د. علي المؤمن ||
علم الاجتماع الديني هو منهج معرفي نشأ في الغرب كرد فعل على احتكار الكنيسة للدراسات المعنية بالأديان وتطورها التاريخي وفلسفتها وعقائدها. فقد كانت العلوم الاجتماعية والإنسانية الكنسية هي جزء من الدراسات اللاهوتية المسيحية. ولكن بالتزامن مع ما عرف بعصر النهضة الأوربية وصراع العلمانية والكنيسة؛ برزت المنهجيات العلمانية السسيولوجية والانثروبولوجية والاثنولوجية الدينية لتقدم تفسيرات علمانية لنشوء الأديان وتطورها، ولتعريف المقدس والمدنس.
أي أن علم الاجتماع الديني التقليدي يمثل الفهم السسيولوجي العلماني للدين، وهو الفهم الذي ظهر رداً على الفهم الكنسي للدين أو الفهم الديني للدين. وإذا كانت العلوم الدينية تدرس الدين من داخله، من خلال علم العقيدة وعلم الفقه وعلوم النص المقدس وتاريخ الأنبياء والأديان؛ كونها علوم تستند الى نصوص دينية وقواعد دينية أو مستنبطة من الفهم الديني؛ فإن العلوم الإنسانية والاجتماعية واللسانية الوضعية، ومنها علم الاجتماع الديني، تدرس الدين من خارجه، وبعيداً عن حضور المقدس والتقاليد الدينية.
وهكذا بالنسبة للمنهجيات المعرفية الأخر، كانثروبولوجيا الدين، والفينومينولوجيا، واثنولوجيا الدين، وعلم النفس الديني؛ فهي نتاج معرفي تراكمي لعصر النهضة العلمانية الاوربية ومابعده، وهي في حقيقتها منهجيات بحثية وادوات معرفية اكثر من كونها علوم.
ومن أهم مخرجات هذه المنهجيات المعرفية أنها تخلط بين كل أنواع الديانات والمنظومات الفكرية الغيبية والاخلاقية، سواء التي تعود بمصدريتها الى الله أو تلك التي أنشأها الإنسان، كما تخلط بين معايير الدين كمرجعية مقدسة، والتدين كإيمان وطقس بشري، وتقدم تفسيرات إنسانية مادية للدين، بما فيه السماوي؛ لتنتزعه من المثل الإلهية العليا، وتعرِّفه بأنه ظاهرة اجتماعية اثنولوجية أو اجتماعية نفسية أو إنثروبولوجية لاعلاقة لها بالغيب، بل وتقدم تفسيرات للإيمان الغيبي من خلال مناهج الميتافيزيقيا؛ باعتبار إن هذا الإيمان صناعة وعي الإنسان بالغيب، وهي ــ كما تقول ــ صناعة لها أسبابها النفسية والاجتماعية والقومية والجغرافية، وأنه الواسطة بين المعقول واللامعقول، وأنه عبارة عن معتقدات وطقوس و أخلاق لا أكثر، شأنها شأن أية ديانات وفلسفات وثنية وطوطمية.
https://telegram.me/buratha