محمد البدر||
وِلد البابا جلاسيوس الأول في تونس بداية القرن الخامس الميلادي وتوفي في روما عام (496 م) وهو من أصل أمازيغي.
فترة جلاسيوس الأول تمثل بداية نفوذ الكنيسة في المجالات الإجتماعية والسياسية والثقافية.
هذا البابا عاصر الحدث الأبرز في التاريخ الغربي القديم وهو سقوط روما عام (476 م) وهو ما شكل بداية توجه الكنيسة لتصبح قوة روحية وسياسية وعسكرية.
في الجانب الثقافي كان أول تدخل ممنهج للكنيسة في تحديد المواقف من الأفكار والكتب والمؤلفات وذلك عبر إصدار مرسوم بابوي يُحرم ويمنع قراءة مجموعة محددة من الكتب ومنها (إنجيل برنابا).
أما في الجانب السياسي والاجتماعي فقد تمثل نفوذ وتدخل الكنيسة عبر طرح (نظرية السيفين).
نظرية السيفين
في عام (464 م) كتب البابا جلاسيوس رسالة إلى الإمبراطور انستاسيوس الأول إمبراطور الإمبراطورية الرومانية الشرقية يقول له فيها (هناك سلطتان تحكمان هذا العالم، السلطة المقدسة للكنيسة والسلطة الملكية، وإن الثقل الأكبر إلى جانب سلطة الكنيسة)، وبهذا تبرز فلسفة (نظرية السيفين) والسيف المراد به النفوذ والسلطة وهذه النظرية طرحها البابا جلاسيوس الأول لرغبة الكنيسة في نفوذ لا يقل عن نفوذ الإمبراطور ورغبتها في سلطة روحية أقوى حيث اقترح البابا جلاسيوس إن الله أنزل سيفين (قوتين).
سيف السلطة الروحية وتمثل بالكنيسة.
و سيف السلطة الزمانية وتمثل بالدولة.
فكانت الفكرة تقوم على إن للبشر جانبين
جانب روحي (افكاره، دينه، معتقداته)
جانب مادي (جسده وقوته وطاقته)
وبذلك فإن الجانب الروحي يخضع لسلطة الكنيسة.
والجانب المادي يخضع لسلطة الدولة.
وبذلك يخضع الشخص إلى سلطتين روحية ومادية ويكون ملزم بتقديم ولاء مزدوج للكنيسة والدولة.
قبل فترة البابا جلاسيوس الأول لم يكن هذا الطرح موجود بل إن الكنيسة سارت على العبارة المشهورة في الإنجيل (ما لقيصر لقيصر وما لله لله) بمعنى فصل الكنيسة عن الدولة واكتفاء الكنيسة بالجانب الروحي بدون اي نفوذ أو سلطة.
لكن مع ذلك بقي التمايز بين الدين والدولة مستمر وما حصل هو توسع وتغول نفوذ الكنيسة وخروجها من كونها سلطة روحية ضعيفة إلى سلطة روحية مؤثرة ومتنفذة تمهيداً إلى جمعها (السيفين) معاً فيما بعد.