د. محمد أبو النواعير ||
· كيف يؤثر الخطاب الديني في تكوّن أنماط المعرفة السوسيولوجية في مجتمعات المذاهب الإسلامية؟!
الخطاب الديني هو المعرفة المختصة بالعقيدة ( الإديان ) ، والشريعة ( القواعد العامة الحاكمة للعلاقات بين المخلوقات ) ، التي تقدم لكل من يطلب هذه المعرفة . يعني في كلمات أخرى : الخطاب الديني هو ” العلوم الشرعية ” التي تُدرس في المدارس والمعاهد والكليات لكل من يطلب هذا ” النوع ” من العلوم .. والتي تقدم في وسائل الإعلام لجمهور الناس ؛ لتشارك في تكوين الرأي العام ، أو ” العقل الجمعي ” الذي يحرك ويضبط سلوك الناس .
ويستند الخطاب الدينيّ أو الإسلاميّ إلى مصادر التشريع الإسلامي؛ وهي القرآن الكريم، والسنة النبويّة، ومصادر التشريع الإسلامية الأخرى، سواءً كان هذا الخطاب صادراً من جهة إسلامية، أو مؤسسة دعوية رسمية، أو غير رسمية، أو أفراد جمعهم الاستناد إلى الدين الإسلامي وأصوله كمصدر لأطروحاتهم.
وقد حاولت سوسيولوجيا المعرفة أن تقارب الخطاب الديني كممارسات وسـلوكيات اجتماعية وفردية, استناداً إلى نسـق منهجي يسـتدمج الذاتي والموضوعـي في بناء الخطاب التفسيري والتحليلي حول الظاهرة التدينية.
ولابد من ذكر عناصر أساسية كانت بمجموعها مكونات لخطاب الديني وهي كالآتي : 1 ـ ما هو الدين كي ينسب إليـه الخطـاب فتكـون سمتـه دينيا ؛ آخر : مرجعيات هذا الخطاب ومناهله . وبمعنى ۲ ـ ما هي آليات فهم النص الديني ، ومن وضعها ؟ 3 ـ من هم أهل الدين ، وما هي سماتهم ، ومـن حـدد هذه السمات ؟ وهل اتفق المسلمون عليهم ؟ ٤ ـ أعمال العقل أم حاكمية الجهل ؟ 5 ـ قداسة النص أم نص القداسة ؟ فهذه العناصر والمكونات للخطاب الديني لا شك كان لها الدور الفعـال والمؤثر في تغيير البنية الفكرية والمعرفية للمجتمع الإسلامي منذ القرن الأول للهجرة النبوية وإلى يومها هذا . إلا أننا ومن خلال لوازم المنهج البحثي وجـدنا أن التوقف عنـد هـذه المكونات ودراستها يحقق لنا رؤية واضحة عن الخطاب الديني كمـا يظهـر لنـا حقيقة دوره في تغيير البنية الفكرية للمجتمع الإسلامي الذي كان كتابه القرآن ونبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
ولابد أن يستند الخطاب إلى الـدين ولابد أن يكـون المتلقـون متـدينين وإن اختلفـت لـديهم المستويات المعرفيـة للـدين وتطبيقاته في الحياة . وعليه : يصبح من البداهة بمكان أن يكون القرآن الكريم والسنة النبوية هم المناهل الأساس لهذا الخطاب الديني ، ومن ثم تصبح الحاكمية للنص ، والنص فقط .
لذا كان للقرآن الكريم دورا كبيرا كمرجعية أساسية يعتمدها الخطاب الديني بالدرجة الأساس في شحذ الخطـاب بنصوصه الشريفة بلحـاظ إنه كتاب الله تعالى ومرجـع التشريع الإسلامي الأول فضلاً عن حاكميته التي يفرضها الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم هذا الكتاب الذي نزل به الوحي عليه السلام على قلـب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم . ومن ثم اكتساب هذا الخطاب تلك الحاكمية التي يفرضها الإيمان بالقرآن الكريم وتسيير المجتمع المسلم لهذه الحاكمية التي انتهل منها الخطاب سلطته.
ولكـن : ثمة مشكلة كبيرة في اكتساب الخطـاب الـديني قـوة الإصلاح المجتمعي حينما يستل منه الخطـاب هـذه الخصوصية عنـد إرجاعه إلى القـرآن الكريم لينتهل منه الخطيب أو المتكلم خطابه الـديني ، وذلك أن القـرآن الكـريم فيه المحكم والمتشابه والظاهر والباطن ومن ثم كيـف سيصل المتكلم إلى مـراد الآية ليستل منها حاكمية على المتلقي ؟ والقرآن فيه المحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ ؛ وعليـه : فنحن بحاجة إلى أهـل القـرآن والتأويـل ليـصـح بـذلك الأساس الأول في مرجعية الخطاب الديني والذي من خلاله يتحقق الإصلاح .
ولفقدان هذا الاختصاص المعـرفي في القرآن في بواطنه وظـواهره يبقى الخطاب الديني منذ عهـد الـنبي الأكرم صلى الله عليـه وآلـه وسـلم مقيـداً في عملية الإصلاح بذلك التخصص القرآني الذي حدده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام . إذن : لم يـزل القـرآن هـو المرجع الأول والمنهل الأساس في بنـاء مكونات الخطاب الديني ، ويبقى الإصلاح والإفساد مرهونا بتلك المعرفة بكتاب الله تعالى ، وهو ما جعل هذا الخطاب يتفاوت في التأثير في المجتمعات التي يلقـى فيها فضلا عن الأفراد .
المسألة الثانية : دور السنة النبوية في مرجعية الخطاب الديني لا تختلـف الـسنة النبويـة عـن القـرآن الكـريم في كونها الأساس الثـاني لمرجعية الخطاب الديني وثاني منهل معـرفي لـه ، إلا أن هناك فرقاً بين القـرآن والسنة النبوية في كونهما المنهلين اللذين يستلهم منهما الخطـاب الـديني مادتـه الخطابية أو بالأعم مادته المعرفية . وهو أن القرآن قد حفظه الله تعالى من التحريف بينما الحديث الشريف تعرض للدس والتحريف مما حدا بكثير من العلماء إلى تأسيس علـم الرجـال والجرح والتعديل لغرض النظر في سند الحديث النبوي الشريف ، وذلك لكثرة ما تعرض له هذا المنهل المعرفي من الدس والتلفيق والكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولولا ذاك لما احتاج علماء المسلمين إلى الجرح والتعديل . وهذا أولا . وثانيا : حتى مع وجود الجرح والتعديل وعلم الرجال لم يسلم الحديث الشريف من التعرض للتحريف والتزييف ، وذلك لما مرت به الأمة منـذ عـهـد النبوة من التربص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقليـب الأمـور لـه حـتى باتت هذه الحقيقة ظاهرة لكل مسلم لاسيما وإن الوحي قد نطق بهـا واضـحة جلية لمن كان له قلب يفقه به الأمور . قال تعالى في بيان خطر المنافقين, و لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق.
*د. محمد أبو النواعير دكتوراه في النظرية السياسية/ المدرسة السلوكية الأمريكية المعاصرة في السياسة
ـــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha