قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com
صار الحديث عن الفساد في الدولة العراقية، مضغ علكة لمن يعاني من تخمة المعلومات عن الفساد، سواء كانت تلك المعلومات حقيقية، تستند الى أدلة وقرائن، أو هو من نمط أحاديث " كلهم حرامية"، الذي تطورت لاحقا الى "كلنا حرامية"..!
في هذا الصدد؛ وعلى الرغم من توفر بنية الدولة العراقية؛ على كثير وليس عديد فقط من الجهات الرقابية، إلا أن الفساد وصل إلى مستويات متقدمة، متخذا أشكالا وممارسات مختلفة؛ بعضها ليس مألوفا حتى في أكثر البلاد فسادا، خصوصا بعد أن تسيدنا قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم، حسب تقريرات منظمة الشفافية الدولية، وهي منظمة حيادية ذات مصداقية عالية، ليست لها أهداف سياسية.
هنا نحاول في هذه المقاربة المملة،أن نتحدث أيضا عن الفساد، ونمضغ بعضا من علكته، فنؤشر على أحد جوانب تطور الفساد وأستمكانه، لنتوصل الى حقيقة مريعة، وهي أن الفساد يزداد إستشراءا، كلما زادت أجهزة مراقبته وملاحقته، لأنه سيعمل على إفساد تلك الأجهزة، وبالتالي يحولها الى براغي في ماكنته،أو في أقل الإحتمالات الى "زيوت" لتسهيل إنسيابيته!
هذه الكثرة في الأجهزة الرقابية؛ هي واحد من أوجه الفساد ذاته، فتعدد الأجهزة الرقابية وكثرتها؛ يجعل مهمة مقارعة الفساد أكثر تعقيدا، وذلك لتداخل الصلاحيات، وعدم وضوح واجبات الأجهزة الرقابية.
مكاتب المفتش العام في وزارات ومؤسسات الدولة، واحدة من بين أكثر الأجهزة الرقابية أثارة للجدل، فهي مرتبطة إداريا وفنيا وتمويلا؛ بالوزير أو بالرئيس الأعلى للدائرة، وهنا مكمن الفساد! فقد تحولت تلك المكاتب؛ إلى أداة للتغطية على أخطاء كبار المسؤولين، كما تحولت إلى سيف مسلط، بيد الرئيس الأعلى للمؤسسة الحكومية، يشهره متى ما أراد ضد مرؤوسيه؛ وعلى مختلف مستوياتهم.
باتت مكاتب المفتشين العامين بهذه الصورة، عامل عرقلة وتثبيط للهمم، بدلا من عامل شحذ لها، ويحق لنا القول وبلا مواربة، أن هذه التشكيلات الغريبة، على الجسم الإداري للدولة العراقية، ليست إلا نسخة رديئة؛ مما كان يعرف في زمن نظام القهر ألصدامي، بضابط أمن الدائرة!
لقد بُحت الأصوات المتحدثة عن جدوائية هذه المكاتب، وثمة حاجة مُلحة الى العودة إلى الأساليب العريقة؛ في التعامل مع المشكلات الإدارية، التي تحصل في أجهزة الدولة، ومنها الممارسات الانضباطية، المتمثلة في اللجان التحقيقية، التي يكون من أعضائها موظفين حقوقيين، يعملون في الأقسام القانونية لمؤسسات الدولة، إضافة إلى فنيين مختصين في القضايا موضوعة البحث.
تجربة خمسة عشر عاما مضت؛ أثبتت أن إستحداث مكاتب المفتشين العموميين في مؤسسات الدولة، تجربة بائسة وليست ضرورية، بلحاظ وجود قضاء عراقي مستقل وعريق، وبوجود هيئة دولة عليا متخصصة، مرتبطة بممثلي الشعب "مجلس النواب"، هي هيأة النزاهة.
كلام قبل السلام: الحاجة مُلحة الى مغادرة هذه التجربة الفاشلة، وتقليص أعداد الأجهزة الرقابية، وإبقاء الضروري منها فقط..أما عنتريات منتسبي دوائر المفتش العام، فيجب أن نأدها ونودعها هي وممارسيها غير آسفين..!
سلام..
https://telegram.me/buratha