محاضرة للدكتور وليد البياتي القيت في مركز الابرار- لندن
لمحة من تاريخ سامراء:
على الرغم من ان سامراء (من اسمائها سر من رأى وسامرا) قد بناها المعتصم (ت227/841) لتكون معسكرا لجنده الاتراك، ثم لتصبح عاصمة للملك العباسي والتي ظهرت اول مرة للوجود بتاريخ (221 للهجرة) إلا ان اسمها لم يرتبط بالمعتصم العباسي قدر ارتباطة بالامامين العسكريين (نسبة الى محلة عسكر احدى محلات سامراء ) فهذه المدينة لم تكتسب سمعتها التاريخية لكونها بقيت عاصمة للملك العباسي لمدة نصف قرن (271/892 ) لكن هذه المدينة التي شهدت سكن الامام العاشر وولادة الامام الحادي عشر من ائمة اهل البيت عليهم السلام قد اكتسبت روحانية وقدسية خاصة جعلتها في مصاف المدن المقدسة مثل النجف الاشرف وكربلاء المقدسة او الكاظمية المعظمة، ومن الناحية التاريخية والعقائدية لايمكن الاحاطة التامة بتاريخ هذه المدينة دون الرجوع الى تاريخ الامامين العسكرييمن عليهما السلام. لتكون الاحاطة موضوعية وترتكز الى اسس تاريخية.
تقع سامراء، حيث مرقد الامامين على الهادي والحسن العسكري الذي تعرض لعملية تدمير شبه كاملة يوم الاربعاء 22 شباط 2006 بفعل تفجيرها، علما انها تقع فيما بات يعرف بمنطقة المثلث السني. كما انها واحدة من اربع عتبات رئيسية في العراق لأئمة اهل البيت عليهم السلام والتي يقدسها الشيعة في العالم. وتقع سامراء البالغ عدد سكانها حوالى 200 الف نسمة والتي تبعد مسافة 120 كم الى الشمال من بغداد على الضفة الشرقية من نهر دجلة وتمتد على مسافة 35 كم. وتعود المدينة الى الحقبة الاشورية حيث بنى الملك سنحاريب قلعة فيها العام 690 قبل الميلاد. وقد لقي الامبراطور جوليان، الملقب بجوليان المرتد ( لانه ترك الديانة المسيحية وارتد الى الوثنية) الذي كان يراهن على نهاية المسيحية، حتفه فيها اثر اصابته بجروح قاتلة عام 363 ميلادية. وفي مطلع القرن التاسع، لم يبق من سامراء سوى دير للرهبان محاطا بعدد من المنازل عندما اختارها الخليفة المعتصم عاصمة لحكمه بينما كانت بغداد على اهبة التمرد. وكان المعتصم قائدا حربيا وملما بالفن المعماري في الوقت ذاته، فاستقدم المعماريين والمواد اللازمة والفنانين من جميع الامصار الاسلامية من اجل تشييد المدينة التي اطلق عليها اسم "سر من رأى"، لكن اسم سامراء ما يزال طاغيا. وسرعان ما تطورت المدينة وخصوصا مع عمل الخلفاء التسعة الذين تعاقبوا على الحكم على تحسينها وتجميلها دون توقف حتى العام 271/892. وحتى هذا التاريخ، اي مع عودة مركز الخلافة الى بغداد، بدأت سامراء تفقد بريقها واهميتها. وقد دمرها المغول لكنها صمدت بفضل زوار العتبات المقدسة، ووجود المرجعية الشيعية فيها لفترة من الزمن، اضافة الى انتقال عدد من البيوتات الشيعية من بغداد وغيرها من المدن لتسكن سامراء مجاورة لمرقدي الامامين العسكريين مما وسع رقعة السكن فيها واوجد حركة تجارية واسعة كان للتجار الشيعة الدور الاكبر فيها،
المواقع الاسلامية لآل البيت عليهم السلام:
1- يعتبر مشهد الامامين علي الهادي ( ع ) والحسن العسكري(ع) أهم معالم مدينة سامراء.2- مشهد صاحب الزمان ( عج) ، وقبة سرداب الغيبة وقبر السيدة نرجس زوج الإمام الحسن العسكري ( ت سنة260 هـ) .
3- قبر السيدة حليمة بنت الإمام الجواد ( ع ) ( ت سنة 260 هـ) .
4- مرقد السيد محمد بن الإمام علي الهادي ( ع ) ( ت سنة 252 هـ) .
