محمد البدر ||
في القرن السابع قبل الميلاد ظهرت في أثينا بواكير الديمقراطية الإغريقية على يد المُشرع ورجل الدولة الأثيني (سولون 640-560 ق.م) الذي وضع مجموعة أسس وقواعد للديمقراطية وتشريعات لإستقرار المجتمع في أثينا وإن كانت هناك تشريعات سابقة لعهده.
ثم جاء بعده المُشرع (كليسثنيس 565-492 ق.م) وبعد سلسلة من الأحداث إستطاع إرساء قواعد الديمقراطية في المجتمع الأثيني ومنح الشعب حق الانتخاب واختيار ممثليه.
وأصبح الأثينيون يستطيعون إنتخاب من يشاؤون للفوز بمقعد في مجلس اشبه ما يكون بمجلس النواب في الأنظمة الحالية وبعدما كان الحكم والانتخاب حكراً على طبقة النبلاء أصبح أفراد المجتمع يساهمون في الحكم والإختيار.
في هذه الأثناء كان السفسطائيون في أوج تأثيرهم وقوتهم الفكرية وكان عوام الناس متأثرين بهم ولم يكن أحد يعارض ويرد على آراءهم وإطروحاتهم سوى شخص واحد وهو سقراط.
ولد سقراط عام (470 ق.م) وتوفي متجرعاً سم الشوكران عام (399 ق.م). وفيما كان السفسطائيون يقدمون أنفسهم كحكماء كان سقراط يقدم نفسه (محب للحكمة) وهو أول من أطلق عليه لقب (فيلسوف) ومعناه (محب الحكمة).
وهو صاحب المنهج المعروف ب(المنهج السقراطي) والذي يقوم على إيصال الفكرة للآخر أو إثبات خطأ رأي المقابل عن طريق طرح مجموعة من الأسئلة والتظاهر بعدم المعرفة ليستنتج المقابل الفكرة المراد توضيحها أو ليكتشف خطأ رأيه.
عارض سقراط الكثير من أفكار السوفسطائيون مثل قولهم بنسبية المفاهيم وانكارهم للأخلاقيات وقولهم إن المعرفة ممكن أن تكون غير أخلاقية وقال بأن المعرفة يجب أن تكون أخلاقية وإن الفضيلة هي المعرفة.
كذلك عارض سقراط إشراك عوام الناس في صنع القرار السياسي والحكم.
وعارض منحهم حق الانتخاب حيث اعتبر العوام جهال لا يملكون المعرفة وهم بذلك عرضة للإستغلال والخداع من قبل الساسة الطامحين للفوز في الإنتخابات وبذلك فإن اختيارات هؤلاء العوام تجلب الخراب والضرر. ولهذا السبب هو كان ضد آلية الديمقراطية في تلك الفترة وضد الديمقراطية بهذا المفهوم.
كذلك عارض حكومة أثينا واعتمادها على القوة والقسوة ودعاها إلى إتباع العدل والمساواة وكان دائم النقد لها.
وكان يقول إن من يحكم يجب أن يمتلك المعرفة وأن يكون حكيم وعارف.
وكان لا يؤمن بتعدد الآلهة التي كان يعبدها المجتمع الأثيني.
وكان يدعو إلى ضرورة الالتزام بالقوانين وإتباع الأنظمة والتشريعات وعدم التجاوز عليها، عكس بعض السفسطائيون الذين كانوا يقولون خالف القانون اذا تمكنت من ذلك.
لم يكن سقراط يقيم وزناً لآراء ومعتقدات العوام من الناس وكان السفسطائيون يستغلون ذلك لتأليب الناس عليه وهو ما استغلته حكومة أثينا في محاكمتة
حيث اتهمته بالإلحاد و الهرطقة وتخريب عقول الشباب والتحريض لأنها خافت من أفكاره.
واستغل ذلك اعداءه وقاموا بتحريض الناس ضده للمطالبة بمحاكمته وبعد إقامة المحاكمة لم يتنازل سقراط عن أفكاره وآراء ولم يطلب العفو بل حول المحكمة إلى تجمع لنشر أفكاره وتوضيحها ودافع عن نفسه بقوة وثبات وسخر من اعداءه.
وبعد إدانته في المحكمة التي كانت غير محايدة ومتأثرة برأي عوام الناس وأصحاب السلطة حُكم عليه بالإعدام وكانت طريقة الإعدام عندهم بشرب شراب يستخرج من نبات الشوكران.
بعد الحكم عليه حاول تلاميذه ومريدوه تهريبه من السجن وكان عدد من السجانين متعاطفين معه لكنه رفض الهرب حتى لا يخالف القانون وشرب السم بكامل إرادته.
لم يصلنا من سقراط نص مكتوب من مؤلفاته وإنما عرفنا توجهاته وفلسفته وأفكاره عبر كتابات تلميذه افلاطون.
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha