جمعه مشكل الدراجي ||
يواجه العراق وسوريا أزمة مائية شديدة، آخذة بالتفاقم بسبب تدني المياه الواردة في نهري دجلة والفرات ونوعيتها، الى مستويات لا تفي بالحاجات الأساسية، الأمر الذي بات يمثل تهديد الأمن الغذائي للبلدين، وأن ازمة المياه اخذت حيزا واسعا في العلاقات العربية التركية، وتحتل أهمية كبيرة في مختلف اللقاءات التي عقدت بين العراق وسوريا وتركيا في العقود الثلاثة الماضية، وقد تحولت مياه نهري دجلة والفرات من قضية للتعاون المشترك بين أطرافها، الى قضية متنازع حولها، جراء رفض تركيا تطبيق قواعد القانون الدولي، ورفض تطبيق الأتفاقيات الخاصة بالمياه الواردة من أراضيها [i]
ان تركيا ترفض الصفة الدولية لنهري دجلة والفرات، وتطلق عليهما وصف المياه العابرة للحدود، فالنهر الدولي بحسب وجهة النظر التركية، هو ذلك النهر الذي يشكل خط الحدود بين دولتين، وتدعي تركيا بأن حوضي دجلة والفرات على إنهما حوض واحد وأن النهرين ما هما إلا رافدان لنهر واحد هو شط العرب، وليسا نهرين منفصلين، وترى تركيا بأن على العراق تعويض النقص الحاصل في الفرات بنقل جزء من مياه دجلة اليه [ii]
أنشأت تركيا العديد من السدود على نهري دجلة والفرات دون إتفاق مع دول المصب، فكان سد كيبان اول السدود عام 1974، وأكبرها سد أتاتورك عام 1992، ومشروع GAP الذي يتكون من 23 سدا، ومن اهم سدوده سد ( أليسو )، الذي افتتح عام 2018 والذي عمل على إنحسار مياه دجلة القادمة من تركيا من ( 17) مليار متر مكعب الى ( 13) مليار متر مكعب وإنخفضت مياه الفرات القادمة الى سوريا من ( 32) متر مكعب الى ( 11) مليار متر مكعب [iii] في ظل هذه السياسة التركية، فأن العراق عانى من نقص مائي كبير مع إلحاق الضرر على الأراضي الزراعية العراقية من تصحر وتصاعد موجات الغبار وتجفيف الأهوار، والتسبب بهجرة السكان، وتهديد الأمن الغذائي، وتلك الواردات بتناقص مستمر وتهدد بكارثة كبيرة في حال استمراراها دون رادع حقيقي وهذا ينافي قواعد القانون الدولي، وذلك حسب قواعد هلسنكي لأستخدام المياه والأنهار الدولية لعام 1966 وكذلك حسب اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية والدولية للأغراض غير الملاحية لعام 1997
إنطلقت سياسة تركيا المائية تجاه العراق من عدة إعتبارات إقتصادية وسياسية وإستراتيجية، على ضوء الاهتمام المتزايد بطلب المياه عالميا وإقليميا، وهذا ما أقدمت عليه تركيا ضمن تحالفها الأطلسي بخفض التصريفات المائية نحو العراق الى مستويات متدنية عام 1991 لتوسيع الخطر الإقتصادي على العراق كما إن تركيا تعارض أي إتفاق مائي متعدد الأطراف، وإن أخطر الأهداف السياسية للسياسة المائية التركية في منطقة الشرق الأوسط، هو إرغام العرب على ربط قضية المياه بقضايا التطبيع بالمنطقة مع إسرائيل بعد التقارب التركي الإسرائيلي بمختلف المجالات [iv]
