أهمية الشرق الأوسط تأتي من حجم تأثيره الأقتصادي، سواء لما يتمتع به من مخزون نفطي، أو من موقعه الإستراتيجي في خارطة العالم، هذا الأمر الذي جعله محوراً للصراع العالمي، نظراً للفائدة المرجوة من السيطرة عليه. وحين تمثل الولايات المتحدة الأمريكية، رأس الحربة في محور الدول الطامعة، بمقدرات الشرق الأوسط، تظهر من وقت لأخر، نظريات التقسيم والتوسعة، مع أختلاف الأسباب المعلن عنها، كداعي لتطبيق النظرية.
أطروحة جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي، في تقسيم الدول لإنتاج شرق أوسط جديد، واحدة من أهم تلك النظريات، وأكثرها تأثيراً منذ أتفاقية سايكس بيكو عام 1916، بما سمي حينها تقسيم الهلال الخصيب في غرب أسيا.
مع أن بايدن أنطلق من فكرة تقسيم العراق، إلا أن المؤشرات تدل على أن التقسيم أذا ما تحقق فعلاً، في بلاد الرافدين، فأنه لن يتوقف على حدوده، وسيتجول بين كل البلدان الملتهبة، وخصوصاً تلك التي تتميز بتنوع ديني أو مذهبي. الطموح الغربي وعلى الرغم من دقة التخطيط، والأساليب المستحدثة في التنفيذ، إلا أن أمواجه تصطدم بصخرة الواقع، فمثلما يمثل وجود العديد من الدول المتحالفة مع الغرب، فرص حقيقية للتطبيق، تمثل إيران ودول قوية أخرى تحديات كبرى تؤخر التنفيذ.
لما أختار بايدن ومن معه العراق نقطة شروع، فأنهم أختاروا المكان الخاطئ وبتوقيت غير مناسب، لمعطيات كثيرة أهمها عوامل القوة الداخلية التي يتمتع بها، من مرجعية دينية ورفض شعبي وتأريخ مشترك، ينعم به تنوعه الديمغرافي.
التقسيم الذي يضعف المكونات العراقية، تجده مرفوضاً ضمنياً حتى وأن كان المعلن، يتماشى مع فكرة جو العجوز، فالكرد يخشون مجاورة تركيا وإيران كدولة مستقلة، والوسط ذو الأغلبية السنية، يعجز عن ضمان العيش بدون أبار النفط ، التي ضمنت عيشهم في السابق.
يذكر أيضاً حجم التداخل بين المكونات، في مناطق معينة، مثل كركوك وديالى وصلاح الدين والعاصمة بغداد، والتي نرى بايدن أضعف من أيجاد حلولاً لمشاكلها.
كما لا يمكن تغييب تأثير اللاعب الإقليمي، فتركيا لا تسمح بوجود دولة كردية، يقدر لها أن تضم أكرادها، ويصعب على السعودية مجاورة ثلاث دول شيعية، (إيران واليمن حاليا ودولة الجنوب العراقي المفترضة). إيران المتوقع أن تكون المستفيد الأكبر، بوجود دولة شيعية بجوار حدودها، تهرب من فرضية التقسيم، لتوقعاتها بمجاورة دولة (داعشية) ، حسب ما يسطره واقع اليوم في وسط العراق، أتجاه الأنفصال وهذا ما ترفضه جملة وتفصيلا.
خطوات تنفيذ مشروع التقسيم الجديد البطيئة، تواجهها خطوات سريعة تفرض واقعاً مغايراً لأهداف الغرب، يمثل الواقع الجديد عودة لما قبل سايكس بيكو، فمحور الممانعة أصبح يتسم بالعالمية، لا تحده حدود ولا تمنعه أسوار مصطنعة.
بالأمس كانت سوريا متناغمة إلى حد ما مع الغرب، كذلك اليمن ولبنان ونظام صدام حسين، أما اليوم فكل تلك الدول تمثل معولاً، لتهديم نظريات التقسيم. ناهيكم عن دول أخرى، لم يتبين فيها الخيط الأبيض من الأسود، وهي في عداد الخسارة للطرفين، ليبيا وتونس ومصر المتضررة أقتصادياً، أمثلة واقعية لسوء التخطيط الغربي.
خلاصة القول.. النظريات الكبيرة والتي من شأنها أحداث التغيير، على أساس التقسيم، عليها دراسة حسابات الفرص قبال التحديات، و عوامل تشجيع تطبيق النظرية داخلياً وخارجياً. طموح الغرب الجامح، مشفوعاً بدول صديقة في المنطقة، بتقسيم الشرق الأوسط، واجه واقعاً جديداً وجدياً فرضه محور الممانعة، وهو ما يربك توقعات بايدن وغيره، وكل مساعي التأثير الأعلامي الجديدة، لا تخلص ألا كونها ورقة ضغط معنوية، لا يتوقع أن تجد تأثيرها في الواقع المادي.
https://telegram.me/buratha