علي عبد سلمان
أطلّ أبو مهدي المهندس على شعبه، بشيْبته البيضاء المصبوغة بملح تراب العراق، مجاهداً قبل أن يكون سياسياً، وفدائياً قبل أنْ يكون مقاتلاً تقليدياً، آثر غبار المعارك، على الكراسي والقصور، تاركا ترفها لسياسيي المنافع، وقادة الهزائم..
إطلالته منذ صفحات الجهاد في العهد البائد، الى قتال التكفيريين منذ 2014، ترسم له صورة البطل المحرّر الى جانب رفاقه في الجيش والحشد الشعبي، بلغ بمبدئيّته وتواضعه، ما لا يُبلغ بالخيـل والجنود، مجسداً لنسق جديد من القيادات الشعبية المتجاوز لنمطية الزعامات العسكرية والسياسية التقليدية، الى التأثير المعنوي المباشر في دفع المقاتل إلى تحرير نفسه قبل الأرض، فأنتجـت له همّته وفطنته حبّ الجنود، وأهالي المناطق المحررة.
ولم يكن منهجاً قتالياً نمطياً، هذا الذي أرسى له المهندس في جبهات القتال، القائم على التمهّـل والمباغتة واحتفار الخنادق كتفا الى كتف مع العسكـر، لاستنبـاط الحيلة، والتدبيـر للجولات القتالية، مسخّرا تجربته القتالية الطويلة في الأهوار والصحارى طيلة عقود، حين قاتل نظام الدكتاتور المخلوع، في حرب عصابات، اختصرت الطريق إلى انتصارات على آلة الحرب الصدامية.
ولم يقضّ مضجع الإرهاب اسم كاسم أبو مهدي، مهندسُ طرْد داعش من الكثير من المناطق، بعدما فرض أسلوبا في التحرير والجهاد، يستمده من إيمانه بشجاعة الإمام الحسين (ع) وصبره في معركة الطف، حين جابه جيشا عاتيا من تكفيريين، هم أسلاف الإرهابيين الجدد.
لكن هذا الرجل، الحامل لعبأ الحرب، والكاظم للغيض من هول ما عايشه من أهوالها، لم يظهر في يوم بمثل ما يتوقعه المرء من قائد صنديد، تعلو صدره النياشين، وتحفل كتفاه بالرتب، بقدر ما كان بين المقاتلين، مقاتلاً بسيطاً يجلس على الحصير، ويفترش الأرض، وينام بين أولئك الذين يحرسوه اكثر مما يحرسون انفسهم، لانهم احبوه ووثقوا به.
على أن هذا الإنسان الذي رأى بعينيه ما فعله الأشرار في أبناء طائفته من قتل وتهجير وانتهاك للحرمات وهدم للأضرحة المقدسة، لم يدخل قلبه الحقد على الآخر، فلم ينتقم، ولم يألّب طائفياً، رغم استفزازات أقوام تحشّـت أجوافها بكبريت الكراهية، بل فاجأ الخصوم الذين قاتلوه بالعفو عنهم اذا ما كفّوا، ودحض "طائفية" المعركة، بإعلانه تعاون العشائر "السنية" للتحرير وبسط الأمن، حتى استتبّ له تحرير تكريت بالسياسة والحرب معا.
لحية بيضاء، تحيط بوجهٍ بشِرِ، ملامحه الحلم والصبـر والوقار، تُذكّر المقاتلين بهيئة الرجال المؤمنين، وقامة باسقة تذكّر بقامة ابي الفضل العباس(ع)، وبدلة قتال بسيطة، خالية من ترف المظهر التقليدي، كما يقول مقاتل، ذلك إن هذا الرجل المخضرم، المؤمن، يحق لمقاتليه أن يصفوه بهذا النبل، بعدما غرفوا من بحر إيمانه بآل البيت.
https://telegram.me/buratha