د.أمل الأسدي ||
نبدأ هنا من قاعدتين رئيستين، الأولی هي:
إن الأساس في نجاح أي مشروع تربوي هو التعامل بمحبة مع الأبناء عموما والأطفال خصوصا؛ لهذا نربي صغارنا علی مفهوم نبيل وهو أن المدرسة بيتكم الثاني، البيت الذي يمدكم بالعلم والمعرفة مثلما يمدكم الأهل بالغذاء والرعاية التامة، وعلی مقدار محبة التلميذ والطالب لمدرسته، يكون النجاح والتفوق، وبخلاف ذلك تتحول العملية التربوية الی معاناة ومشكلة مركبة، تعاني الأسرة منها، ويعاني المجتمع كله منها!!
أما القاعدة الأخری: فهي واقعية، قائمة علی الواقع التربوي قبل التغيير، والذي بدوره ينشطر الی شطرين، الشطر الأول التعليم مابين الخمسينيات الی السبعينيات، والتعليم مابين الثمانينيات الی سقوط النظام البائد ودخول المحتل، ولعل أبرز مقولة تلخص ذلك الواقع وتختزل الأحاديث، مايقوله الأساتذة الكبار الذين عاشوا تلك المرحلة بتفاصيلها الدقيقة، إذ تجدهم يرددون: " إعدادية السبعينيات تساوي ماجستير الآن"
و" ابتدائية الثمانينيات تساوي بكالوريوس الآن" ... الخ من المقولات التي تبين أن الواقع التربوي والتعليمي كان أكثر رصانة؛ علی الأقل كان محصورا بيد الدولة، وكان خاضعا للقوانين الملزمة، ولم يكن قائما علی الاجتهادات والشطحات الفردية أو اللجانية، فلا مدارس أهلية تعبث كما تشاء، ولا لجان مستحدثة تغير المناهج كما تشاء!! ولا طفولة مضيّعة، ولا مدارس تغتال الطفولة!!
فتعالوا معنا لنسطر بعض النقاط التي توضح كلامنا وتفسر مقولات الأساتذة الكبار:
١- كانت أوقات الدوام في المدرسة محددة، وخاضعة لقوانين ثابتة، يبدأ الدوام عند الساعة8 ينتهي عند الساعة 12.30 وهناك يوم من أيام الأسبوع يمتد فيه الدوام الی الساعة 1 ظهرا في بعض المدارس الإعدادية.
٢- الكتب محددة، ولكل مادة كتاب واحد وليس مجموعة من الكتب الساندة وكتب النشاط.
٣- يلتزم المعلمون بالجداول الدراسية المعلنة، ولايُطالب التلميذ أو الطالب بجلب كل المواد يوميا!!مثلما يحدث الآن في أغلب المدارس ولاسيما الأهلية!!
٤- يتمتع التلميذ والطالب بدروس التنمية وهي الفنية والرياضة والنشيد والتربية الأسرية، ولايتم استبدالها بمواد دراسية أخری كما يحدث الآن!!
٥- لا يطالَب التلميذ بالاملاء التحريري من الصف الأول الی الرابع، بخلاف ما يحدث الآن من ضغط علی التلاميذ وإجبارهم علی الإملاء حتی في مادة التعبير الكتابي التي ليس لها علاقة بالإملاء أصلا!!
وليس هذا وحسب، بل يُطلب من التلميذ حفظه كالإنشاء عن ظهر قلب!!!!
٦- تم إضافة مادة اللغة الانجليزية للتلاميذ، وكانت في السابق تبدأ من الصف الخامس، وهذا أمر ممتاز كي يتعلم التلاميذ المحادثة ويتدربوا علی الحروف ونطقها بشكل سليم، لكن المدارس واجتهاداتها، وشطحات بعض المعلمات والمعلمين، اغتالت هذه الأهمية، وحولت المادة الی كابوس، فصاروا يطالبون التلاميذ بالإملاء في اللغة الانجليزية وحفظ كلمات كل درس، كتابةً ولفظا، وتخيل حجم الأزمة التي يعيشها التلميذ وهو في سن السابعة أو الثامنة أو التاسعة، وهو يحاول "درخ" إملاء هذه الكلمات، واستيعاب إلصاقية هذه الحروف وتكوين أصواتها!! وقد تجد بعض المعلمين والمعلمات يخطئ في كتابتها نقلا علی اللوحة!!!! بينما يطلب من التلميذ درخها !!!!!!