5- قبر أبي هاشم داود من ذرية عبد الله بن جعفر ( ت سنة 261 ) .
6- قبر الإمام محمد الدري الذي ينتهي نسبه إلى الإمام الكاظم ( ع ) ( ت سنة 300).
7- قبر الشيخ محمد الجاجيري ( ت سنة 590 هـ) .
8- قبر الشيخ كمر بن هلال ( ت سنة 1200 هـ) .
9- مرقد بنات الكاظم ( ع ) في ناحية الدجيل.
10- مرقد بنات الحسن ( ع ) في منطقة الجلام .
11- مرقد آمنة بنت الإمام الحسن ( ع) .
12- مرقد إبراهيم بن مالك الإشتر النخعي ( رض).
13- قبر أحمد الدنبلي الخوئي ( سلطان خوي ) ( ت سنة 1200 هـ) ،
14- قبر محمود الطهراني ( ت سنة 1304 هـ) ، قبر مهدي الشيرازي ( ت سنة 1308 هـ). 15- مرقد إبراهيم النوري ( ت سنة 1320 هـ) ، قبر محسن الزنجاني ( ت سنة 1321 هـ).
الامام علي بن محمد بن علي الهادي عليهم السلام:
ولد الامام علي الهادي في 278 /212 للهجرة وهو الامام العاشر من ائمة الشيعة الامامية وكانت ولادته المدينة المنورة في قرية اسسها جده الامام موسى بن جعفر عليهما السلام. وقد لقب بالعسكري بعد ان اشخصه المتوكل من المدينة المنورة الى سامراء وسكن محلة عسكر( وهو الاسم الذي عرفتبه سامراء باعتبارها معسكرا للجند الاتراك) وقد عاصر عهد ملك المتوكل العباسي الذي حاول اغتيال الامام الهادي عليه السلام اكثر من مرة، والمتوكل هذا هو الذي امر بتجريف قبر الامام الحسين عليه السلام واجراء المياه لطمس معالم القبر المقدس. لقد عاش الامام علي الهادي في واحدة من احرج مراحل التاريخ الشيعي اتسمت بأضطهاد الشيعة ومطاردتهم ومنعهم من الاتصال بالامام، وقد استشهد الامام علي الهادي مسموما في /859254 للهجرة في سامراء ودفن فيها.
الامام الحسن بن علي بن محمد العسكري عليهم السلام:
ولد الامام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام في الجمعة السادس من ربيع الاول على رواية او الثامن من ربيع الثاني 874/232 هجرية ( المناقب، ابن شهراشوب 4/422) و (اعلام الورى/367) ، لتدخل الامامة احد اهم مراحلها التاريخية، ليس فقط باعتبار خطورة المرحلة التاريخية من حكم بني العباس، أو لمجرد ان ولادة اي من الائمة عليهم السلام تعتبراشراقا نورانيا في تاريخ الانسانية جمعاء، ولكن لانه الحادي عشر من أئمة اهل البيت عليهم السلام، مما يؤشر قرب ولادة الامام الحجة( المهدي عجل الله فرجة الشريف)، فالتاريخ الرسالي حمل على الدوام البشارة بولادة مخلص البشرية ومنقذها، مما جعل ملوك بني العباس يديمون الترقب لولادة هذا الامام، وهكذا كلما تحركت مسيرة الامامة باتجاه ولادة امام في السلسلة المباركة ، كلما شعر الطواغيت باقتراب نهايتهم، وكما قال الامام الصادق عليه السلام: " منذ ان خلق الله آدم عليه السلام لم تخل الارض من حجة" فان ولادة الامام الحسن العسكري تعتبر استمرارا للسنن الالهية التي جعلها الحق سبحانه لطفا منه للعباد، وحجة تنزاح امامها كل الحجج، كي لا يبقى للمخلوق حجة على الخالق، كما يمكن اعتبار ولادة الامام انتصارا آخر للحق، وتحقيقا للقيم العليا التي جائت بها الرسالات السماوية. سنة 254 للهجرة وبعد استشهاد الامام علي الهادي عليه السلام تشهد الامامة احدى اهم المواجهات التاريخية في عصر امامة الامام احسن العسكري عليه السلام فالدولة العباسية تحشد كل طاقاتها لما تتصورة من قدرتها على ايقاف حركة التاريخ الرسالي المتمثل بامامة ابي محمد الحسن العسكري عليهما السلام، فتفرض السلطات العباسية الاقامة الجبرية على الامام، على ان يحضر يومين من كل اسبوع لدى القصر العباسي، لاثبات وجوده وللامعان في محاولة الاقلال من شأنه امام شيعته، لكن ابى الله الا ان يجعل من حضوره الشريف مناسبة لتعبئة القواعد الشعبية بالقيم الرسالية فكان يوم حضوره مشهدا من مشاهد الحج، حيث تمتليء الطرقات المؤدية الى القصر بالناس وقوفا وكان على رؤوسهم الطير تعظيما لمهابته وكرامته، فتحولت الاقامة الجبرية والمراقبة المستمرة الى عوامل مساعدة لتثقيف القواعد الشعبية بمفهوم الغيبة، ولتدريبهم على الصبر والانتظار، وحتى في هذا الموقف الصعب كان الامام الحسن العسكري على تواصل مع شيعته. وفي 260 للهجرة استشهد الامام الحسن العسكري ليبدا عصر الامام الحجة عجل الله فرجه الشريف وهو العصر الذ نتشرف باننا جزء منه.
تاريخ الحرم العسكري:
تم تشييد مقامين( مزارين) في مكان دفن الامامين العسكريين، الامام العاشر علي الهادي الذي توفي عام 278 /212 وابنه الحسن العسكري الامام الحادي عشر الذي توفي عام 874/232 ، وتمت اعمال البناء فوق قبريهما الشريفين، وفوق القبو او ( السرداب الذي كان جزءا من بناء الدار والذي يتوهم الكثير من مؤرخي تاريخ الشيعة والغيبة انه اختفى فيه الامام الثاني عشر محمد عندما كان لا يزال في السادسة من عمره عام 260/878). ويعتقد الشيعة الامامية الاثني عشرية ان المهدي سيعود قبل يوم القيامة ""ليملا الدنيا عدلا وقسطا بعد ان ملآت جورا وظلما".
شيد القبة فوق الضريحين الامير ابن ابي الهيجاء ناصر الدولة الحمداني 333/945 م ، وسورهما بسور متين. ثم أبدل الخليفة العباسي المستنصر بالله صندوق القبر بصندوق من خشب الساج وعمر الروضة والسياج. ثم أضاف الخليفة الناصر لدين الله إضافات عمرانية إلى القبة والمنائر. وتوالت العناية بهذا الضريح في مختلف العصور، إلى أن جدد بناؤه فأستقر طرازها المعماري في حدود سنة 1200/1785 م على يد سلطان (منطقة خوي) الاذربيجانية. وحين حكم السلطان ناصر الدين شاه القاجاري، كسا قبة الإمامين العسكريين بالذهب عام 1867. ثم أنفق الأمير فرهاد ميرزا (عم ناصر الدين شاه) أموالا كثيرة على أعمال تذهيب المنارات الكبرى من الحوض إلى أعلاه. وقد انتهى العمل في قبة المقامين عام 1905 وتم تغطيتها بـ 72 الف قطعة ذهبية. ويبلغ ارتفاعها نحو 20 مترا ومحيطها 68 مترا وبذلك فهي واحدة من اكبر القباب في العالم الاسلامي. وكما يبلغ ارتفاع كل من مئذنتي المقامين 36 مترا. في عام 1242 ميلادي تعرض المرقد الشريف الى حريق بسبب استعمال الشموع للانارة، وكذلك في عام 1649. مما الحق اضرارا بالجدران والصندوق الخشبي، وفي عام 1937 تعرض المرقد العسكري الشريف الى سرقات ونهب الحركة الوهابية السلفية بعد ان كانت قد هجمت على كل من كربلاء والنجف وعاثت فيهما فسادا في السنوات السابقة. فقد تم نهب الاثار الاسلامية والتحف والهدايا التي وهبها الملوك وكبار الشخصيات التي زارت مرقد الامامين العسكريين عليهما السلام على مر التاريخ مما يعكس الانحراف العقائدي والفكري والثقافي للحركة الوهابية السلفية.
دراسة لآثار التفجير:
في فجر الاربعاء المصادف 22 /شباط/ 2006 استيقضت سامراء على دوي انفجار هائل حول القبة الشامخة لمرقدي الامامين العسكريين تلك القبة المتلآلئة نورا وطهرا الى كهف مظلم يعكس عقلية وعقيدة الفكر الوهابي السلفي ومن تعاون معه من بعث صدام. وفي دراسة علمية وموضوعية للصور المرفقة مع هذا البحث والتقارير العلمية والمشاهدات اليومية التي تصلنا من العراق باستمرار، تمكنا من ان نقدم تقييما علميا للحدث يتمحور حول ثلاث نقاط:
أولا: التفجير: وقد تم باستعمال بضعة مئات من الكيلوغرامات من مادة التي أن تي ( TNT) والتي زرعت على شكل عبوات ناسفة في الاسطوانة التي تشكل قاعدة القبة الشريفة اضافة الى متفجرات اخرى زرعت عند الجدران، وعند حدوث الانفجار تأثرت النقاط الضعيفة والتي تشمل:
1- رأس القبة: الذي تطاير كما تظهره صورة الشكل/ 9 و الشكل/ 10 . فقد انفصل بشكا منتظم ولولا متانة البناء الاصلي وهذا ما سنتحدث عنه لكان الانهيار تاما.
2- الآجر( الطابوق) المغلف للقبة و صفائح الذهب: التي تطايرت بفعل قوة الانفجار.
3- القيشاني وكل ما هو مضاف الى البناء الاصلي سواء من الداخل او من الخارج.
4- كان الانفجار من الشدة بحيث ملأت القطع المتطايرة من الحجارة والاجر والقيشاني والصفائح الذهبية اسطح المنازل وباحاتها في دائرة تجاوز قطرها نصف الكيلومتر بل ان بعض التقارير التي وردتنا من العراق تشر الى اشخاص وجدوا بعض القطع على مسافة كيلومتر من مركز الانفجار.
ثانيا: البناء: على الرغم من مرور اكثر من قرن على البناء الحالي للمرقدين الشريفين وللقبة المقدسة، إلا ان متانة البناء قد حافضت على بقاء القسم الاكبر من جسم وهيكل القبة على الرغم من تناثر يبلغ 100% من الجزء الخارجي ( التغليف) ومن داخل القبة. غير ان شكل القبة البصلي وارتكازها على سلسلة متراصة من اللواوين والاقواس كما في الشكل/10، حماها من الانهيار وذلك لما يعرف عن الاقواس من الناحية المعمارية من قدرة على تحمل البناء فوقها وهذا من اسرار البناء الاسلامي. ونفس الامر ينطبق على الجدران.
ثالثا: اعادة الاعمار:
1- في البدء يجب وضع خطة علمية من قبل علماء الاثار المتخصصين بأعادة الترميم ويفضل في هذا الجانب الاختصاصيين الايطاليين لما يمثلونه من خبرة كبيرة ومتراكمة في اعادة الاعمار اضافة الى عدد الاثاريين العراقيين من اصحاب الاختصاص.
2- البدء برفع الانقاض وفق خطة منهجية، ويتم تصنيف القطع الاثرية في جداول متخصصة وترقيمها وفق المنهج العلمي المتبع.
3- يتم جمع كل القطع الممكنة من خارج الموقع والتي تناثرت وتطايرت اثر الانفجار ويعاد تصنيفها وترقيمها كما سيتم في باقي القطع الموجودة في الموقع مع الاشارة الى اين وجدت وتاريخ الحصول عليها.
4- يفضل ان ترتكز عملية إعادة الاعمار على المخططات الاصلية للمرقدين الشريفين، ومع علمي بان هذه المخططات كانت محفوظة في خزانة المرقدين والتي اصبحت الان تحت الانقاض، الا ان البحث عنها مهم، إذ ان الحفاظ على الشكل الاثري مهم جدا من الناحية العلمية كما يعرف اصحاب الاختصاص.
5- يجب تصنيف كافة الاثار الخاصة بأهل البيت وخاصة المراقد المقدسة باعتبارها ارثا اسلاميا وعقائديا و قوميا وبشريا لايحق للاخرين المساس به. وذلك عبر تسجيله في منظمة الثقافة والعلوم ليتم حمايته بشكل منتظم.
6- تحميل اصحاب العقائد الفاسدة من الوهابيين وغيرهم المسؤولية القانونية والاعتبارية والتاريخية عن جريمة تدمير الاثار الاسلامية في العراق وفي مكة المكرمة والمدينة المنورة، واني لادعو من جديد النقابات الحقوقية والتجمعات القانونية والاثاريين ونقابات المؤرخين في كل انحاء العالم لرفع دعاوى ضد النظام السعودي والحركة الوهابية السلفية وجماعات طالبان، لايقاف التدمير المنهج للارث الاسلامي والانساني والبشري.
المملكة المتحدة – لندن
https://telegram.me/buratha