د. محمد أبو النواعير ||
· كيف يؤثر الخطاب الديني في تكوّن أنماط المعرفة السوسيولوجية في مجتمعات المذاهب الإسلامية؟!
يأخذنا لفظ الخطاب ولفظه الرديف ( الديني ) إلى بعض المناهـل اللغويـة وغيرها كي نضع أيدينا على دلالة اللفظ ومن ثم الوصول إلى بغيتنا في معرفة المعنى الذي تركب منه مصطلح ( الخطاب الديني ) . ولذا : وجدنا أن التوقف عند هذين اللفظين من ضرورات البحث . المسألة الأولى : لفظ ( الخطاب ) كما قدمه اللغويون والمفسرون.
أولا : الخطاب لغة
هو مصدر للفعل (يخاطب، وخاطب)، وقد جاء من كلمة الخَطب أي الأمر أو الشأن، والخطاب هو سبب الشيء، ويقال للمرء ما خطبك؟ أي ما شأنك، ونَصِفُ بعض الحوادث والأمور فنقول: خطب عظيم أو جليل.
يذهب الفراهيدي ( المتوفى 175 هـ ) إلى اختصار الدلالة ويوجز في البيان فيقول في معنى ( الخطاب ) ، ( مراجعة الكلام ) وهـي عنـد الجـوهري ( المتـوفى ٣٩٣ هـ ) : ( وخاطبـه بـالكلام مخاطبـة وخطاباً ) ( ٢ ) ، ويفهم منه ما أراده الفراهيدي ، أي : مراجعة الكلام بين المتكلم والسامع .
في حين يظهر أحمد بن فارس ( المتوفى 395 هـ ) معنى أوضح لهذا اللفظ ، فقال : 11 ( خطب ) : الخاء والطاء والبـاء أصـلان أحـدهما الكـلام بـين اثنين يقـال خاطبه يخاطبه خطاباً ، والخطبة من ذلك ( ۱ ) . وقريب منه قال الزمخشري ( المتوفى 538 هـ ) : خطـب : خاطبـه أحـسن الخطـاب وهـو المواجهـة بـالكلام ، وخطـب الخطيب خطبة حسنة ، وخطب الخاطب خطبة جميلة ، وكثر خطابها ” ) . وقد حاول ابن منظور ( المتوفى ٧١١ هـ ) الجمع فيما قالـه أهـل اللغـة مـن قبله فقال : ( والخطـاب والمخاطبـة : مراجعـة الكـلام ، وقد خاطبـه بـالكلام مخاطبة وخطاباً ، وهما يتخاطبان ؛ والخطبـة مصدر الخطيب ، وخطـب الخاطـب على المنبر ، واختطب يخطب خطابة ، واسم الكلام : الخطبة
الخطاب اصطلاحاً: فهو مواجهة الآخرين بكلام قد يكون على شكل رسالة، أو محاضرة، أو تسجيل، أو نص معين، وقد يتعدى الكلام إلى الرموز، وتتنوع أشكاله فمنه اللفظي الذي يستخدم اللغة كأداة له، وغير اللفظي الذي يستخدم العلامات والإشارات والإيحاءات، يعرف مفهوم الخطاب اصطلاحاً أيضاً بأنه مجموعة متناسقة ومترابطة من الجمل والأقوال، تحمل في سياقها معلومات ومعاني تهم المتلقي أو المرسل إليه.
وجاء لفظ الدين أيضاً في لغة العرب على معان متعددة، منها الطريقة والمذهب والملة والعادة والشأن، كما تقول العرب في الريح “عادت هيفُ لأديانها”، ويقولون: ما زال ذلك ديني وديدني، ومنها الجزاء والمكافأة يقال: دانه بدينه ديناً أي جازاه، ويقال: كما تدين تُدان أي كما تجازي تُجازى بفعلك، وبحسب ما عملت، ومنها سيرة الملك ومملكته، ومنه قول زهير بن أبي سلمى:
لئن حللت بجو في بني أسد دين عمرو وحالت بيننا فَدَكُ
ومعنى الدين في القرآن لا يخرج عن المعنى اللغوي، فمن ذلك قول الله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}، فدين الله هنا هو الخضوع له والانقياد لحكمه وأمره ونهيه.وقوله تعالى: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّه}.فكلمة دينكم تعني ملتكم وتعني كذلك نظامكم وقوانينكم وتقاليدكم التي تسيرون عليها في الدولة. فدين الملك سياسته وقانونه وشريعته ونظامه.وقول الله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}. يوم الجزاء والحساب والمكافأة.
وقد عرف الدين في الاصطلاح الكلامي بأنّه عبارة عن مجموعة الاعتقادات والأحكام الفردية والاجتماعية الشاملة لجميع جوانب الحياة الإنسانية بما يحقق للإنسان السعادة في الدنيا والآخرة.
*د. محمد أبو النواعير دكتوراه في النظرية السياسية/ المدرسة السلوكية الأمريكية المعاصرة في السياسة
ـــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha