( بقلم : ابو مرتضى العسكري )
جمعتنا وبعض الإخوة في هذا الأسبوع سلسلة من لقاءات العمل في ميادين شتى يتعلق اغلبها بهموم وقضايا التي تهم المواطن وفي مقدمتها الشرائح الأكثر تضررا من الذين قدموا تضحيات لايمكن إغفالها. ومع إن الحديث في هكذا مواضيع بات مكررا أو إن الكثير من مسئولي الدولة والقيادات السياسية على دراية بتفاصيله الدقيقة، إلا أن المعرفة والتفهم والسعي شئ والتصدي للمشاكل بروح المسؤولية والشجاعة للوصول إلى علاج شئ أخر, وهذا بالضبط ما نريد تناوله في هذه المقاربة،
وإذا كانت التفاصيل المتعلقة بجزئيات العمل الأمني الميداني يجب أن تحجب للدواعي التي يفترضها العمل الأمني وطبيعته, فأن المبرر مفقود عمليا لدى الحكومة والجهات الأمنية بتركها مسالة امن الكرخ من بغداد لغزا محيرا أمام المواطن والكثير من القوى السياسية؛ بل إن أطرافا حكومية على أعلى المستويات ابتداءآ من رئاسة الوزراء ووزراء الدفاع والداخلية ومستشار الأمن القومي وصولا إلى قائد عمليات بغداد والناطق الرسمي لخطة فرض القانون بالإضافة إلى اللجنة الأمنية في مجلس المحافظة, كانت تضخ إلى سكان الكرخ تحديدا تطمينات ووعود بان الأمن في الكرخ سيشهد انعطافة كبرى وان المواطنين سيلمسون تحسنا متسارعآ بالوضع هناك؛ ولكي نكون منصفين نقول إن الايام الأولى من الخطة شهدت بعضآ من الذي قيل، ليس بسبب الاجرائات التي اتخذتها الأجهزة الأمنية بل بسبب نزول القوى الارهابية ( تحت الأرض ) تحسبا من الخطة التي سبقها طرح إعلامي واسع ربما اكبر من حجمها بكثير, ومع إن هذا أمر مشروع بالعمل الأمني لكنة عندنا وصل إلى حد التضليل وهو حد نأسف له وما كنا نتمنى إن تقع فيه أجهزة دولتنا سيما في مستوياتها العليا ! بل كنا نتمنى أن تكون أقوال المسئولين منسجمة مع نفسها ومع حجم إمكانياتهم وصلاحياتهم, وكنا ايضآ نتمنى أن يكون هناك حد من المصارحة لدى تلك المستويات مع أبناء الشعب في مجال لا يحتمل الخطأ أو التسويف أو اللف والدوران, وكان أجدر بها أن تؤشر بناءا على مسؤوليتها المفترضة مواطن الخلل في مستلزمات الخطة وفي تطبيقها, ولن يكون مجديا اعتماد أساليب الإبهام والتضليل وهي أساليب تسقط فورا إمام الواقع العراقي الجديد.
إن استمرار الوضع على حاله بالرغم من إكمال الخطة شهرها الثالث بل انه ازداد ترديا وسوءا وانتقال مستويات العنف والإرهاب إلى أفاق أعلى، واعتماد الإرهاب أساليب جديدة يؤشر إن أجهزة الأمن لم تكمل استعداداتها وغير مهيأة لأسباب عدة سيتم تناولها هنا, كما يؤشر بذات الوقت انه مع اجادة الإرهاب لعبة الكر والفر، فأن الحديث عن امتلاك قوات الأمن العراقي لروح المبادءة وان زمام المعركة بيدها وأنها انتقلت إلى صفحة الهجوم, أحاديث سابقة لأوانها, وتسقط أمام الحقائق الميدانية الدامغة وهي حقائق مؤلمة وليست في صالح الحكومة وأجهزتها على أية حال.
ولعل من المناسب هنا تأشير بعض ملامح الوضع الأمني في الكرخ بشكل يقترب من التفصيل, لا لغرض طرح الحالة على أمل نقلها إلى جهة القرار لاتخاذ ما يلزم بشأنها بل إن الغرض هو وضع الأمر على المسار الصحيح بطرح الملمح المؤشر ومسبباته الميدانية للوصول إلى حل نهائي.
