أمجد سالم
بعد الحرب العالمية الثانية تشكل في الغرب نمط اجتماعي جديد سرعان ما تحول إلى ظاهرة اجتاحت العالم بأسره بفعل العولمة الغربية. وهذه الظاهرة باتت تهدد الوجود الإنساني، وتبتلع خصوصية الفرد، وتفكك البنية الثقافية المتميزة للمجتمعات، فالجميع متماثل ومتشابه فيما بات يعرف بـ “المجتمع الاستهلاكي”
فهذه الرأسمالية قد غذت النزعة الاستهلاكية لدى شعوب العالم وبثت فيها غرائز الترفيه بكل وسيلة مستخدمة في ذلك حاجة الناس إلى التواصل الاجتماعي والانفتاح على الاخر ومحاكاة تجارب الشعوب والتلذذ بكل ما هو جديد، فتحول انسان هذا العصر منذ تسعينيات القرن الماضي إلى كائن مستهلك لكل شيء في الأرض والفضاء ، مستهلك للزراعة والصناعة والاعلام والفنون وغيرها.
اتجه انسان العصر بفعل الرأسمالية المتوحشة إلى التملك واستخدام اكبر عدد من السلع والخدمات بعد ان غرست فيه #قيم_مادية جعلته يربط سعادته ونجاحه بهذا الامتلاك والافراط في استخدام السلع والخدمات، وصار كثرة امتلاك السيارات الفارهة وتجديد موديلاتها وتجديد الأجهزة الكهربائية والتكنولوجية مظهرا للعصرية والتقدم ومظهرا للتفاخر الاجتماعي وبرهانا على النجاح والمكانة الاجتماعية بين الاقران في المجتمع
يقول الكاتب والناقد المصري د.جلال أمين: إن ثقافة الاستهلاك “ثقافة مجتمع تحتل فيه كثرة ما يحوزه الفرد من السلع مكانة عالية وتنال تقديرا مبالغا فيه في سلم الأولويات وفي أثناء ذلك الصراع للحصول على السلع يتنازل الإنسان عن القيم الأخلاقية والإنسانية، بل الدينية أيضا، فوجوده بدرجة أو بأخرى لم يعد مرتبطا بهذه القيم، بل “باستهلاكه فكلما زاد الاستهلاك؛ كلما أثبت وجوده أكثر فأكثر، إلى أن تحول الأمر إلى ما يشبه الجنون”.
وهنا، وجد الإنسان نفسه متعلقا أكثر بعالم الأشياء؛ هذا التعلق أدى إلى #ضمور_النزعة_الإنسانية ، واختفاء البعد القيمي والروحي داخل الانسان في مقابل توحش النزعة المادية، وتزايد الصراع من أجل الحصول على أكبر قدر من السلع ؛ وكنتيجة حتمية لفقدان الاتزان؛ تزايد شعور الفرد بالعزلة؛ حيث فقد الاتصال بذاته نظرا لهيمنة الطابع المادي عليه وانفصل عن تيار الثقافة في المجتمع، حيث بدأت نزعته المادية تفرض عليه نموذجا ماديا محددا، بداية من تقليد أنماط ثقافية معادية لتيار الثقافة الأصيل الضارب في عمق المجتمع وانتهاء بتحول شامل في طريقة التفكير والتعامل مع مجتمعه، كما ازداد إحساس الفرد بالعجز وبأنه غير قادر على التأثير في المواقف الاجتماعية المحيطة به ” وهذا ما يسمي ب “الاغتراب “.
إن سيادة هذا المفهوم لا بد من أن ينتهي بالإنسان إلى الدمار النفسي، وضنك العيش؛ لأنه إذا دخل في إيقاع الاستهلاك وامتلاك الأشياء، فإن هذا الإيقاع سيطحنه ويفنيه، ويفرغ حياته من المعنى والقيم؛ فالكائن الإنساني المنشغل بالاستهلاك الدائر حول عالم الاشياء ينتهي إلى أن تستعبده تلك الأشياء ، وهذا هو السائد الآن
اليوم في العراق والدول العربية أصبحت السلع المعروضة فى الأسواق تثير لعاب المستهلك العراقي والعربي لأنها تمثل لديه رمزا ثقافيا يدل على ارتفاع مكانته الاجتماعية وسط جماعته.
كذلك تغير السلوك الاستهلاكى لدى الجماهير بفعل التحولات الرأسمالية المعاصرة ولذلك أصبح تفضيل اقتناء السلعة يتم بصورة عشوائية، حسب ما يمثله ذوق المصمم أو حسب لغة ونصوص الخطابات الإعلانية المنتشرة فى الوسائل الإعلامية على اختلاف مستوياتها.
