خالد جاسم الفرطوسي ||
لم يحظَ موضوعٌ باهتمامٍ بالغٍ مثلما نال موضوع القيادة، حيث ما من أمة تريد أن تحيا أو أن تنجح وتتطور إلا وتجدها تبحث عن القيادة الصالحة.
وعليه فحينما يتطلب الأمر تدمير أمة أو بلد ما، فما على الفاعل إلا أن يأتي بقادة السوء، وحينها نقرأ على تلك الأمة السلام، ما لم تتهيأ ظروف أفشال ذلك المشروع. حتى رأينا الكثير في زمننا هذا بالذات ممن يدعي القيادة ويتصدر لها، ولكن قليل منهم من نجح في تمثيلها بالصورة الحسنة.
وهنا أود أن أشير لأمر مهم أشار إليه ديننا الحنيف، وهو أنّ الإسلام لم يُشرّع لنتمثل معانيه من خلال الكلمات أو القراءة أو الصلاة فقط، بلّ هذه مُحفزاتٌ للفرد للقيام بمهمة صياغة الحياة، ولا يتمكن أحدنا من إعادة صياغة الحياة ما لم ينطلق من موقع القيادة: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته...) الحديث.
لذا فأننا بحاجة إلى أن نتعرف على رؤية الإسلام واستراتيجيته في موضوع القيادة، ذلك أن كل قيادة لا تجعل من الإسلام منهجاً لها فهي ضلال وتنتهي بصاحبها ومن يتبعها إلى الضلال. وهنا يؤسفني أن أقول أنه بالرغم من أن الكثير من الكتب التي تمّ تأليفها في موضوع القيادة، إلا أن الحق يقال أن أغلبها كتبٌ غريبة عن القيادة الإسلامية، إذ أن الأعم الأغلب منها لا يتناول الموضوع بصبغةٍ إسلامية، فمجرد ذكر صفات للقيادة الإسلامية، وإيراد بعض الحكايات الإسلامية لا يجعل منها كذلك، إذا أردنا أن نتحدث أو نكتب عن موضوع القيادة الإسلامية لابدّ أن ننطلق من المبدأ الأساس للإسلام ألّا وهو التوحيد، فنكتب و نتحدث عن أثر التوحيد في القيادة الإسلامية، وعن مدى التزام تلك القيادة بُسنّة الرسول والأئمة الأطهار صلوات الله تعالى عليهم، وهنا نحتاج إلى أن نكتب مثلاً عن سيرة بعض القادة الصالحين وأثر التوحيد في قيادتهم، وكيفية سيرتهم في قيادة قومهم، وكذلك عن الصفات التي أهلتهم للقيادة، لغرض أن يسترشد عوام الناس بأمثال هؤلاء القادة، ولا يقولون كما يحدث اليوم: (إن بعض المعممين وعلماء الدين هم السبب فيما نحن فيه، وبهذا لا نريد من الدين الإسلامي أن يحكمنا!!!).
يذكرني قول بعض العوام المار الذكر بما قاله الإمام الخميني العظيم، حيث قال رضوان الله تعالى عليه: (إذا أخطأ البقال، قالوا أن البقال قد أخطأ، وإذا أخطأ القمّاش قالوا أن القمّاش قد أخطأ، ولكن إذا أخطأ رجل الدين، قالوا أن الدين فيه خطأ !!)، وهنا يتبين لدينا كم هو ضروري أن يكون سلوك رجل الدين ترجمان وكاشف للشريعة المقدسة، وهذا بالضبط ما حدثنا به الإمام الصادق عليه السلام بقوله: (كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير، فإن ذلك داعية ...) أي هو داعية للناس للدخول فيما أنتم فيه من ولاية أهل البيت عليهم السلام، وحينها سيقول الناس كما ورد في بعض الروايات: (هذا أدب جعفر، فيدخل عليَّ السرور)، أما إذا لم يجدوا ذلك فيمن هو مثال وقدوة لغيره، حينها سيقول الناس كما ورد: (هذا عار جعفر، فيدخل عليَّ عاره وبلاءه). وللأهمية البالغة لهذا الموضوع نرى أن حياة الدولة أو المنظمة لا ينبعث من الهيكل الذي تقوم عليه، بل تتوقف أولاً وقبل كل شيء على خصائص قيادتها ويضربون لذلك مثلاً له أبلغ الدلالة، فقد يقام الجيش على خير نظام، وقد يزود بأحسن الأسلحة والعتاد، ولكن ذلك وحده لا يبلغه ما يشاء من نصر، وإنما يتحقق النصر حينما تتوافر القيادة البارعة، كذلك الحال في الإدارة المدنية فمثلاً منظمة يبلغ عدد موظفيها (٢٠٠) موظف، قمنا بإضافة (٢٠٠) آخرين، فهل سيتغير من واقع هذه المنظمة إيجاباً شيءٌ ما؟
رُبّما سيزدادون سوءاً، وإذا جئناهم بقائدٍ ناجحٍ واحد، فهل سيتغير لديهم شيء؟ بالتأكيد، سيقودهم إلى نجاحاتٍ متتالية. وهنا بودي أن أنوه أنني لست بصدد أن أكتب في هذه العجالة عن أهمية القيادة، تلك التي لا يختلف فيها أثنان، لذا سأعرج على موضوع آخر في القيادة، وهو الأسباب التي عصفت بنا وجعلتنا لا نحضى بالقيادات الصالحة تلك التي تدير دفة الحكم في بلدنا العراق خاصة والبلاد الأخرى عامة. إذا ما أردنا أن نبحث وندقق في أسباب ذلك، فسنجد أن هنالك أزمات جعلتنا نفتقد للتمثيل القيادي الصالح الذي يحكم البلاد والعباد، من تلك الأزمات هي أزمة التخلف، فمع وجود المنهج الصافي المتمثل في القرآن والسنّة النبوية للمصطفى وآله الأطهار؟! فمن يُطبّقها؟؟
فالمنهج موجود وواضح وبيّن، ولكن التخلف فيمن ينجح في تطبيقه.
