نعيم الهاشمي الخفاجي ||
الحروب بين البشر ليست وليدة اليوم، ولم تكن حالة طارئة، بل صراع البشر، فيما بينهم، صراع حتمي على الموارد وسابقا على المراعي، لذلك الصراع ما بين البشر، صراع أبدي وأزلي، لامناص منه، بل حتى كانت القبائل سواء في العصور الجاهلية أو بعصر ما بعد الاسلام، يعتبرون الشخص اللص الحرامي رجل شجاع، ويحترموه، ويعتبروه بطلا.
الصراعات ما بين بني البشر تأخذ أشكال متعددة، فهي صراعات ما بين الافراد، ومابين ابناء المجتمع الواحد، أو صراع مابين مجتمعات عرقية وقومية، أو صراع وحروب ما بين حكومات محلية أو صراع حدود ما بين دول، أو غزو من قبل قوى استعمارية تريد نهب ثروات الشعوب الضعيفة، تسبي حتى نساؤهم ويتم البيع أو الاستغلال الجنسي كعبيد وجواري أو أو في مسميات كثيرة.
لذلك اضطرت الكثير من الشعوب على العمل على تحصين نفسها للدفاع عن وجودها، تعلمت البشرية عبر تاريخها الطويل كيف تصون أراضيها من احتلال الغزاة، من خلال التسليح، بل الكثير من قادة الشعوب لديهم مواقف حكيمة لتجنيب شعوبهم ويلات الحروب وعدم الانسياق لخلق مشاكل، لذلك عمل القادة الحكماء تجنيب شعوبهم من الدخول في الصراعات.
طبيعة الحياة، لاتخلو من وجود بشر معتاد على اضطهاد الآخرين واستعبادهم، والتسلط عليهم لحكمهم وفق آرائه، لذالك حياتنا البشرية، وخاصة نحن كعرب، ساحة خصبة إلى الصراعات، التي لها بداية وليست لها نهاية، صراعاتنا العربية سواء كانت من الحكومات التي نصبها الاستعمار على الدول التي رسم حدودها، أو من خلال الصراعات على المستوى القبلي أو بين أبناء القبيلة والعشيرة والبيت الواحد، أو الصراعات المذهبية والدينية والقومية، لا يمكن أن تنتهي، ما دام في الدنيا مصالح متضاربة، وحب ال أنا، بل باتت الصراعات ما بين دول العالم الثالث تكون ضمن سياسات وأولويات للدول العظمى المتصارعة على النفوذ فيما بينها، إن عملية صناعة بؤر للصراع، عملية مستمرة وترسم بشكل جيد ومتقن للضحك على الشعوب المسكينة التي تصبح ساحة للصراعات، والغاية والهدف يصب بمصالح دول الاستعمار وليس لصالح الشعوب التي تجري بها الصراعات والحروب المذهبية والدينية والقومية، وبسبب مصالح القوى المهيمنة طور واضعي السياسة لتأسيس تحالفات أو منظمات لوضع أفكار ومبادئ، وقوانين وأنظمة، ظاهرها انساني لخدمة البشرية لكن الواقع انها تخدم مصالح المستعمرين بالدرجة الأولى وليس لخدمة الشعوب الفقيرة والمسكينة.
لايهم الدول العظمى تدمير شعب معين يقع تحت رحمتهم يتعرض لاحتلال أو غزو دولة عظمى أخرى لذلك لا يهم المتسيد على العالم معاناة شعب تلك الدولة التي وقعت في شبكة الصيد بل تسعى الدول العظمى وبكل قوتهم من جعل الشعب المبتلى الذي دخل ساحة الصراع، من جعل تلك الدولة ساحة حرب طويلة الأمد من أجل استنزاف القوة العظمى الأخرى على حساب الشعب الذي وقع في شباك اطماعهم.
هذه سياسة ثابتة للدول العظمى الرأسمالية المتوحشة، فمن أجل مصالحهم يرفعون كل شعارات الإنسانية والديمقراطية، ويضربوها في عرض الحائط، ويتم استخدم أقذر الوسائل لتحقيق اهدافهم على حساب الشعوب المقهورة، نتذكر خطاب بوش الابن قال جعلنا العراق ساحة لحربنا مع القاعدة وياليت كانوا يسمحون للحكومة العراقية والاجهزة الامنية في قتل المجاميع الإرهابية وتنفيذ قرارات القضاء العراقي في تنفيذ الأحكام الصادرة بحق الذباحين والقتلة.