فمن المفيد الإشارة إلى إن هناك إدراك لدى الناس أن الأقوال التي روجت إلى أن الخطة الأمنية عراقية 100 % هي أقوال ليست دقيقة ابدآ، وأنها تفقد زخمها عمليا أمام حقائق الميدان التي تشير بأن المتعددة الجنسيات هي التي تمسك بالزمام بالكرخ لأسباب إستراتيجية باتت معروفة لدى ألقاصي والداني, وترتبط بثوابت السياسات العليا الأمريكية التي بنيت على قراءات ربما خاطئة أو غير عملية. ويصعب على المتابعين ناهيك عن السكان تقبل منع القوات متعددة الجنسيات للقوات الأمنية العراقية من ملاحقة الإرهابيين في غرب بغداد كمناطق السويب والشهداء والشرطة الخامسة والمواصلات بدعوى ان امن هذه المناطق من مسؤولية متعددة الجنسية فقط, وهو ما يؤشر انخفاض مستوى التنسيق بين الطرفين وعدم قبول المتعددة الجنسية لفكرة أنها قوات للإسناد فقط ضمن مفردات الخطة الأمنية, وتحويل الوضع إلى ما يشبه احتماء الإرهابيين بها عمليا, وهو وضع نجم عن روتينية وبيروقراطية القيادات الميدانية العسكرية للمتعددة الجنسية من جهة، و استخدامها معايير لا تصلح في ظروفنا، وتخوفها المفرط من الإعلام ومن منظمات حقوق الإنسان من جهة أخرى, مما انعكس ميدانيا بشكل تردد تلك القوات عن استخدام القوة وإحجامها عن التحرك الميداني وافتقدها روح المبادرة، و انعكست عليها بصورة مباشرة النقاشات ومشاريع القوانين التي تطرح في بلدها ألام للحد من تمويلها. والضغط عليها للرجوع إلى الوطن من قبل الكونغرس الأمريكي بأغلبيته الديمقراطية التي حولت العراق إلى ورقة انتخابية رخيصة، فانعكس الأمر بالمعركة على الإرهاب بالعراق, بشعور بالمقاتل الأمريكي بأنه موجود هنا لأمد قريب وان لا قضية لديه يقاتل عنها بالحقيقة. وتنسحب ملاحظات مشابهة حول وجود واستخدام عدد من قوات البيشمركة الكردية ضمن إطار الخطة الأمنية الحالية, وكان مفهوما ان النوايا من هذا الاستخدام سليمة بأساسها وطيبة وصادقة والغرض منها:أولا إشراك هذه القوات ضمن خطة عراقية لإشعارها وتربيتها بالروح العراقية وهي التي نشأت وتكونت بظروف العداء للسلطة المركزية العراقية, وثانيا أنها قوات محلية لكنها محايدة بالشأن الطائفي الذي يعتبر العلامة الأبرز في العنف المتصاعد في بغداد والكرخ منها على وجه الخصوص, وهي قوات نشأت وفقآ لاعتبارات قومية تخص إقليم كردستان وليس لديها توجهات دينية ظاهرة وان كان يغلب على أفرادها الانتماء للمذهب السني لكنه انتماء لا يتغلب على انتمائها القومي. وميدانيا هناك شعور بتحول وجودها إلى وجود بروتوكولي ليس إلا، وهو ما نجم بالتأكيد عن ان هذه القطعات ما زالت تحمل عقيدة ان ارض واجبها ومعركتها ليست في بغداد وهو ما يعرف بالعقيدة العسكرية لها. إضافة إلى ان هذه القطعات واجهت في بداية مشاركتها بالعملية الأمنية في بغداد هجمات متكررة من جماعات مسلحة تحسب على التيار الصدري من جهة وأخرى تحسب على الجماعات السنية من جهة أخرى, ووجدت هذه القطعات نفسها في معمعةة تقتضي الحكمة التعامل معها بما يحمي أمنها الذاتي فلجأت إلى ( التفاهم ) مع الطرفين ويبدو ان ( التفاهمات ) اثمرت عن عدم تعرض هذه القطعات إلى إي هجمات مقابل غضها الطرف عن نشاط المقابل.
