على الرغم من ان تاريخ العراق السياسي والاجتماعي حافل في ثقافة التهميش وسياسيته لكن يبقى الفرد العراقي متطلعا الى تفعيل دوره في المجتمع. وان اقصاءه من حقه الطبيعي في مبدأ الشراكة الحياتية على جميع الاصعدة سوف يعطل جزءاً من حركة المجتمع النهضوية. فان من اشد مخاطر التهميش هو فقدان الفرد دوره في المجتمع ومن ثم ينعكس سلبا على مكوناته الذاتيه مما يؤدي الى امتهانه في صناعة العنف المضاد,
ويشكل هذا الفرد او تلك الشريحة مصدر قلق للسلطة. أ فتستطيع المؤسسة او السلطة عند تبنيها سياسة او ثقافة التهميش ان تحيي المجتمع او تحتوي شواذه؟. ام تريد من ذلك خلق عدو خفي يصعب التعرف عليه.
لقد مر الشعب العراقي بانظمة شمولية مختلفة حكمت رقابه معتمدة على ثقافة التهميش الممنهج وسياسته وكان نظام البعث اشدهم واكثرهم قسوة في ذلك , وقد استطاعت هذه الثقافة العمياء ان تمزق الهوية الوطنية العراقية , وقد افرزت حالة من عدم الولاء للوطن, وكذلك خلط بين مفهوم الوطن والنظام. وهذا ردة فعل طبيعية من قبل الشريحة المهمشة وقد ادى هذه التهميش الى نمو الفقر والتخلف والامية والتشريد والهجرة بين الشرائح والمدن المهمشة, فقد تأخرت تلك المدن والشرائح عن مسيرة التقدم الثقافي والاجتماعي على صعيد البلد والواحد. فالسؤال هنا، هل يستعيد المجتمع المدني حضوره في المجتمع ورد اعتباره في ظل ثقافة وسياسة التهميش التي لا تزال تلازم هذا البلد رغم التهميش الذي تعرضت له كل القوة السياسية في المجتمع العراقي في ظل النظام البعثي المقبور وهي اليوم حاضرة بكل قوة في الساحة السياسية سوى في السلطة او خارجها؟ وبعد حضور المجتمع المدني- الذي يعد كياناً غير معروف وتجربة حديثة في المجتمع العراقي, هل سيعيد للمجتمع هيبته وللانسان حقه ومن ثم ستكون مهمة احياء المجتمع الملقى على كاهل مؤسساته المدنية مهمة عسيرة اذا لم تكن صعبة.
وان الفرد العراقي يتطلع الى مؤسسات فعالة تسهم في رفع حالة الوعي السياسي والاجتماعي في المجتمع ولا نريد ان تتحول تلك المؤسسات الى كيانات فضفاضة تعيش عالة على المصطلح. ورغم ان مفهوم المجتمع المدني جوهريا قابل للجدل بسبب اندراجه ضمن تقاليد فكرية وسياسية واجتماعية وكذلك مسيرة التاريخية التي بدأت في اوربا بين القرنين السادس والسابع عشر الا انه يبقى مفهوماً اساساً (للعلوم الانسانية والاجتماعية) وتبقى أولى مهامه توسيع ساحة الحوار والحرية في المجتمع التي يؤمن بها على اسس ديمقراطية. وعلى الذين يتبنون مشروع احياء المجتمع سواء في السلطة الرسمية او في مؤسسات المجتمع المدني ان يدركوا ان المجتمع المدني (هو منظومة اخلاقية تعتمد على مبدا حقوق الانسان) ويعد هذا المبدا هو الحجر الاساس في منهجها الديمقراطي الحديث. وتطبيق هذا المبدا يعد احد مقومات نجاحها. وعلى مؤسسات المجتمع المدني العمل بجدية على جبل الفرد في المجتمع ضمن اطر قانونية وانسانية في مناخ وطني وفي رؤية واضحة تميز فيها الحقيقة من الخيال والحق من الباطل. وعلى السلطة ان تفكر بتغيير نمط العلاقة المقيتة بين السلطة والمجتمع التي لازمت بلدنا عبر مسيرته التاريخية وتفعيل دور ابنائه في صناعة القرار السياسي من خلال المشاركة الفعلية في مفاصل الدولة والمجتمع ولكي لا تخون السلطة وتلصق بها تهمة عدم الحرص على الوحدة الوطنية وتعود الساحة السياسية والثقافية الى الانكماش والتوجس والشك, ومن ثم يعود المجتمع الى نمط العمل المضاد للسلطة والوطن وتمارس السلطة القمع والاضطهاد للفرد. ومن هنا نريد القول بان هذه الرسالة او هذه الدعوة ذات دلالة واضحة لمؤسسة الدولة والمجتمع هي: ان المجتمع العراقي وصل الى سن الرشد الذي يؤهله الى الحوار والتمحور حول مستقبله السياسي والاجتماعي والثقافي.
20/5/13623
https://telegram.me/buratha