محمد كاظم خضير
ثمة شبه اتفاق بين مختلف مكونات المجتمع المدني العراقي أن ظاهرة العنف السياسي أصبحت ظاهرة مجتمعية وسياسية في الوقت عينه، لاسيَّما عندما تكون الأهداف والدوافع من قبل ممارسي هذا العنف، سياسية بامتياز. والعنف السياسي، هو استخدام القوة المادية أو التهديد باستخدامها، سواء من قبل نظام سياسي معين، أو قوة سياسية معينة، لتحقيق أهداف سياسية محددة.
في مرحلة ما قبل سقوط النظام السابق ، كان العنف السياسي مُوجّهاً من قبل النظام الديكتاتوري السابق ضد القوى السياسية المعارضة على اختلاف مرجعياتها الفكرية والسياسية، حيث مارس النظام السابق العنف ضد مناوئيه، لاسيَّما الأحزاب الإسلاميين منهم، من خلال أجهزته القهرية، وأجهزة المخابرات، وبات يعرف هذا العنف في هذه الحالة بالعنف الرسمي أو الحكومي.
في مرحلة ما بعد سقوط النظام السابق ، وبعد تسلم حكومة العراقية منذ ٢٠٠٣ مقاليد السلطة في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد، تزايدت موجات العنف السياسي من قبل بعض الأحزاب السياسية زايدت مخاوف العراقيون من تصاعد لهجة وأشكال العنف بكل أنواعه في الفترة الأخيرة، خصوصاً منسوب العنف السياسي الذي عكسه تبادل اتهامات خطيرة بين العديد من الأحزاب والشخصيات، مثلما حدث تحت قبة البرلمانية ،. هذا الواقع ذكّر العراقيين بفترات صعبة للغاية مروا بها خلال السنوات الأخيرة، وكانت تهدد الخيط الرفيع الذي يفصل بين الإنتخابات 2018 والسقوط في مربع العنف.
ولكن ما حدث في الأيام الأخيرة شكّل إنذاراً جدياً لكل العراقيين قبيل الدخول في الإنتخابات مجلس المحافظات يؤكد الجميع أنها ستكون حامية، وربما تشكّل مناخاً ملائماً لكل الساعين لإسقاط هذه التجربة الديمقراطية الوحيدة التي نجت من أتون النظام السابق وقطعت أشواطاً مهمة لاستكمال مسارها إلى الديمقراطية.
مظاهر هذا العنف المتصاعد نقله التلفزيون مباشرة إلى العراقيين ، في جلسة للبرلمان بشأن وزارة الداخلية ، كشفت عن حقد متبادل بين أطياف المنظومة السياسية العراقي تجاوز كل أشكال المهادنة التي تفرضها التقاليد والأعراف السياسية
ما الذي جعل العنف السياسي موضوع الساعة في العراق ؟ إنّه ببساطة ما نلاحظه من انتشار الفوضى وتفشي ظاهرة العنف بكلّ أصنافه المسلّط على مختلف فئات الشعب نساء ورجالا، كهولا وشبابا، مناضلين ومبدعين إلخ. كما وظّفت المساجد والشبكات الاجتماعية للدعوة إليه والتحريض عليه. بل أصبح التهديد بالقتل أمرا عاديا وبلغ هذا العنف حدّ القتل والاغتيال السياسي . إنّ ما يحدث هو بمثابة قيام حالة احتلال داخلي يعتمد فيها المحتلّون منطق الغنيمة وسياسة الأرض المفتوحة. . أمّا في ظلّ حكومات مابعد سقوط فإنّ العراقيين أصابهم الهلع من هول ما يسمعونه وما يشاهدونه في وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة وأحيانا ما يعيشونه في الواقع من مظاهر العنف. وانتقلت الظاهرة إلى موضوع يكاد يحتكر اهتمام الباحثين والمحقّقين
ويجدر بنا إزاء هذا الوضع أن نتساءل: هل أنّ العنف السياسي يخدم أفكارا سامية مثل الدفاع عن الوطن وخدمة الشعب وحماية الدّين أم يهدف إلى تحقيق مآرب فئوية ومصالح آنية
طبيعة العنف السياسي الذي يهدّد العراق في اعتقادنا ما يهدّد العراق هو عنف سياسي تأسّس على التعصّب العقائدي وعلى حزب مهيكل على النمط الفاشي وزعيم جعلته الدعاية الحزبيّة شيخا له مريدوه وعلى برنامج يهدف إلى إقامة دكتاتورية وإلى تغيير نمط المجتمع بالقوّة. كما أنّه عنف مرشّح ليكون ممنهجا عندما يتمكّن أصحابه من السلطة ويكون ميزان القوى لصالحهم. وفي هذه الحالة لا يمكن أن نتحدّث عن عنف شرعي هو من احتكار الدولة. وفي هذا السياق يربط الباحثون في موضوع العنف السياسي هذه الظاهرة بالتطرّف لأنّ المتطرّف تسيطر عليه مجموعة من الأفكار العقائدية، وعندما يفشل في تحقيقها بوسائل سلمية يلجأ إلى العنف بمختلف أشكاله: اللفظي والمادي . أصناف العنف السياسي في العراق يمكن القول أنّه لا يخلو أيّ مجال من العنف. وحتّى لا ندّعي الإلمام بجميع أصنافه فإنّنا نذكر ما هو بارز منها. فهي كثيرة رغم أنّ بعض الكتاب اختزلوها في صنفين هما العنف الرمزي والعنف المادي . ولكن ما يهمنّا هنا هو العنف السياسي.
https://telegram.me/buratha