وعلى صعيد قوات الشرطة المحلية والنجدة والمرور, فقد أثبتت هذه الأجهزة وبشكل لايمكن إنكاره أنها مازالت تعمل على ذات النهج الذي تربت عليه إبان حقبة النظام ألبعثي والأنظمة السابقة له، وان فساد هذه الأجهزة من النوع المتأصل الذي يتطلب علاجه وقتا طويلا وإجراءات طويلة، لعل من بينها ( إبدال الطبيب والمريض ) بمعنى تبديل المسئولين عن هذه الأجهزة وتبديل الأجهزة ذاتها. والمواطن وصل في تعامله مع هذه الأجهزة إلى حالة اللا ثقة تماما. فهذه الأجهزة ألان لا تعمل لفرض القانون وخطته الطموحة، بل أنها عادت وبعزم إلى ( هوايتها ) المتجددة دوما بممارستها لعمليات ابتزاز المواطن وعلى الأخص سيارات الحمل والأجرة, ويمكن دوما مشاهدة سيارات حمل قد توقفت على مبعدة من نقاط التفتيش للشرطة حصرا فيما يساوم احد أفراد الشرطة سائقها على مبلغ ما لغرض السماح بمرور السيارة بحمولتها، وألا فأن مصيره المضايقة والتعطيل, وبالا مكان امرار أي شاحنة مهما كانت حمولتها في أي نقطة تفتيش تابعة للشرطة بعد التفاهم ( والتوريق ) وهذا واحد من أسباب ارتفاع وتأئر السيارات المفخخة بعموم بغداد والكرخ خصوصا.
وكان من المؤمل ان تسفر خطة فرض القانون عن عودة العوائل المهجرة إلى مساكنها التي هجرت عنا قسرآ من قبل قوى الإرهاب؛ لكن إجراءات الحكومة ووزارة الهجرة والمهجرين ومجلس محافظة بغداد ووزارة التجارة وهي أطراف مهمة بالحل كانت شبه معدومة, والادعاءات الرسمية بعودة ( ألاف ) العوائل المهجرة ادعاءات إعلامية لا وجود لها على ارض الواقع. ولم تتحمل الحكومة مسؤوليتها القانونية تجاه من تضرروا نتيجة لتقصيرها في حمايتهم, ومن المتوقع ان تثار زوابع سياسية كبيرة في وجه الحكومة لإخفاقها في هذا المجال؛ ويعتزم بعض المهجرين القيام بتحركات بالمستقبل القريب الغرض منها لفت الانظار إلى حجم معاناتهم وسنشهد اعتصامات واسعة في المحافظات التي هجروا إليها، كما نما إلى علمنا ان هذا سيحصل في كربلاء التي تغص بالمهجرين الذين يعيشون في ظروف سيئة وبالغة التردي, بل من المتوقع ان يقوم بعضهم من خلال منظمات المجتمع المدني بمقاضاة الحكومة, ذلك ان حجم المشكلة كبير جدا واصبحت مشكلة وطنية وتحتاج إلى حل وطني ينطلق من تشريع ثابت وحلها ومساعدة المهجرين واجب حكومي يقع ضمن الحقوق الثابتة للمواطن وليست هنالك منة من الحكومة عليه. ان الدولة بعناصرها الحكومة و مجلس النواب و مجلس الرئاسة تعاملت مع هذه المشكلة وكأنها تعطي (( صدقة )) لاولائك المظلومين؛ ولقد فقد المهجرين ممتلكاتهم وأرواح أبناءهم ودورهم وسياراتهم وأثاثهم وذكرياتهم وتأريخهم ومصادر رزقهم ليس بسبب الإرهاب فقط، بل لان الدولة دفنت راسهاعن المشكلة وكأنها كانت راغبة بذلك كحل للمشكل الطائفي ! . وما لم نحل هذه المشكلة ستبقى الاحقاد المتبادلة تتأجج بالصدور وستكون مبعثا للانتقام المتبادل,
ومن جانب أخر فان إجراءات الحكومة للحد من التحريض على العنف والإرهاب بتطبيق قانون مكافحة الإرهاب كانت صفرية القيمة, وما زلنا نسمع من هذا المنبر الإعلامي أو ذلك لغة طائفية افترائية محرضة على العنف, وما زالت أسماعنا يخدشها الخطاب المتشنج لفئات سياسية بعضها مشارك بالعملية السياسية وبعضها خارجها، بل مازلنا نسمع مثل هذا الخطاب من الجوامع التي يفترض ان يكون هناك عمل باتجاهها من قبل مجموعة الحشد الجماهيري التي قاد نشاطه الدكتور احمد ألجلبي ووزعت الأموال رزما, ثم خبي نشاطها وكأنها هبة وانتهت أو إسقاط فرض ليس إلا. و(( نكتشف )) يوميا ان الجوامع مازالت اوكارآ ارهابية تستخدم لتنفيذ عمليات القتل الطائفي والتهجير ألقسري وتفخيخ السيارات, وبعضها القي القبض على مجموعة تزيد على ( 40 ) مقاتلا في داخله، كما في جامع الإسكان الشعبي في حي الدورة, وعلى سبيل المثال لا الحصر فان جوامع معاذ بن جبل في السيدية وجامع أبي بكر الصديق في حي العامل وجامع النور في حي الجهاد وجامع نجمة في حي الجامعة وجامع الحسنين في العامرية وجامع لا اله الا ا... في حي العدل وجامع أهل البركة في البيجات في المنصور وجوامع أخرى في الخضراء والغزالية والدورة والدوانم هي بالحقيقة ( مقرات ) للإرهابيين علنية, وعلى عينك ياتاجر! , ويفترض تطبيق قانون مكافحة الإرهاب بحزم وإغلاقها نهائيا لأنها ليست بيوت لله بل بيوت للقاعدة.
