د. سيف الدين زمان الدراجي ||
*هل يحتاج العراق للجنة مشتركة بين وزارتي الدفاع والخارجية تحت مظلة مستشارية الأمن القومي؟*
يُعَدُّ التداخل الاستراتيجي بين السياسة الدفاعية والسياسة الخارجية أحد العوامل الأساسية التي تؤثر في تشكيل سياسة الدولة وتحديد مواقفها الدولية والإقليمية. إن تفاعل هاتين السياستين يحقق التناغم بين الأهداف الداخلية والخارجية للدولة ويعزز من قدرتها على مواجهة تحديات الأمن القومي وما قد تتعرض له الأمة من مخاطر.
يُعَرَّف التداخل الاستراتيجي بأنه عملية تكامل وتفاعل القرارات والسياسات الدفاعية والخارجية للدولة. فالدولة تعتمد سياساتها الدفاعية لحماية أمنها وسيادتها ومصالحها الوطنية. في حين تهدف السياسة الخارجية إلى تحقيق أهداف الدولة في العلاقات الدولية والمحافظة على مكانتها في المجتمع الدولي.
تُعرَّف السياسة الدفاعية بأنها مجموعة من الاستراتيجيات والقرارات التي تتخذها الدولة لحماية أمنها وسيادتها ومصالحها الوطنية. تهدف السياسة الدفاعية إلى بناء قوة عسكرية موثوقة وتحديد التهديدات الأمنية وتطوير الاستجابة الفعالة لهذه التحديات.
من جهة أخرى، تتمثل السياسة الخارجية في تحديد المواقف والسياسات التي تتبناها الدولة تجاه القضايا الدولية والإقليمية. حيث تسعى السياسة الخارجية إلى تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع الدول الأخرى والمشاركة في التحالفات والمنظمات الدولية لتحقيق أهداف مشتركة.
وهناك عدة صور للتعاون الدفاعي وفق متبنيات السياسات الخارجية للدول تتمثل ب:
• الاتفاقيات والمعاهدات
• مذكرات التفاهم
• بيانات النوايا المشتركة
• اتفاقيات الامانة الدفاعية
• الشراكات الاستراتيجية
• التحالفات
تتمحور وحدة المفهوم بين السياسة الدفاعية والسياسة الخارجية حول التركيز على أهداف مشتركة تجمع بينهما. ففي كلتا الحالتين، تهدف الدولة إلى تحقيق الأمان والاستقرار، والعمل على تعزيز الشراكات الإقليمية والدولية. على سبيل المثال، عند تشكيل سياسة دفاعية تهدف للتصدي للتهديدات الأمنية، يمكن أن تؤثر تلك السياسة على تحديد سياسات الدولة الخارجية تجاه الدول المحيطة والمنظمات الدولية، كتحالف شمال الاطلسي وتحالف شنكهاي وتحالف اسيان والاتحاد الافريقي وغيرها.
إن علاقة التأثير بين السياسة الدفاعية والسياسة الخارجية تعكس تفاعلًا قويًا ومتبادلًا. فعندما تتغير إحداهما فإنها تؤثر على الاخرى. على سبيل المثال، قد تؤثر التحديات الأمنية الجديدة على سياسة الدفاع، مما يجبر الدولة على إعادة تقييم استراتيجيتها الخارجية والتعاون مع الدول الأخرى لمواجهة تلك التحديات المشتركة.
بالإضافة إلى ذلك، تعمل السياسة الخارجية كوسيلة لتعزيز السياسة الدفاعية والحفاظ على الأمن والاستقرار. عن طريق بناء التحالفات الإقليمية والدولية، حيث يمكن للدولة تحقيق التعاون المشترك في مجال الدفاع وتعزيز قدرتها على مواجهة التحديات الأمنية بفاعلية أكبر.
إن تحقيق التوافق بين السياسة الدفاعية والسياسة الخارجية يُعد تحديًا يواجه العديد من الدول، حيث تتأثر السياسة الدفاعية بالتطورات السياسية الدولية والإقليمية، والسياسة الخارجية بالتهديدات الأمنية المحتملة والتحديات الاقتصادية والبيئية. لتحقيق النجاح في هذا التوافق، ينبغي أن تكون الدولة على دراية بأن القضايا الأمنية والسياسية تتخطى الحدود الوطنية وترتبط بشكل وثيق بالأوضاع الإقليمية والدولية.
على الصعيد الداخلي، يمكن تحقيق التوافق من خلال تنسيق الأهداف والسياسات بين مختلف الوزارات والجهات الحكومية. فلابد أن تتبنى الدولة نهجًا شاملاً يتضمن التخطيط الاستراتيجي للدفاع والسياسة الخارجية وتنسيق الجهود في تنفيذها. كما يمكن أن تلعب المؤسسات الأكاديمية والبحثية دورًا هامًا في تزويد صانعي القرار بالتحليلات والبحوث الداعمة لاتخاذ القرارات الأفضل.
لا يمكن تجاهل أن العالم اليوم يواجه تحديات عديدة تتطلب تحركات سريعة وفعّالة، وهو ما يبرز أهمية توافق السياسة الدفاعية والسياسة الخارجية. ويجب أن تتبنى الدول الرؤية الاستراتيجية لمستقبلها وأن تكون قادرة على التعامل مع التحديات بروح الشراكة والتعاون مع الشركاء الدوليين. من خلال هذا النهج الموائم بين السياسة الدفاعية والسياسة الخارجية، يمكن تعزيز الأمان والاستقرار على المستوى الوطني والإقليمي والدولي.
ان تحقيق التناغم بين السياسة الدفاعية والسياسة الخارجية، له مردودات إيجابية تتمثل بـ:
• تحقيق الأمان والاستقرار: يمكن للتناغم بين السياستين تعزيز قدرة الدولة على الاستجابة للتحديات الأمنية المحلية والإقليمية وتعزيز استقرارها الداخلي والخارجي.
• الحفاظ على مكانة الدولة الدولية: تساهم السياسة الخارجية القوية والمنسقة في تعزيز مكانة الدولة في المشهد الدولي وتحقيق تأثير إيجابي في قضايا عالمية.
• العمل بالفعالية في التحالفات الدولية: يمكن للتناغم بين السياسة الدفاعية والسياسة الخارجية أن يساعد على تعزيز قوة الدولة في التحالفات والشراكات الدولية، مما يمكنها من التصدي للتحديات المشتركة بشكل أكثر فعالية.
• تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية: يُمَكِّنُ التناغم بين السياسة الدفاعية والسياسة الخارجية من جذب الاستثمارات وتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية المنفعة للدولة.
في الختام، يجب أن تتعامل الدولة مع السياسة الدفاعية والسياسة الخارجية كجزء لا يتجزأ من استراتيجيتها الشاملة. حيث يجب أن تسعى الدولة إلى تحقيق التناغم بين هاتين السياستين، من خلال بلورة صورة واضح عن ماهية تداخلاتها الاستراتيجية و تبني سياسات متكاملة ومتناسقة تؤدي إلى تحقيق أهدافها بفعالية وثقة على المستوى الداخلي و في المشهد الدولي.
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha