طيب العراقي
كانت فكرة أدلجة "العروبة" ، التي جرى اختراعها على يد "أنبياء" القومية العربية، ساطع الحصري وميشيل عفلق وصلاح البيطار وأكرم الحوراني، في ثلاثينات القرن العشرين في سورية، وسيلة فعالة لإنتاج أكثرية سياسية سياسية حاكمة.
ونقرأ في أدبيات البعث تعريفا جديدا لـمن هو "عربي"، حيث يعرفه ميشيل عفلق، مؤسس حزب البعث في كتابه (نضال البعث) بأنه من عاش في الأرض العربية، وتثقف بثقافة المجتمع العربي، وهو تعريف واضح، هدفه إلغاء ثقافة الآخرين من غير العرب، بل وأمحائهم وتغيير هويتهم الأثنية.
المنطقة الممتدة من تخوم أيران شرقا، الى المحيط الأطلسي غربا، ومن تركيا والبحر المتوسط شمالا، الى بحر العرب والصحراء الأفريقية الكبرى جنوبا، والتي يطلق عليها العروبيين إصطلاحا، اسم الوطن العربي، هي بالحقيقة الحاظن الثقافي للأسلام، الذي أنتشر فيها بالفتوحات الإسلامية، إذ لم يجمعها قبل الإسلام جامع قومي أو وطني أو ثقافي، وهي تضم شعوبا وأمما متعددة، بات يربطها رابط أستطاع جمعها، هو الدين الأسلامي.
لكن" أنبياء" العروبة الجدد، حاولوا تنحية هذا الرابط العظيم جانبا، وروجوا لفكرة "العروبة" كبديل عن الإسلام، يجمع عشرات الأثنيات والقوميات والأديان، التي تقطن في تلك المنطقة المترامية الأطراف، من عرب وكرد ونوبيين وتركمان وأمازيغ وشركس وهنود وأفارقة وغيرهم عشرات الأثنيات، كما شمل مسلمين سنيين وشيعة وعلويين ومسيحيين، ودروز واسماعيليين، وغيرهم من المذاهب والأديان والملل والنحل.
كانت هذه الفكرة جزءا من المخطط الماسوني المعادي للأسلام، لأن الإسلام وحده هو من يستطيع وقف المد الصهيوني في فلسطين، وكان "إنتاج" بديل عن الإسلام، أفضل طريقة لتمرير المخطط الصهيوني الماسوني، في إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
ولكي يتسيد "البديل" العروبي عن الإسلام كان لزاما، أن يجري قمع وتهميش الأثنيات والقوميات، في عموم ما يسمى بالوطن العربي، بغية تذويبها بعدما كان الإسلام ضامنا لتعايشها السلمي الأيجابي، ولكي يضمن الصهاينة الماسونيين نجاح خططهم، جرى وعلى نطاق واسع، خنق الحقوق الثقافية للقوميات والأثنيات الأخرى، وفي جميع بلدان المنطقة "العروبية"، ولم يستثن من ذلك أحد قط!
وكان الفيليون في العراق؛ في طليعة من شملتهم سياسات الأقصاء والتهميش بغية التذويب، وأشتدت وطأة تلك السياسات العنصرية، عندما تم تحويل (العروبة) إلى إيديولوجية سياسية ضيقة، مجسّدة في حزب بعينه، «البعث»، قبل أن يتجسد هذا بدوره في شخص مثل صدام حسين. وتالياً تحولها إلى سند للطغيان وسلب العراقيين بلدهم.
فكرة"العروبة" استخدمت بقدر واسع، لتمويه الامتيازات الطائفية، وحجب التلاعب الطائفي منذ وقت مبكر من الحكم البعثي، وفي زمن صدام حسين بخاصة، وكان أن أفرغت "العروبة" من اي مضمون ثقافي أو إنساني، وتحولت الى عنوان للظلم والطغيان.
في المحصلة شكلت هذه "العروبة" المتدهورة، قناعاً لتفريق العراقيين وسائر أبناء بلدان المنطقة موضوعة البحث، وليس الى قاعدة واسعة لتقاربهم ووحدتهم، وكانت كذلك قناعا للمزيد من التخاصم المجتمعي، وبفضل هذه السياسة العنصرية، جرى إستبعاد وتهجير ابناء المكون الفيلي في العراق، على الرغمن من أنهم يشكلون نحو 15% من سكانه.
هذه هي حقيقة نتائج أدلجة القومية العربية، التي لم يربط "أنبيائها، بينها وبين أي قيم تحررية وتقدمية كانت صاعدة عالمية وقتها، بقدر ما أفادت تلك الأيدولوجية الصهاينة أعداء "العروبة" ذاتها، وخلقت للعروبة خصوما جددا، هم أبناء المكونات الذين جرى قمعهم وتهميشهم وتذويبهم، ومنهم الفيليين في العراق، الذين كانوا هدفا مثاليا للبعث العربي الأشتراكي!
https://telegram.me/buratha