وكان من المؤمل تأمين الطرق الرئيسية في الكرخ وفي غرب بغداد. واهم الطريق الموصل بين جنوب بغداد والكاظمية والذي يمر بالبياع, حي العامل, نفق الشرطة, حي الجامعة, العدل, والذي يسمى شارع الربيع وهو شبه مغلق, والمرور به محفوف بالمخاطر، ولا تسلكه سيارات النقل العام بتاتا لعدم الموثوقية بالإجراءات المتخذة من الأجهزة الأمنية, وانعكس هذا بصورة واضحة على النشاط الإنساني والتجاري في اغلب أحياء الكرخ، الذي هو إما منعدم تماما أو في أدنى صوره. وهو أمر له مردوداته السلبية.
وعن الخدمات الساندة ولخروج اغلب أحياء الكرخ وخصوصا مناطق غرب بغداد عن سلطة الدولة والقانون فأن الوضع تدهور بصورة خطيرة وتدنت الخدمات الصحية إلى أدنى مستوى لها و دون المقاييس البشرية بكثير وأغلقت اغلب المؤسسات الصحية الصغيرة والمتوسطة، وبعض المستشفيات الكبيرة تعمل بربع طاقتها والطواقم الطبية تعمل بظروف صعبة جدا وعدد الأطباء في تناقص مستمر جراء الهجرة وتعرضهم للقتل وقلة الدعم المادي الحكومي لهم وغياب الحوافز عن العمل, بل ان معظم الكوادر الطبية الخافرة لا تجد غذاء !! في المستشفى اضافة إلى انقطاع الماء والكهرباء. والوضع الصحي بالكرخ سيؤدي إلى كارثة
وعلى صعيد الخدمات البلدية وأعمال التنظيف ورفع الأنقاض والتجاوزات فهي اقل من 10 % من الاحتياج. فيما أمانة بغداد تفهم العمل البلدي على انه صبغ أرصفة فقط!. إضافة إلى ان الأعمال التي نفذت وجراء غياب الرقابة الهندسية والتي صاحبها غياب الضمير ! فأنها نفذت بنوعية رديئة جدا, وحال الكهرباء بالكرخ يمكن وصفها بجملة واحدة : اسواء مكان في العراق! وعلى سبيل المثال فمنطقة السويب بلا كهرباء منذ أكثر من سنة تماما لأن محطة التحويل الثانوية اخاصة بها في حي الجهاد تحت سيطرة الإرهابيين
وانعكس تردي الأوضاع على المصارف الحكومية والأهلية, حيث أغلقت معظم المصارف أبوابها ونقلت نشاطها وموظفيها إلى أماكن اقل سخونة وهو مؤشر على ( النجاح الكبير ) لخطة فرض القانون الذي يتبجح به عبود كنبر وقاسم عطا مع احتفاضنا برتبهم وألقابهم العسكرية !
ولدينا أمثلة ليست بحجم صغير على ( فلتان ) الأمر من يد الحكومة حيث تجوب شوارع الكرخ ( مجاميع ) من سيارات الدفع الرباعي بعضها مواكب للمسؤلين الرسميين لكن معظمها لمجموعات ارهابية متسترة بعناوين رسمية تمر من نقاط التفتيش بلا تفتيش وتنقلب بأية لحظة إلى وحوش كاسرة كما في السيدية وحي العدل.
هذا هو الحال في الكرخ وخطة فرض القانون التي كثرت الخروقات لها والتحديات التي تواجهها تحديات الغرض منها افشالها وإفشال الحكومة, بحاجة إلى مراجعة وتجديد دمائها البشرية وإعادة النظر بالكثير من أهدافها وتفاصيلها, وإذا كانت الحكومة قد تحسبت للفشل منذ البداية واعلنت بان نتائج الخطة لا تتضح إلا بعد مرور ستة اشهر عليها ،فها قد مرت ثلاثة اشهر على الخطة والمفروض ان نحصل على 50 % من النتائج لا ان نشهد تراجعا امنيا, ومفتري من يقول العكس أو مكابر على الأقل. السيد ابو مرتضى العسكري
https://telegram.me/buratha