انا شخصيا بعد أن سئمت من صراعات بني البشر، اتجهت إلى متابعة عالم الحيوان، والصراعات ما بين الحيوانات في الغابات أو صراعات عالم الحيوانات الزاحفة والسابحة في مياه الانهر والمستنقعات والبحار والمحيطات، ووجدت أن عالم الحيوان أيضا تحكمه قوانين صارمة، بل تحكم عالم الحيوان أخلاقيات فاضلة، على سبيل المثال،
أنثى الذئب التي تسمى بـ السرحانة، عندما تجد شريك حياتها فإنها تعيش معه طول حياتها ولا تستبدله بآخر حتى بعد موته، وذكر الذئب لا يعاشر أنثى أخرى حين يكون مرتبطاً بزوجته، حتى لا يضيع ويتفرق نسله، وهو في هذا أحرص حتى من البشر، نحن بني البشر صنع لنا الأتراك تحالفات قبلية بحيث جمعوا أنساب متعددة وتم صهرها ونسبها إلى آباء ليس لهم، رغم أن القرآن به آية صريحة، ادعوهم لآبائهم، انا ارى مواقف الذئاب افضل وانزه من مواقف بني البشر الذي يقبل بضم ناس إلى عشيرته ويصادر نسبهم بطريقة مبتذلة ونتنة تتعارض مع القرآن الكريم ومع أحاديث النبي ص الرافضة لدخول النسب، بني الحيوان مخلوقات لها قوانين افضل من قوانين بني البشر.
كذلك الذئاب لا تترك والديها عندما يكبرا في العمر ويعجزا عن تأمين غذائهما، فشباب الذئاب يصيدون ويأتون بالفرائس إلى أوكارهم حيث يتشاركون الأكل مع والديهم الكبار وأشبالهم الصغار، و يطلق البدو على الذئاب مصطلح نسل الملوك، لي قصة مع ذئب، عندما كنت شاب في منطقة العكابية بقضاء الحي، كنت بمعية شقيقي الوحيد الذي بقي حي رحيم عاتي، مررنا بالليل بالقرب من جحر ذئب،
سمعنا زئير الذئب، وعيون الذئب بالليل تعطي ضوء، كاد يهجم علينا، كان معنا سلاح، رمينا طلقتين فوق رأسه، هرب الذئب، بعد هروبي من العراق، شقيقي الأكبر مني رحمه الله قام في قتل ابناء الذئب، رحم الله والدتي قالت له ما الذي فعلت، حظروا أنفسكم الليلة نتعرض لغزوة، فعلا قبل الضياء الاخير جائت اللبوة وبقت بالقرب من دارنا، تم تنفيذ صولة، تم التصدي للهجوم في الأسلحة الخفيفة، وتم الاستعانة بقوة ضاربة من الكلاب، وتم هزيمة الذئاب.
واقع دول الاستعمار، تنطبق عليهم قصة جميلة، من عالم الحيوان، تقول القصة، هجم الذئاب على حظيرة الأغنام، وافترسوا الكثير منها، ثم عقدوا اجتماعاً طارئاً، وأعلنوا فيه أنهم يعارضون أي تدخل خارجي في شؤون الحظيرة، وأن الأغنام وحدها لها الحق في تقرير مصير حظيرتها.
الصراعات التي تحدث بين الدول الكبرى، لم تصل إلى استعمال أسلحة نووية بل لابد أن تنتهي الحرب الدائرة هنا وهناك،وفي يوم من الايام، عندما يوقن اللاعبين الكبار أن مصالحهم مع توقف الصراع، لانة لايمكن أن تحدث مواجهة نووية، لان الدمار يشمل اللاعبين الكبار قبل غيرهم، رأينا قضية استهداف «الكرملين» بطائرة مسيَّرة، كيف كل اصحاب الشأن الكبار اعتبروا هذا التصرف خطأ.
الصراع في السودان، نتيجة طبيعية لوجود مجتمعات مختلفة مدمجة بدون وجود دستور حاكم وضامن حقوق الجميع بالتساوي، لذلك الحرب الدائرة هي نتاج التدخلات الدولية لسرقة ثروات السودان وليس لإقامة نظام ديمقراطي.
ذاكرة المنطقة لم تنسَ بعد حجم المآسي والحروب والصراعات والنزاعات التي تعيشها دولنا العربية بسبب مخططات الاستعمار في اتفاقية سايكسبيكو التي رسمت حدود دول، ودعمت أشخاص عملاء ليصبحوا ملوك وقادة ورؤساء مرتبطين بدول الاستعمار، وإعطاء فلسطين إلى بني صهيون، بسبب احتلال فلسطين، انتجت لنا وقوع الانقلابات العسكرية وإسقاط الملكيات ورأينا الشعارات الرنانة، في تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، وإقامة أنظمة ديمقراطية، اشعلوا حروب مع المنظمات الفلسطينية في الأردن ولبنان، وأمروا كلبهم صدام ليشعل حرب غير مبررة مع إيران استمرت ثمان سنوات، أمروه ليحتل الكويت، وكانت الحجة لمجيء القوات الأطلسي للخليج، لتدمير العراق، ودافع الفاتورة لتكلفة الحرب دول الخليج.
فرضوا حصارا على شعب العراق ومن ثم تم احتلال العراق وجعله ساحة للعصابات الوهابية لقتل ابناء المكون الشيعي العراقي، النتيجة فشلوا فشلا ذريعا، اوعزوا الى اردوغان في التمدد التركي من خلال حركات الإخوان المتوهبة، وعاشوا أحلام التوسع من خلال التحالف الأصولي ما بين كل المتناقضات بدول الشرق الاوسط وتفجير الربيع العربية بسيطرة تامة لدعاة الديمقراطية العصابات الاخوانية الوهابية التكفيرية، تم استهداف الدول العربية الجمهورية التي تعرضت إلى انقلابات العسكر وتحول انظمتها إلى أنظمة شكلها جمهوري، وهم بالحقيقة مجرمين دكتاتوريين أمثال صدام جرذ العوجة، تم استهداف، أنظمة ودول عربية ترفض التطبيع المجاني، دائما فتوحات دول الاستعمار تتم من خلال تعليم الشعوب الأخرى التجارب الديمقراطية، وهي في الحقيقة إذلال الشعوب وتحطيمها وتسليط ودعم أنظمة فاشية للتسلط على رقاب الناس، لذلك شعارات الحرية والديمقراطية والحقوق، كذبة كبرى، وثبت كذب هذه الشعارات، وثبتت للقاصي والداني تم دعم عصابات إرهابية جمعت من مائة دولة بالعالم لتدمير بعض الشعوب العربية.
نحن مقبلين على تسويات، سواء كانت كبرى، أو صغرى، هذه التسويات لا تعني انتهاء الصراعات، بل تعني وصول الأطراف الدولية المتسيدة على العالم إلى تفاهمات في تقاسم أماكن النفوذ.
لننظر إلى أحداث السودان، طرفا النزاع أقوياء، مدعومين من جهات دولية، تم جمع وفود المتفاوضين في السعودية والواقع يقول أن الأوضاع تسير نحو تخفيف التوتر.
في الختام، صراعات البشر، سوف تبقى مستمرة، وفق مسرحيات معدة، لخداع عامة الناس، وتوريط دول وشعوب لتتصارع بينها، والمستفيدين من كل هذه الصراعات، جهات دولية فاقدة للضمير الإنساني والاخلاقي، الهدف الأساسي ليس لنشر الديمقراطية وإنما لسرقة الثروات، الصراعات تتم وفق ذرائع وحجج مختلفة، لكن في الختام يجلس المخدوعين والسذج للجلوس على طاولة تفاوض لوقف الحرب، والخاسر الوحيد هم الضحايا والاسرى والجرحى والمعاقين، أو الذين سببت لهم الحروب أمراض نفسية وعصبية.
كاتب وصحفي عراقي مستقل.
13/5/2023
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha