خالد جاسم الفرطوسي||
قراءة سريعة في (٤) حلقات
سلسلة وهن الإلحاد
الحلقة الثالثة:
يرى الشهيد مطهري بحسب نظرية العبادة التي يذهب اليها في هذا الجانب، أن مصدر الاخلاق هو الوجدان، ولكن هل ذلك حق؟ وهل الوجدان مصدر للأخلاق بصورة مطلقة كما ذهب إليه كانط؟ أم بصورة مقيدة؟
إن الوجدان لا يمكن أن يحدد الأخلاق ويصدرها منه بصورة مطلقة كون بعضها مقيد مثل الصدق، فلو أن قاتلاً أراد أن يقتل شخص مظلوم وسألك القاتل عن مكان المظلوم وأنت تعلم بمكانه، لكنك أخبرته بعدم علمك به..
هنا بحسب مذهب كانط يبقى الأمر في حيرة وتردد وحكم متناقض، فمذهبهم لا يجيز القتل الظلم ولا يجيز الكذب، فكيف يمكن حل المسألة،
المسألة المذكورة توهم البعض بنسبية الأخلاق مضافاً للأمر المذكور، ومن هنا فإن الخوض فيها سوف يرشدنا إلى أثبات أمرين في نفس الوقت، الأول في إطلاق الأخلاق، والثاني في أن الوجدان مصدر للأخلاق بصورة مقيدة، ولتحصيل نتائج ذلك علينا قراءة التالي بدقة:
رب قائل يقول: ما يوجب أن يتوّهم نسبيتها ما يترائى من تجويز العقل بل إلزامه بعض القبائح كارتكاب الكذب لحفظ نفس محترمة أو أكل مال الغير أو التصرّف فيه لحفظ النفس.
ولكن يُرد على هذا الوهم أولاً بأن هذه الأمثلة كلها من الأخلاقيات لا من الأخلاق، فلو سلّم صحة الكلام فالنسبية والإطلاق ترجعان إلى الأخلاقيات أي الأفعال والأقوال، لا إلى الفضائل والرذائل.
وثانياً أن هذه الأمثلة ونحوها كلها من باب الأهمّ والمهمّ، وتقديم الأهمّ على المهمّ هو أيضاً من الفطريات.
وفي توضيح مثالنا الأول قالوا: إن الكذب قبيح ولا يتغير قبحه أصلاً، ولكن العقل وإمضاء الشّرع قد يجوّزان بل يوجبان ارتكابه، فإذا توقّف حفظ نفس محترمة مثلاً عليه، فهذا ليس من باب نسبيّة الأخلاق وتبديل القبح بالحُسن، بل من باب تقديم الأهمّ على المهمّ وارتكاب قبيح للتخلص من الأقبح.
ومن هذا يتأكد لنا أن فطرة كل إنسان ترى حُسن الفضائل كلها وذلك الحُسن لا يتبدل ولا يتغير في زمان أو مكان أو عند قوم أو فرد، وكذلك الرذائل بلا فرق أو تفاوت.
وبهذا نصل إلى النتيجة التي يعتقد بها أصحاب الدين الحق على نبيه وآله أفضل الصلاة والسلام ألا وهي إطلاق الأخلاق وليس نسبيتها، مضافاً للحقيقة الأخرى ألا وهي أن مصدر الأخلاق هو الوجدان ولكن بصورة مقيدة لا مطلقة.
هذا ما ذكره الشهيد مطهري في كتابه فلسفة الأخلاق.
ويظهر من القرآن الكريم أن حُسن الفضائل وقبح الرذائل يُعد من الفطريات والوجدانيات، والنفس تدركه فطرة من غير حاجة إلى تعلّم أن الظلم قبيح والعدل حسن.
قال تعالى: (ونفس وما سواها فالهمها فجورها وتقواها) سورة الشمس/ ٧و٨.
وفجور النفس هو الرذائل وتقواها هو الفضائل.
وهذا معنى قولنا أن الأخلاق من الفطريات.
فحُسن العفة والشجاعة والعدالة لا تحتاج إلى دليل وبرهان، كما أن قبح التهوّر والظلم أيضاً كذلك.
ـــــــــــــ
https://telegram.me/buratha