٧- لم يكن التلميذ أو الطالب يحمل حقائب مستوردة ومتينة؛ كي تكفيه لوضع جميع المواد والدفاتر، ولاسيما في ظل الحروب والحصار، فكانت الحقيبة تلازمه سنوات، وكان الأولاد يحملون كتبهم بأيديهم، بلا حقيبة " يشدونها بلاستيك" أما الآن فحقائب ثقيلة، يتم استبدالها لمرتين في العام الدراسي الواحد، يصعب حملها علی التلميذ، فتجد الأطفال بظهور محنية، ووجوه صفراء أرهقتها الواجبات المنزلية!!
٨- كانت المدارس تجعل تلاميذ الصف الرابع والخامس والسادس في الطابق العلوي، وتلاميذ الأول والثاني والثالث في الطابق الأرضي،لأنهم مازالوا صغارا ويخشون عليهم من السلالم!!
أما الآن فالمدارس الأهلية عبارة عن منازل صغيرة، فلايكفي الطابق الأرضي إلا للإدارة وغرفة المعلمات، وصف واحد في الغالب، مما جعلهم يوزعون الصفوف علی الطابق الثاني والثالث، فتخيل شكل تلميذ المرحلة الأولی أو الثانية أو الثالثة بحقيبته الثقيلة وهو يعاني في رحلة الصعود والنزول!!!! حتی صرنا نسمع بأطفال يشكون آلام الظهر ويأخذهم الأهل الی الأطباء!!!!
٩- كانت المناهج يسيرة، موازية ومناسبة لعمر التلاميذ، فلا إفراط في سهولتها، ولاتفريط في صعوبتها، أما الآن فتم استبدالها بمناهج صعبة جدا، ودقيقة جدا، وتحتاج إلی استعانة وإعادة شرح من الأهل، وبما أن بعض الأسر لاتمتلك الوقت أو التمكن من المتابعة وإعادة الشرح، فتلجأ الی الدروس الخصوصية والمعاهد الخاصة، وعلی رب الأسرة التصرف في تدبير المبالغ المطلوبة!!
١٠- يتفق الجميع علی أن التعليم كان أفضل،وأن المستوی التعليمي والثقافي للتلميذ والطالب كان أفضل من الآن، مع أن المناهج كانت يسيرة وغير معقدة!!
١١- كانت المناهج تراعي قابلية الأطفال، فلم يكن في الصف السادس الابتدائي مثلا ، كتاب اجتماعيات معقد الی هذا الحد!!!!
وهل اطلع بعض المسؤولين علی صعوبة هذا الكتاب؟؟؟
ألم يفكروا كيف لتلميذ في سن العاشرة أو الحادية عشر أن يفرق بين الموقع الأثري والموقع التأريخي والنبذة التأريخية لكل محافظات العراق؟؟ وكيف له أن يفرق بين مشاريع الإرواء ومشاريع السيطرة والخزن في كل المحافظات؟؟؟ وكيف له أن يفرق بين أنماط المناخ في كل جزء من أجزاء المحافظة( الشمالي والجنوبي ...الخ) هذه المادة التي كانت مخصصة ـ سابقاـ للصف الثالث المتوسط!!! وهكذا بقية المواد كالعلوم الذي يشابه أحياء الثالث المتوسط والرياضيات ووو الخ.
