د. علي المؤمن ||
يعدّ السيد محمد باقر الصدر (1935 - 1980) أول مفكر وفقيه إسلامي شيعي يعمل على وضع قواعد لتقنين أحكام الفقه السياسي الإسلامي، وتحويلها إلى أسس دستور دولة إسلامية في عصر غيبة الإمام المهدي (وفق عقيدة مدرسة الإمامة). ويتم اسناد هذه العملية الى مشروع تحرك إسلامي منظم يقوم بتفعيلها. وكانت تكييفاته الفقهية العميقة ولغته القانونية الحديثة، تجعله نصاً تأسيسياً مدهشاً، لم يسبقه اليه أي فقيه شيعي، رغم أن السيد الصدر كان حينها بعمر (٢٤) عاماً فقط. وكانت تلك هي المرحلة الأولى من انتاج السيد الصدر في مجال الفقه الدستوري الإسلامي،
وقد وضع السيد الصدر هذه الأسس لتكون النظرية الفقهية الفكرية السياسية لحزب الدعوة الإسلامية الذي كان الصدر أبرز مؤسسيه العشرة في العام 1957، وتتألف من (31) أساساً، نشر منها حزب الدعوة تسعة أسس فقط. وهذه الأسس هي مجموعة من القواعد والمفاهيم الإسلامية المقننة التي كُتبت بلغة هي إلى لغة القانون أقرب، وقُرنت بما يثبت شرعيتها من أدلة فقهية تفصيلية مشروعة. وتأتي أهمية هذه الأسس من ناحية فقهية، وكذلك من ناحية قانونية من أنها أول مجموعة أصول للدستور الإسلامي، إذ لم يعهد - قبلها - أن وضعت أصول للدستور الإسلامي؛ ذلك أن الدول الإسلامية المتعاقبة على مديات التاريخ الإسلامي لم يدوّن فيها دستور إسلامي، فضلاً عن وضع أسس له وتدوينها، فلم نعثر في الوثائق السياسية.
وهذه الأسس هي قواعد وأصول نظرية حزب الدعوة للدولة الإسلامية التي يهدف إلى إقامتها؛ فالدعوة كما يقول المفكر السعودي الدكتور عبد الهادي الفضلي «كان أهم هدف لها - آنذاك - هو إقامة الحكم الإسلامي في العراق، والحكم لابد له من دستور، وأنظمة تنبثق عن الدستور. ومن الطبيعي أن الدستور الإسلامي يتطلب وضع أصول تعتمد في وضعه، ويستند إليها المقننون له حال وضعه، فكان لابد من البدء بها أولا ثم يأتي دور وضع الدستور. فالدعوة - في ضوء ما أشرت إليه - كانت بحاجة إلى الدستور، وكان هذا يقتضي أن يسبق بوضع الأسس له».
وقد وضع السيد محمد باقر الصدر هذه الأصول لتكون قمة هرم المنظومة التي نظّر وأصّل لها؛ فهي تسبق نشاة الدستور نفسه، وتعرف بـ "قبليات الدستور". أما الدستور فيمثل إطار منظومات القوانين التفصيلية للدولة. وبرغم أهمية هذه الأصول والقواعد بصفتها التأسيسية التي تشكل منعطفاً في مسيرة الفقه السياسي الإسلامي الشيعي، وقِدمها الذي يعود إلى العام 1959؛ إلّا أنها لم تحظ بالأهمية التي حظيت بها المحاولات التي سبقتها أو أعقبتها لمفكرين وفقهاء شيعة وسنة. والسبب يعود إلى أن هذه الأسس ظلت حبيسة النشرات الداخلية لحزب الدعوة الإسلامية، الذي عاش سرية في فكره الخاص وتنظيماته حتى العام 1979. ولم تخرج هذه الأسس إلى العلن إلّا في العام 1974، وبشكل محدود في كتاب «مقالات إسلامية» الذي طبعه الحزب في لبنان، وهو كتاب يحتوي على عدد من النشرات الفكرية الداخلية لحزب الدعوة الإسلامية، وقد كتبت بأقلام عدد من مفكري الحزب ومنظرية. وبالتالي؛ لم تحمل تلك الأصول والقواعد اسم السيد محمد باقر الصدر، ولكنها نشرت باسمه في العام 1981 في الجزء الأول من مجموعة «ثقافة حزب الدعوة الإسلامية».
وقد استند السيد محمد باقر الصدر في الأسس النظرية الدستورية المذكورة الى مبدأ شورى المؤمنين في قيادة حزب الدعوة للعمل الإسلامي ومشروع الدولة الإسلامية؛ بناء على ما كان يعتقده من دلالة آية ((وأمرهم شورى بينهم)) على الشورى في الحكم وفي إدارة الدولة الإسلامية.
https://telegram.me/buratha