الأزمة الأخرى هي قلة الفاعلية، وما أقصده بقلة الفاعلية هنا هو القصورٌ في فن التفاعل أو فن التأثير على الناس، ذلك أن أزمتنا تنبع من التأثير في عقول الناس، وتشكل القيّم الفاسدة لديهم وصعوبة استبدالها بالأفضل.
الأزمة الأخرى التي عصفت بنا في هذا الجانب هي أزمة فقدان المسؤولية وعدم الاستشعار بها، وعندما فُقِد الاستشعار جاء حُبّ المناصب والزعامات والتطاحن من أجلها، وعندها عُطّلت الطاقات على كافّة المستويات سواء الأسرية أو الوظيفية، فوضعنا الرجل المناسب في المكان غير المناسب، فتقدم غير ذي الكفاءة على الكفىء، وتقدم الطالح على الصالح والفاسد على النزيه. وإن وجد القائد الصالح، فأننا في الغالب نجد ضعف في أداءه، وهذه هي الأزمة الرابعة وهي ضعف الأداء.
الأزمة الأخرى التي نُعاني منها هي الضعف النفسي الداخلي، حيث أن أغلب من يتصدى للقيادة نجده يُعاني من ضعف في معرفة نفسه، ومعرفة هويته وبوصلته ومعرفة ربه سبحانه وتعالى. لكن مع كل ما تقدم من أزمات، فمن المؤكد أن هنالك بواعث للفرج يمكننا من خلالها تجاوز الأزمات المتقدمة الذكر، هذه البواعث لابد من توفرها على المستويين الفردي والجماعي. فعلى المستوى الفردي على من يتصدى للقيادة أن يشعر بمرضه ويشخصه، شعوره بأنّه سلبي وغير فعّال، وتحويل هذا الشعور إلى برنامج عملي ينسكب من خلاله لأداء قضيةٍ من القضايا، وهذه أوّل خطوات العلاج. الباعث الثاني للخروج من أزمات القيادة على المستوى الفردي هو ضرورة أن يتجه ذلك القائد المفترض نحو صياغة حياته صياغة إسلامية بكافّة مجالاتها، تبدأ من الأسرة وتنتهي بالوسط الاجتماعي الكبير. الباعث الثالث الذي من خلاله يمكن أن نتجاوز أزمة القيادة على نفس المستوى هو التخصّص، وأقصد به الشعور الجادّ بقيمة العلم والتحصيل والتدريب، وسعيه لأن يتخصّص بشيءٍ مفيد، وأن يُكرس وقته وجهده وطاقته ليسُدّ بذلك الثغرة الحاصلة من جراء الترك. البواعث المتقدمة الذكر كانت في بيان الخروج من أزمات القيادة على المستوى الفردي. أما ما يمكننا من خلاله تجاوز أزمات القيادة على المستوى الجماعي، فأول ذلك هو إحياء دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تلك الشعيرة التي ماتت في قلوب أكثر الناس. بعدها يتوجب علينا أن نتعايش مع طبقات المجتمع، أي أن نتعايش مع قضايا كافّة الناس. الأمر المهم الآخر للخروج من أزمات القيادة على المستوى الجماعي هو أنه يستلزم منا أن نتجه اتجاهاً فعالاً نحو الأعمال المؤسّسية، فما عادت القضية فرداً واحداً، بل همٌّ جماعيٌ مرتب، ومن المؤسف والمؤلم أن نجد كثيراً من مؤسساتنا المكونة من أربعين منتسباً مثلاً، تجدها قائمة ومعتمدة على طاقةِ فردٍ أو أثنين، الأمر الذي يُضعف الخدمات أو الإنتاجية، وما هذا إلّا نتيجةٌ طبيعية لما يعانيه البلد من فوضى عملية وجهود مبعثرة أفرزت مثل هذه الصورة. آخر ما يمكن أن نذكره في هذه العجالة من بواعث الفرج للخروج من أزمات القيادة على المستوى الجماعي هو سريان ظاهرة التكامل، وذلك من خلال معرفة نقاط تميُّز كلّ شخصٍ ونقاط ضعفه، وتوظيف التميُّز في قالبٍ ينقل الفرد من صفر على الشمال إلى رقم مميز في الحياة. ما تقدم كان موجزاً يسيراً استفدته مما قرأته وتدربت عليه في مجال القيادة، فيما يتعلق بأزمات القيادة وعوامل الخروج منها، آملين أن نكمل ما كتبناه في مجال القيادة بمباحث أخرى من مباحث هذا العلم المهم.
ــــــــ
https://telegram.me/buratha