12- كان التلميذ ـ سابقا ـ يحب مادة اللغة العربية ويحب مادة التربية الإسلامية، لنقل حتی التسعينيات وقُبيل انطلاق الحملة الإيمانية!! أما الآن يعيش التلميذ أزمةً بسبب هذه المواد، ويعاني أكثر من التلميذ في أيام الحملة الإيمانية المزعومة!! فالمواد كثيرة وصعبة، ومع ذلك لم تكتف المدارس وطواقمها بهذه الصعوبة، وإنما ضاعفتها عن طريق إجبار التلاميذ علی الكتابة لثلاث مرات حين عودتهم، فضلا عن إجبارهم علی كتابة السور القرآنية والأحاديث والمعاني والمناقشات!!!!!!
وهذا كله غير مطلوب، فلماذا يجبرون تلميذ الصف الثاني والثالث علی كتابتها؟؟؟ ولماذا يسرقون وقت راحته؟؟ ولماذا يسهر من أجل إكمال الواجب؟ ولماذا يشفق الآباء والأمهات علی أطفالهم ويجلسون للكتابة عوضا عنهم؟؟؟ ماهذا الإرهاب النفسي؟؟ ولماذا صار التلاميذ يكرهون مادة اللغة العربية والإسلامية؟ وماهي الفائدة المتحصلة؟؟؟
١٣- كانت المدارس تقيم دروسا للتقوية، دروسا مجانية للصف السادس الابتدائي والثالث المتوسط،والصف السادس الإعدادي، أما الآن فيسجل الطالب في معهد خاص وقبل بدء العام الدراسي، ويضطر الأهل لتوفير الملايين من أجل تسجيل أبنائهم، أما الفقراء والمساكين، فيستجدون بعض الملازم و المرشحات الوزارية، وبعد دراسة أبنائهم وتعبهم، تضيع جهودهم ويتساوی معهم أو يتقدم عليهم من هو أقل منهم مستوی!! بفضل الجامعات والكليات الأهلية وسوقها المفتوح بلا ضوابط!
١٤- كان رب الأسرة ـ سابقاـ مشغولا بعيدا عن أسرته بسبب الخدمة العسكرية الإلزامية، أو بسبب صعوبة الحياة، وصعوبة توفير القوت، وحتی الأمهات كن يعملن في المنزل بعض الأعمال التي توفر لهم بعض المال لسد احتياجات الأسرة، وفي الغالب لايعلم الأب بسير الحياة المدرسية لأبنائه، وتتكفل الأم برعاية الأولاد وتوفير الجو المناسب لهم، وتحضير الطعام وغسل للملابس ...الخ ولكن لاعلم لها بالمواد الدراسية، ولاتتدخل فيها،أما الآن فتحولت البيوت الی مدارس، والكل يسهم في تدريس الأبناء، وقد تجد الأم المسكينة في حيرة وهي تبحث علی الانترنت عن فيديو يوضح لها حل بعض التمرينات أو شرح بعض المواد!!! فلا راحة لها ولا لأبنائها!!!!
١٥- لم يكن في السابق عطلة الا يوم الجمعة، ومع ذلك كان الوقت طويلا وكافيا لأداء الكثير من الواجبات، فلا ازدحامات طوال الأسبوع تجعل الفرد يؤجل أعماله، ولا انترنت ولافضائيات، أما الآن فوقت العطلة( السبت والجمعة) مخصص للواجبات المدرسية،وفي الغالب لايكفي!!! ولاسيما لمن لديه أكثر من تلميذ أو طالب!!!
فلماذا سُرقت عطلة الأسرة؟؟
١٦- من المسؤول عن اتجاه الأسر الی العزلة؟؟ من المسؤول عن عزلة أفراد الأسرة؟؟ من المسؤول عن تحجيم العلاقات الإنسانية؟؟؟ إذ لا تمتلك الأسرة الوقت للتزاور، ولاتمتلك الوقت للجلوس معا!!
فبعد الدوام مشغولون بكتابة الواجبات الثقيلة، وفي العطلة مشغولون بكتابة الواجبات المضاعفة، فالمدرسة تضاعف الواجبات في العطلة!!!!!
