د. علي المؤمن ||
المثقف الإسلامي هو رجل المعرفة والمسؤولية الميدانية التغييرية، والذي يعيش الإلتزام بقضايا مجتمعه بكل تفاصيلها، ويستجيب لحاجات المجتمع ويلتصق بهمومه، ويواجه التحديات التي تعيق حركته ونموه وتطوره على مختلف الصعد، ويكتشف الشبهات التي تسعى لحرفه، ويدفعها عنه بالأساليب البنّـاءة التي تعتمد نظرية المفكر والموقف الشرعي الذي يحدده الفقيه، ويحصن منظومته الفكرية والثقافية الأصيلة، ويساهم في تقوية النظام الاجتماعي الديني الذي يمثل هويته وهوية المجتمع الذي ينتمي إليه، عبر عمليات البحث التخصصي الدقيق والنقد البناء والتأصيل وإعادة المأسسة، بما ينسجم ومتطلبات الحاضر والمستقبل.
ولعل تشكيل طبقة «انتلجنتسيا إسلامية» حقيقية، تخوض غمار النقد والتقويم للنظام الاجتماعي الديني ومكوناته، وللواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي؛ هي صلب مهمة المثقف الإسلامي. ومع افتراض سلامة أهداف عملية الإصلاح والتصحيح وإعادة البناء التي تطمح اليها طبقة المثقفين الإسلاميين؛ فإن اختيار الوسائل والأساليب، لابد أن يكون مدروساً بعناية، كونها المقدمة الضرورية لصحة العملية بمضمونها المعرفي والتطبيقي السليم. وتستند هذه المقدمة الى أربع قواعد أساسية:
1- إبعاد الثوابت الإسلامية المقدسة عن عملية النقد، والمقصود بهما القرآن الكريم والصحيح من السنة. أما القراءة التخصصية المتجددة لهما، والتي تنطوي على نقد التراث والقراءات التقليدية؛ فهي تدخل في صلب عملية النقد البنّاء، شرط أن يكون النقد تخصصياً، والناقد يتمتع بكل المؤهلات العلمية المطلوبة.
2- مراعاة ظروف الزمان والمكان، والأطر الشرعية والأخلاقية، والمصلحة العليا، فالنقد يكون حراماً أحياناً، وأخرى واجباً وثالثة مستحباً؛ لأن الهدف من عملية النقد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو البناء والتغيير نحو الأفضل، وليس النقد من أجل النقد، أو النقد دون النظر الى النتائج التي ستترتب عليه.
3- انسجام النقد والتقويم مع الواقع الشخصي للمثقف؛ إذ ينبغي أن يبدأ بنقد نفسه وواقعه قبل نقد الآخرين ونقد الظواهر العام؛ لأن محاسبة النفس والتقويم الذاتي وإعادة بناء الشخصية بما ينسجم ودور المثقف وأهدافه، هو ميدانه الأول، ثم يتحرك في حدود تخصصه وثقافته نحو الأفق الخارجي.
4- انتماء المثقف الإسلامي الى نظامه الاجتماعي الديني ومكوناته، وفق خياراته وتخصصه، وهو انتماء مركب ينطوي على أكثر من انتماء فرعي. ولاتلغي هذه الانتماءات دور المثقف الإسلامي في عملية النقد والمحاسبة والنصيحة، بل العكس كما ذكرنا. ومن خلال هذه الانتماءات، يعبر المثقف الإسلامي عن عقديته ومسؤوليته، ولايكون مجرد مثقـف معرفي أو نقدي أو عقلاني أو حر أو متنور، أو أي تعبير مستورد آخر يحاول بعض المنفعلين فرضه على الواقع الإسلامي.
وعليه؛ يتلخص دور المثقف الإسلامي ووظيفته بما يلي:
1 - على الصعيد الفردي: يبني نفسه وعقله وشخصيته، بناءً عقدياً وروحياً وثقافياً وعلمياً، ويحصنها في مواجهة كل التحديات والمغريات والشبهات، ويحاسبها باستمرار. وهذا الصعيد هو الميدان الأول للمثقـف الإسلامي، وهو منطلقه في الحركة والعمل.
2 - على الصعيد النظري: يقوم بدراسة الواقع العام بكل أبعاده الاجتماعية والسياسية والثقافية والدينية، ويكتشف سلبياته وإيجابياته؛ ثم يعمل على تقوية الإيجابيات، وينتقد السلبيات ويصلحها، عبر الكتابة والخطابة والبحث العلمي والتخطط والبرمجة العلمية.
3 - على الصعيد العملي: ينزل الى الميدان ويختلط بالناس، ويتبني قضاياهم ذات الصلة بالدولة والنظام الاجتماعي الديني والعادات والتقاليد والجانب المعيشي والثقافي والتعليمي والصحي والخدمي، وممارسة عملية التوعية والتغيير والبناء، ممارسة ميدانية مباشرة.
هذه المجالات الثلاثة لا ينفصل أحدها عن الآخر، ولايخوض المثقف الإسلامي فيها بشكل فردي أو بمعزل عن المفكر والفقيه، بل هي مهام جماعية تكافلية تكاملية، تقوم بها جماعات المثقفين الإسلاميين، بمختلف عناوينهم التخصصية والحركية والدينية، ويتكاملون فيها مع نظريات المفكرين الإسلاميين، ويسترشدون بفتاوى الفقهاء ومواقفهم. ولاشك أن تحويل هذه الرؤية الى منظومة عمل، بحاجة إلى وقفة بحثية وميدانية طويلة، لبلورة موقع المثقف الإسلامي وأدواره ومسؤولياته الدينية والمعرفية والسياسية والاجتماعية، وعلاقته المعرفية والشرعية بالمفكر والفقيه، وخاصة في المرحلة التي تشرّب فيها بعض المثقفين المقولات المنهجية المتغربة بشأن المثقف وموقعه وعلاقاته، والتي أفرزها واقع لا يمت إلى الإسلام بصلة.
https://telegram.me/buratha