د.محمد العبادي ||
كان اتفاق بكين في 11/آذارـ مارس/2023م قد شكل نقطة إنطلاق جديدة لعودة العلاقات بين السعودية وايران .ومنذ ذلك التاريخ بدأت الزيارات والتصريحات الإيجابية المتبادلة من قبل المسؤولين في كلا البلدين.وقد دشن البلدان علاقاتهما بإفتتاح سفارتيهما في وقت لاحق من التاريخ آنف الذكر.
أعداء التعاون بين الدول الإسلامية ساءهم ذلك (إن تمسسكم حسنة تسؤهم)،وحاولوا إيقاف عجلة تطور العلاقات بين إيران ودول المنطقة عبر إثارة بعض الخلافات الحدودية، لكن العقلاء في المنطقة قد إستوعبوا التجربة وأطفأوا نار الفتنة.
إيران ومنذ حوالي سبعة أشهر تتعامل بإيجابية ،ويبدو ان لوزارة الخارجية الإيرانية سهماً وافر في هذا النجاح الديبلوماسي ،ولم ننسَ دور العراق وبعض الدول في تذليل العقبات وترطيب العلاقات بين النفيرين السياسيين المتنافرين سابقا.
إنّ عودة العلاقات الطبيعية بين البلدين خلق مزاجاً إيجابياً سرى من الأوساط السياسية إلى الأوساط الشعبية ،وقد إنعكس أثر ذلك في (معرض طهران الدولي الثلاثين للسجاد اليدوي ) الذي أقيم في طهران وعلى مساحة تقدر بـ(50) ألف متر مربع .
لقد احتوى المعرض على كميات كبيرة ومتنوعة من السجاد اليدوي الفاخر، ولِمَ لايكون ذلك وإيران تنتج أكثر من 30% من السجاد في العالم.
من الملاحظات أن الأعمال اليدوية قد تنوعت وتوزعت على أربعة قاعات كبيرة ، بعض الأعمال المعروضة ليست منسوجة يدوياً ،وإنما هي عبارة عن قماش قطني أو حرير قد زينت بريشة أو قلم رسام (قلم كارى )وبقياسات مختلفة نقشت عليها الأسماء الإلهية .
وتوجد بعض اللوحات الجدارية المنسوجة يدوياً ،قد طرزت بآيات قرآنية وأحاديث شريفة ؛فخرجت (تسر الناظرين )بألوانها الزاهية وحلتها القشيبة .
وبعض اللوحات المنسوجة يدوياً إقتنصت من الطبيعة الخلابة مشهداً تنشرح له النفوس ،فجسدتها تلك الأيادي وركبت صورتها بإتقان لتقترب بخيوطها من صورة الطبيعة الحقة .
جميل جداً أن تشاهد في بعض الغرف مسحوق الألوان المختلفة قد وضع بأواني فخارية صغيرة ، وجميل أن تشاهد كيفية غمس الخيوط القطنية بالألوان السائلة ،والأجمل أن تشاهد في المعرض أفراداً بلباسهم التقليدي يمارسون بشكل حسي مراحل الحياكة اليدوية .
من المفاجآت أن ضم المعرض جناحاً تضمن لوحات جدارية منسوجة يدوياً لصور بعض الأمراء في الخليج ،في مقدمتهم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ، وأمير قطر تميم بن حمد،ورئيس دولة الإمارات محمد بن زايد ، وحمدان بن محمد آل مكتوم .
هذه اللوحات الجدارية اليدوية تفاوتت ألوانها وأبعادها وأحجامها ؛فصورة ولي العهد السعودي كانت بطول متر ونصف المتر ،وعرضها متر واحد، وقد أحيطت بإطار خشبي [ حسب علمي ]مزين بنقوش على الطراز الإصفهاني .إنّ إتقان حياكة الجداريات المنسوجة يدوياً بلغ من الدقة الفنية مبلغاً يضاهي عدسة التصوير الفوتغرافي .
يقولون إن العمل اليدوي على كل لوحة من تلك اللوحات قد يستغرق من ستة أشهر إلى سنة،وهذا يعني أن إيران قد إنتدبت أكثر من فريق لهذا العمل الفني وضربت لهم أجلاً معلوم .
لا أظن أن هذا العمل الفني وما ينطوي عليه من أبعاد صدر بمبادرات فردية أو من دون رغبة المستوى السياسي في إيران،ويبدو لي أن (وزارة التراث الثقافي والسياحة والحرف اليدوية ) في إيران قد تلقت الإشارة وتبنت هذا الموضوع رغبة في كسر الجليد المتراكم على سطح العلاقات مع دول الجوار.
وتقدر قيمة كل لوحة بـ (10 ) آلاف دولار . وكرأي شخصي أن قيمتها الفنية ومضمونها السياسي يتجاوز هذه التقديرات المالية الصغيرة ،وستتنافس على حيازتها المتاحف الكبيرة أو الدواوين الأميرية .
بتصوري أن رؤساء وزعماء دول المنطقة بحاجة إلى تجاوز الشكليات رغم تأثيرها النفسي إلى الحضور الواقعي من أجل تنمية العلاقات وتطويرها على الصعد كافة ، وبحاجة أيضاً إلى مكاشفة حقيقية تمنع العدو من التسلل وإختلاق الذرائع في صنع الأزمات والحروب .
ربما في المستقبل نشاهد الأعمال اليدوية تنتقل إلى حياكة خارطة فلسطين أو صور بعض الشهداء كعلماء الذرة الإيرانيين ، أو مصانع وجسور تم ضربها أو بعض المشاهد المشرفة وما إلى ذلك ، وبتصوري أن الإبداع والإبتكار في إيران لايتوقف وهو من سمات هذه الأجيال التي أنتجتها الثورة الإسلامية.
https://telegram.me/buratha