرجعية والقيادة معاً غير مشروطتين بالأعلميّة أبداً، وهذا الخلاف يؤثر في وحدة المرجعيّة والقيادة.

4 ـ إذا تمّ تقليد من لا يرى ولاية الفقيه ولا يؤمن بمرجعيّته في الشؤون السياسيّة والاجتماعية بغير المعنى الفتوائي العام، لم يجب على المكّلف ـ فقهيّاً ـ الالتزام بمواقف الوليّ الفقيه ما لم يكن المورد من موارد القضاء أو يكون من باب إصداره حكماً، فإنّ حكم الحاكم له أحكامه الخاصّة في الفقه الإسلامي، ولكنّ هذا لا يعني أنّه يجوز للمكلّف المخالفة مطلقاً، بل قد تحرم أحياناً بعناوين أخرى ثانويّة طرحوها في محلّه، من نوع الإخلال بالنظام أو شقّ الصفوف أو غير ذلك.

هذا هو المشهد الذي يثيره النصّ أعلاه..

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك