( بقلم : وداد فاخر )
كلنا نعرف مقدار الفضل الكبير للحزب الشيوعي العراقي في إعلاء شأن العديد ممن حصل على تعليم عالي ومكانة اجتماعية وسياسية ,وثقافية بين جمهور كبير من المثقفين والسياسيين العراقيين ، و " مهدي الحافظ " كان واحدا من أولئك الذين شملهم ذلك الفضل الكبير من قبل الحزب . لكنه كالكثير ممن أكل وشرب من " سفرة الحزب " سرعان ما رفس برجليه تلك النعمة التي تفضل بها الحزب عليه ، وقلب للحزب ظهر المجن . ولم ينس أي من الشيوعيين ، أو القوى الوطنية العراقية الموقف الغريب للحافظ ومجموعتة إثناء الحرب العراقية الإيرانية التي أشعلها النظام العفلقي الفاشي عندما طالبوا بالوقوف مع صدام حسين في حربه الكارثية بحجة: (إن العراق يتعرض لمخاطر غزو إيراني ويجب عدم العمل ضده) ، وشكل وآخرين في مدينة براغ عاصمة جيكوسلوفاكيا في العام 1982 تنظيما أسموه ( البديل الديمقراطي ) ، وأصدر التنظيم مجلة شهرية بهذا الاسم قبل حله وتشتت من شكلوه .
وبعد أن انحل هذا التنظيم غادر الحافظ براغ إلى فينا فعمل بأحد أقسام التنمية في مكتب الأمم المتحدة في منتصف الثمانينات ، وبتزكية من النظام الفاشي العراقي ، ثم عمل بوكالة التنمية الصناعية للأمم المتحدة في بيروت لمدة خمس سنوات إلى أن أحيل على التقاعد . ولما كان الدكتور عدنان الباججي وزير الخارجية الأسبق غير معروف في الوسط السياسي العراقي بالنسبة للجيل الجديد ولكونه عاش في سبات طويل بعيدا عن السياسة العراقية متنعما بخيرات ولي نعمته شيخ زايد آل نهيان في الإمارات المتحدة ، فلم يجد غير مهدي الحافظ لكي يكون نائبا له ، وكذلك الحافظ الذي ترك الآخرين من " رفاقه " ، فكان هو نائبا لرئيس " تجمع الديمقراطيين المستقلين " . وهكذا عاد للسياسة عن طريق الباججي لان كلا منهما يكمل الآخر ، وبالأخير ارتمى بشوق في أحضان أياد علاوي عراب البعث الجديد .
مهدي الحافظ الذي لعب على كل الحبال وكان أول من نادى بتأجيل انتخابات الجمعية الوطنية عام 2005 متحججا بحجج كثيرة ، هو نفسه من نادى بعد ذلك وفي مجلس النواب الحالي بتأجيل البت بالنظر في قانون الفيدرالية ، وهو نفسه وفي مقابلة " إيلاف " التي نشرت يوم الخميس 17 . 05 . 2007 من نادى بتأجيل المادة 140 والخاصة بحل قضية كركوك وهاكم فتواه التي يقول فيها (وبرأيي يجب تأجيل تنفيذ المادة 140 حاليا وإعطاء فرصة لمزيد من البحث الإضافي للوصول إلى النتائج التي ترضي جميع الأطراف ) . لكنه لا يؤجل مطلقا مسألة أخرى مثل مسالة قانون اجتثاث البعث عندما يطالب قائلا ( إن مسألة اجتثاث البعث يجب أن تقوم على أساس إلغاء قانونه ) . وبدل أن يضع اللوم على من يقف ضد تطور العملية الديمقراطية من الجهات المعروفة للقاصي والداني والتي تقف مع الإرهاب وتشجعه وتوفر المأوى والدعم اللوجستي له ينهال على المكون الثاني للشعب العراقي وهم الإخوة الكورد ويورد نصا في حديثه يقف بالضد من تطلعات الشعب الكوردي عندما يقول ( يجب أن يحسب حساب إلى النهج السياسي المتبع في العراق حاليا والقائم على إنعاش الخصوصيات الضيقة .. ومن بين الملاحظات التي تذكر هنا – وهذه أمور يعترف بها الإخوة الأكراد – إن الخصوصية القومية الكردية كانت محور تفكير الأكراد بحيث برزت ملاحظات إن الهوية الكردية بدأت تأتي متقدمة على الهوية الوطنية العراقية والبرنامج الوطني العراقي المشترك . وقد بدأ هذا البرنامج الوطني يأخذ في بعض الأحيان أهمية ثانوية في محور تفكير الخصوصية الكردية ) . بينما نعرف إن هناك توجهات عروبية – اسلاموية ظهرت داخل التكتلات الموجودة مطعمة بدعاوى وطروحات عدوانية ضد بعض من مكونات الشعب العراقي من غير المسلمين لم تجد أي عناية في حديث الحافظ سالف الذكر .
لكنه يترك كل إشكاليات بعض القوى المسلحة التي استخدمت مفاهيم غوغائية جديدة بغية ابادة العراقيين بحجة المقاومة التي ألبسها الحافظ الشرعية وهو يقول (فطالما هناك احتلال فان هناك مقاومة ) ، ويجيب سائله حالا عندما طرح عليه : الحل لإشكالية تنوع أهداف حاملي السلاح وماذا يتطلب هذا الأمر برأيك ؟ ، يرد قائلا : ( إن هذا يتطلب مناقشة حاملي السلاح أو المعنيين بالمقاومة )!! .
وعن : موقف حزب البعث من العمليات المسلحة ( وأين يقف حزب البعث من هذا الوضع خاصة وانه يرفع شعار المقاومة الوطنية للاحتلال ؟ ) ، يرد السيد الحافظ قائلا ( إن هذه المسألة حساسة فالبعث يعتبر نفسه جزءا من المقاومة الوطنية .. ومن خلال الاتصالات والأحاديث مع متنفذين فيه فإنهم يؤكدون انه يختلف عن الإرهابيين ويمتنع عن استهداف المدنيين ) ، ويواصل رده قائلا : ( أنا التقيت كثيرين من البعثيين وبحديث ودي وصريح قلت لهم إنكم أمام تحد كبير وعندكم مشكلة الماضي والناس تريد أن تسمع منكم الآن ما هي الدروس التي استخلصتموها من التجربة السابقة . هناك قسم منهم متجاوب مع هذا الطرح ويعترف بان هناك مشكلة داخلية في الحزب حول هذا الأمر لكنه مع ذلك يبقى من المهم إعادة الحزب النظر في تجربته السابقة وتقويمها من جديد واستخلاص العبر منها .. وهذه مسألة طبيعية تقوم بها جميع الأحزاب . النقطة الأخرى بالنسبة إلى البعث وهو حزب علماني إن هناك ممارسات طائفية بدأت تظهر على ممارساته دخل فيها الإطار السني والشيعي .. وهنا السؤال يطرح نفسه : أين المنظمات الطليعية التي تميز نفسها عن هذا الطرح ببرنامج ديمقراطي يحارب الاحتلال بأساليب خاصة ويساهم في بناء العراق ؟ ) . ومع إن هناك الكثير مما يستفز في حديث ( الدكتور ) الحافظ ، إلا إن ما أثارني أكثر ويثير حتما جميع شرفاء العراقيين تساءل( الدكتور ) الغريب عن ( المنظمات الطليعية ) لحزب فاشي دكتاتوري قام بمجازر لا أول لها ولا آخر تقف في مقدمتها مجزرة حلبجة ومجازر الأنفال ، والاهوار وحروبه العبثية ومقابره الجماعية ، ليخرج علينا ( الدكتور ) ببدعة ( المنظمات الطليعية ) ، ثم ما هي الدروس التي يجب أن يستخلصها حزب البعث من تجاربه السابقة ؟؟!! ، ونحن نعرف جميعا دروس حلبجة والأنفال والحرب على إيران ، واحتلال الكويت ، ومقابر جماعية لم يعرف لحد الآن عددها الحقيقي ، وتهجير وتقتيل ونهب وسلب . ثم يزيد الطين بلة كما يقال عندما يستطرد قائلا وبطريقة عجيبة وهو يخالف الأحداث والتاريخ المعروف عن حزب العفالقة القومي الشوفيني الذي أسس لنهج مبرمج للنزعات الطائفية عندما يقفز فوق الحقيقة بقوله الذي يحمل من الغرابة الكثير ويكشف عن تصميم واضح في " لعبة الختيلة " في التحليل السياسي للحزب العفلقي الفاشي ، كون هذا الحزب بطبيعته حزب انقلابي، لا يؤمن بالتغيير الديمقراطي الذي يستلزم النفس الطويل "المادة السادسة من المبادئ العامة " ( والغريب إن الهوية الطائفية بدأت تطغى على طروحات حزب البعث وبياناته وتشير إلى هذا بوضوح وهو أمر يخالف تاريخ الحزب وفكره ) . فكيف تكون هناك منظمات طليعية ، وقوى سياسية معتدلة تؤمن بحرية الفرد وحقه في العيش إذا كان دستور البعث لا يقر ذلك بالنسبة لغير العرب من ساكني البلدان العربية ، فالمادة الحادية عشرة من المبادئ العامة من دستور حزب البعث التي تقول: "يجلى عن الوطن العربي كل من دعى أو انضم إلى تكتل عنصري ضد العرب وكل من هاجر إلى الوطن العربي لغاية استعمارية " . لذلك فحزب البعث لا يرى في وجود بقية القوميات والأقليات التي تعيش في البلدان العربية ضمن استنتاج عام مفاده إن القوميات والأقليات الغير عربية يجب أن تكون ضمن أهدافه وتوجهاته ، بل إن أية مطالبة من قبل الشعوب أو الأقليات بالحقوق القومية الديمقراطية توضع لدى البعث في خانة المؤامرات الاستعمارية التي تستهدف طاقات العرب ووحدتهم، وإشغالهم بمعارك هامشية. وقد أكد ميشيل عفلق هذه الحقيقة في خطاب ألقاه في العاشر من حزيران عام 1969، إذ اتهم فيه "الحركة الكردية في العراق على وجه التحديد بأنها جزء من المخطط الإمبريالي" . فالرابطة القومية هي الرابط الوحيد لدى منظري البعث وهذا شاعرهم يقول مؤكدا هذه الحقيقة ومتجاوزا على الباري عزوجل : ( آمنت بالبعث ربا لا شريك له وبالعروبة ديناً ما له ثان ) .، ثم يزداد احد شعرائهم عتوا عندما يقول متطاولا على رب العزة والجلال : ( نـحن البعث والدنيا بنيـناهـا لو امتدت يـد الله إلى البـعث قـطعناها ) .
ترى ما الذي في جعبة ( السيد الوزير ) مهدي الحافظ ليقوله من مديح مستنبط من قبله عن البعث بعد كل ما بدر من قهر وتقتيل ومقابر جماعية ، وكفر وتجاوز على الباري جلت قدرته ؟؟!! . ليأت ( الدكتور ) ويحدثنا عن ( المقاومة الشريفة ) للبعث ، ويتساءل متغافلا عن حقيقة البعث الذي خبرها قبل غيره أين دور ( المنظمات الطليعية ) وهو أدرى من غيره كـ ( مناضل ) شيوعي عاق ، بدا عقوقه السياسي بالدعوة للوقوف مع البعث في حربه الكارثية ضد الجارة إيران التي يضع في مقابلته كل اللوم في سبب الإرهاب عليها متناسيا عن عمد دور جميع الدول الإقليمية اللاعبة على الساحة العراقية الآن وبضمنها إيران ، وليست إيران لوحدها كما نعرف جميعا ، ويريد أن يختمها بحديثه عن استغرابه المبطن بدهاء سياسي مكشوف عن ( طغيان الهوية الطائفية لحزب العفالقة ) وكأن حزب العفالقة كان في يوم من الأيام حزبا وطنيا علمانيا كما يحاول ( السيد الوزير ) إقناعنا من خلال حديثه الغريب لموقع " إيلاف " الالكتروني .
والاستنتاج الأخير الذي خرجنا به جميعا من حديث الحافظ الأخير لـ " إيلاف " إنه ناصح أعداء الشعب العراقي وتودد لهم من البعثيين الذين يحملون السلاح ويشاركون التكفيريين عملية مواصلة الابادة الجماعية التي لم تنقطع منذ عودتهم للسلطة في العام 1968 لحد الآن . ووجه سهام اللوم والتجريح للعراقيين ، وخاصة الشعب الكوردي . وهذه أولى ثمار " المجلس العراقي للثقافة " الذي يمثل الحافظ عنوان " رئيس المؤتمر" فيه . آخر المطاف : قيل عن الكلمة : ( قلم الكاتب أمضى من سيف المحارب فهو سيف ينفذ في المقاتل وشفرة تطيح بالمفاصل.) وداد فاخر - شروكي من بقايا القرامطة وحفدة ثورة الزنج www.aslaymar.de.ki
https://telegram.me/buratha