د. علي المؤمن ||
النظام الديني الاجتماعي الشيعي ظاهرة مركبة، دينية اجتماعية تاريخية إنسانية، تستند الى قواعد تأسيسية نظرية، عقدية وفقهية وتاريخية، وتقف على بنى اجتماعية دينية واجتماعية سياسية واجتماعية ثقافية واجتماعية معرفية. وتمثل هذه القواعد النظرية الدينية والبنى الاجتماعية الناشئة عنها؛ المداخل العلمية الأساس الكاشفة عن معالم النظام الديني الاجتماعي الشيعي.
ومن أجل دراسة هذه الظاهرة الإجتماعية المركبة؛ لا بد من وجود أدوات منهجية معرفية تحتوي على قوالب ومعادلات، تعمل على توصيف الظاهرة وتحليلها واكتشاف معالمها. وهذه الأدوات المعرفية تتمثل في علم الاجتماع الديني بالدرجة الأساس، إضافة الى الاجتماع السياسي والاجتماع الثقافي واجتماع المعرفة وانثروبولوجيا الدين وفلسفة الدين كمداخل علمية مكملة. ومن مجموع هذه المداخل يتشكل منهج علمي جديد خاص بدراسة الاجتماع الشيعي؛ بوصفه وحدة سسيولوجية مذهبية بالدرجة الأساس؛ وإن تضمّنت أبعاداً انثروبولوجية.
وعلم الإجتماع الديني أداة معرفية لاكتشاف معالم الظاهرة الإجتماعية الدينية، وتوصيفها وتحليلها، وترسيم هيكيلتها وأنساقها المعرفية والعملية، وعلاقاتها الداخلية والخارجية، ومقارنتها بالظواهر الأخرى المشابهة أو المتعارضة. وليست مهمة علم الإجتماع الديني اختراع ظواهر الإجتماع الديني أو اختلاقها، و لا الاستدلال على صحتها وخطئها؛ لأنه ليس علماً تجريبياً ومعيارياً، ولاعلاقة له بالسجال الديني والمذهبي؛ بل هو أداة لدراسة ظاهرة قائمة.
وكغيره من العلوم الانسانية والاجتماعية المعنية بدراسة الدين؛ فإن علم الاجتماع الديني هو منهج معرفي نشأ في الغرب كرد فعل على احتكار الكنيسة للدراسات المعنية بالأديان وتطورها التاريخي وفلسفتها وعقائدها. فقد كانت العلوم الاجتماعية والإنسانية الكنسية هي جزء من الدراسات اللاهوتية المسيحية. ولكن بالتزامن مع ما عرف بعصر النهضة الأوربية وصراع العلمانية والكنيسة؛ برزت المنهجيات العلمانية السسيولوجية والانثروبولوجية والاثنولوجية الدينية لتقدم تفسيرات علمانية لنشوء الأديان وتطورها، ولتعريف المقدس والمدنس. أي أن علم الاجتماع الديني التقليدي يمثل الفهم السسيولوجي العلماني للدين، وهو الفهم الذي ظهر رداً على الفهم الكنسي للدين أو الفهم الديني للدين. وإذا كانت العلوم الدينية تدرس الدين من داخله، من خلال علم العقيدة وعلم الفقه وعلوم النص المقدس وتاريخ الأنبياء والأديان؛ كونها علوم تستند الى نصوص دينية وقواعد دينية أو مستنبطة من الفهم الديني؛ فإن العلوم الإنسانية والاجتماعية واللسانية الوضعية، ومنها علم الاجتماع الديني، تدرس الدين من خارجه، وبعيداً عن حضور المقدس والتقاليد الدينية.
وقد حاول كثير من منهجيات علم الإجتماع الديني الغربي، والماركسي، وانثروبولوجيا الدين، والفينومينولوجيا، واثنولوجيا الدين، وعلم النفس الديني؛ أن يقدم تفسيراً إنسانياً يفصل الدين عن المثل العليا السماوية، ويعرفه بأنه مجرد ظاهرة اجتماعية اثنولوجية أو اجتماعية نفسية أو إنثروبولوجية لاعلاقة لها بالغيب، بل ويقدم تفسيراً للإيمان الغيبي من خلال مناهج الميتافيزيقيا؛ باعتباره صناعة وعي الإنسان بالغيب، وهي صناعة لها أسبابها النفسية والاجتماعية والقومية والجغرافية، وأنه الواسطة بين المعقول واللامعقول، وأنه عبارة عن معتقدات وطقوس و أخلاق لا أكثر. بل أن التحليل الماركسي للظاهرة الدينية؛ إنما هو أحد مناهج علم الإجتماع الديني الغربي العلماني.
ـــــ
https://telegram.me/buratha