ومن هنا يمكن أن نرى إن تركيا تتمسك بورقة المياه لربط قضايا الحاجة للمياه مع الأطماع التركية ببعض الأراضي والمدن الحدودية، بإعادة أمجاد الدولة العثمانية، وكذلك تصفية الحسابات مع المعارضة التركية، ومعارضة القوميات الكردية داخل الحدود التركية في جنوب شرق الأناضول، وخارجها، واهتمامها بقوميات أخرى خارج الحدود المتعايشة مع الدول المجاورة مثل التركمان ومحاولة بعض الأصوات في المحافل الدولية بالضغط على الحكومة التركية بوضع عراقيل تحول دون دخولها الاتحاد الأوربي بعد تصويت البرلمان الأوربي على إنتهاكات الدولة العثمانية ضد الأرمن أبان الحرب العالمية الأولى، دون الأستماع الى الطرف التركي الذي يؤكد أن تصويت البرلمان الأوربي وتصريحات بابا الفاتيكان خطوات لمشروع سياسي لأبعاد تركيا المسلمة ولو بتهم كاذبة عن الاتحاد الأوربي،
[v]
أن زيادة عدد السكان وتصاعد الطلب على المياه وتغيير المناخ وتوجه تركيا الى استغلال الممرات المائية الحدودية المشتركة بصورة مكثفة بسياسات مائية داخل ساحتها الداخلية والخارجية للتحكم بالمياه والاستفادة من التنمية المائية في اتجاه تفوق انقرة إقليميا بأعتبارها البلد الذي تتدفق من أراضيه المياه، تقر لنفسها السيادة المطلقة على تلك المياه، وترفض إدعاء جيرانها بشأن الحق في المياه وتقارن ذلك بالموارد النفطية، في حين يرى جيرانها كل من العراق وسوريا، أن نظام الأنهار العابرة للحدود برمته ينطبق على نهري دجلة والفرات [vi]
شهدت العلاقات العراقية التركية خلافات كبيرة حول شحة المياه بسبب سياسة تركيا المائية تجاه العراق ولعل في مقدمة تلك الخلافات ما اقامته تركيا من مشاريع وسدود وخزانات كبيرة على حوضي دجلة والفرات مما تسبب بضرر كبير على العراق والتسبب في التداعيات الخطيرة والآثار الفادحة لظاهرة شح المياه العذبة نتيجة الظروف المناخية والبيئية التي تشكو منها تركيا او نتيجة لسياستها الناتجة بأحتكار المنباع وعدم تهيأ دول المصب للنقص الحاصل في الواردات المائية للأفتقار الى البنية التحتية اللازمة لمعالجة الشحة
إن الأهمية البالغة بالنسبة لكل من العراق وسوريا وتركيا هي مثار الجدل القائم والمستمر على الرغم من الإتفاقيات المشتركة التي حاولت أن تنظم عملية توزيع المياه، إذ بقيت القضية تشكل عامل سلبي ومؤثر في العلاقات العربية التركية لإصرار الجانب التركي على إعتبار نهري دجلة والفرات موردين تركيين لا يخضعان للأقتسام على أسس القانون الدولي، ويذهب المسؤولون الأتراك الى المقارنة بموضوع النفط بأعتباره ثروة للدولة التي يستخرج منها، ولا يجوز إقتسامه، مع إن المقارنة بين الثروة النفطية والمائية لا تجوز لكونهما موضوعين مختلفين0
[i] - فرح عبد الكريم محمد، النزاع على المياه بين العراق وتركيا، رسالة ماجستير مقدمة الى جامعة السرق الأوسط، كلية الأداب قسم العلوم السياسية، 2014، ص 60
[ii] - المصدر السابق ‘ ص 86
[iii] - الدكتور وسام ناظم الخيكاني ‘ استراتيجية العلاقات المائية بين تركيا والعراق، https://ultrairaqultrasawtcom
[iv] - الدكتورة نجلاء فتحي، الامن المائي العربي التهديدات وآليات المواجهه،دار العربي للطباعة والنشر،القاهرة،2021،ص5
[v]- محمد زاهد غل،موقف الدولة العثمانية من احداث الأرمن،23/4/2015‘ wwwaljazeeranat
[vi] - مريم طهماسبي، السياسات المائية التركية تجاه العراق،مركز الأبحاث العلمية والدراسات الأستراتيجية في الشرق الأوسط / طهران، ترجمة م، خالد حفظي التميمي، رابط الدراسة، https//wwwcmessir/page/view/2017-10-16/2233
https://telegram.me/buratha