يصبح الاستهلاك الترفى ضربا من ضروب الفاقد الاقتصادى وهدرا لإمكانات وقدرات الشعوب القادرة - إذا ما أتيحت لها الفرصة على صنع التاريخ والحضارة.
وتشير الدراسات الاجتماعية والسيكولوجية إلى أن النزعة إلى الاستهلاك تتأصل لدى الطفل منذ الصغر، مما يساعد، بفعل عوامل موضوعية، على ترسيخ ثقافة استهلاكية تشيع بين كافة شرائح المجتمع فتتوغل بدرجات متفاوتة فى عقول البشر وتتحول إلى ثقافة معممة.
فلو راجعنا حجم الإنفاق الاستهلاكي للفرد العراقي من الناتج المحلي الإجمالي؟
فالإجابة على هذا التساؤل نقول:- انه نسبة ما يشكله حجم الإنفاق الاستهلاكي هي (63 %) من الناتج المحلي الإجمالي حسب التقارير الإحصائية المتداولة في هذا المجال وهذه النسبة تحتاج الى وقفة وإعادة نظر فيما ننفقه ومجالات الإنفاق، إذ ان الإسراف والإنفاق غير الرشيد تعد ظواهر اقتصادي سلبية مرتبطة بثقافة الاستهلاك والذي يبدو إنها غائبة من أبجديات حياتنا يقودنا ما تم طرحة سابقا الى إثارة التساؤل الآتي:-
– كيف تقاس ثقافة المستهلك؟ نقول ان ثقافة المستهلك تقاس بمدى وعيه لشراء ما يلزمه من السلع الخدمات المعروضة وعدم وقوعه ضحية الإغراءات الكثيرة التي تروج لها المحلات والمؤسسات التجارية، فضلا عن حرصه على ترشيد استهلاكه للخدمات المقدمة بما لايتجاوز حاجاته الى حد الترف والإسراف فانه صاحب القرار الأول والأخير في كل عملية شرائية.
ان ممارسة الاستهلاك الايجابي ضرورة ان يقوم على ترشيد الاستهلاك وعدم شراء كماليات غير مرغوب فيها والاكتفاء بالأساسات إذ ان متطلبات الحياة تتراوح بين أمور أولية جذرية وأخرى ثانوية يمكن الاستغناء عنها أو تأجيلها.
#الخلاصة:
✅فى ظل عولمة اليوم وتحدياتها الثقافية تزايدت النزعة الاستهلاكية بصورة واضحة، وتحول الاستهلاك إلى سلوك مرضى وإلى ظاهرة سلبية تؤثر على حياة الشعوب.
✅تحول الاستهلاك إلى هدف فى حد ذاته حيث أصبح يعبر عن رمز لمكانة الشخص، فكلما زاد الاستهلاك لدى الفرد زادت مكانته بين أبناء جماعته. ومن هنا زاد الطموح الاستهلاكى الذى ارتبط بالتفاخر.
✅اضمحلال البعد القيمي والروحي وتوحش النزعة المادية لدى المستهلكين.
✅بقاء ثقافة الاستهلاك الخاطئة تؤدي إلى الدمار النفسي، وضنك العيش؛ والمشاكل الاجتماعية والنفسية.
✅أنّ هناك أمرين يُعدّان جوهر المعيشة وأساسها، وهما: الاعتدال، بمعنى: عدم الإسراف، واجتناب تبديد الجهود، وإهدار الثّروة، والتّدبير، بمعنى: التّفكير في عواقب الأمور، وحسن التخطيط، والإدارة الصحيحة. وروي
أنّ رجلاً قال للإمام جعفر الصادق عليه السلام: بلغني أنّ الاقتصاد والتدبير في المعيشة نصف الكسب! فقال عليه السلام: "لا، بَل هُو الكسبُ كلُّهُ، ومِن الدِّينِ التَّدبيرُ في المعيشةِ.
✅إنّ سوء التدبير والاستهلاك المفرط عواقب وخيمة على حياة الإنسان، قد تؤدّي إلى هلاكه وسقوطه والحيلولة بينه وبين كماله المنشود، منها ما يلي:
1- عدم الاستقرار والضَّياع.
2- التبعيّة الفكريّة والاقتصاديّة.
3- الفقر والحرمان.
4- الفساد الخُلُقيّ.
5- الذلّة والوضاعة الاجتماعيّة.
6- تسلّط الآخرين.
7- التخلّف الفكريّ والرجعيّة.
8- فقدان النعمة.
9- الاختلاف بين أعضاء العائلة الواحدة وتهديد كيانها.
https://telegram.me/buratha