من المسؤول عن فقدان أبنائنا للذكاء الاجتماعي والقدرة علی التواصل؟ من المسؤول عن جعل أبنائنا كالببغوات؟ بلا هدوء ولا تأن ولا تأمل؟!
١٧- مضت كورونا ولم تمض!! فما زالت الأمراض تفتك بالتلاميذ والطلبة بسبب انعدام الأجواء الصحية السليمة في مدارسنا، لهذا تجد الأسرة تغدو وتروح الی الأطباء و الصيدليات، وأغلب التلاميذ فقدوا مناعتهم بسبب كثرة المضادات الحيوية والأدوية والحقن!!
١٨- مضت كورونا وظل نهجها قائما، فكروبات الواتس اب وقنوات التيلكرام تعمل بلا هوادة!! تخيل أن تداهمك المعلمة ببصمة صوتية عند الساعة العاشرة مساءً، إذ تذكرت أن تضيف امتحانا يوميا للتلاميذ!!
وتخيل أن تداهمك رسالة من معلمةأخری وهي توبخ الأسرة وتحذرهم من الشكوی!!
وتخيل أنك في زيارة أهلك فتهاجمك إحدی المعلمات بطلب كتابة ملخص لمادة جديدة، ستقدمها للتلاميذ أو الطلبة في اليوم التالي!!
١٩- في السابق كان التلميذ يُمتّع عينيه وينمي طاقاته في المرسم والألوان، أما الآن فيسرق الجوال نظره وصحته وهو يجلس محني الظهر لنقل المواد التي اكتفت المعلمة أو المعلم بإرسالها الكترونيا، أو تقديمها لشعبة واحدة، وتصويرها وإرسالها للشعبة الأخری!!
سأكتفي بهذا القدر وإلا فالمعاناة كبيرة لا تلخصها هذه النقاط!! فلماذا يا وزارة التربية تحولت المناهج الی حمل ثقيل؟ ولماذا نمضي باتجاه العزلة؟ ولماذا ترضون أن يكره التلاميذ والطلبة المدارس والتعليم؟ ولماذا ضاعت طفولة أبنائنا؟ ولماذا كل هذا التعقيد؟؟؟
والی من نشكو؟؟ ومن هو المسؤول؟؟
🔴 المقترحات
ـ إجراء تكييف سريع لكل المناهج ولكل المراحل وإلزام المدارس بتطبيقه ريثما توضع الحلول المناسبة في العام المقبل.
ـ العمل علی تشكيل لجان جديدة للمناهج التربوية تعمل علی إعادتها كما كانت في السابق أو تعمل علی وضع مناهج تناسب عمر التلميذ وقدرة الطالب!!
- إلزام المدارس الأهلية بقوانين التربية ومنع الاجتهادات الفردية،مع الالتزام بالخطط اليومية والأسبوعية والشهرية و السنوية.
ـ منع المعلمين من العمل في المعاهد الخاصة أو التدريس الخصوصي، الذي جعله يقصر في واجبه الوظيفي الذي يتقاضی عليه راتبا شهريا من الدولة.
ـ منع المشرفين من الاجتهادات الفردية في إصدار بعض التوجيهات المخالفة لقوانين التربية، ولاسيما وان المدارس تتعلل بالمشرفين وتوجيهاتهم في أي موضوع تشتكي منه الأسرة.
ـ منع المدارس من حجب مواد (الفنية والنشيد والرياضة) وإشغالها بمواد أخری!!
- تشكيل مجلس آباء يرتبط بالوزارة، ففي كل مدرسة هناك رئيس مجلس آباء، ولكن هذه المجالس، وهولاء الرؤساء غير مرتبطين بالوزارة، أي لايوجد تواصل بينهم وبين الوزارة أو مديريات التربية!!
ـ تحديد ساعات الدراسة ولاسيما في المدارس الأهلية التي يصل فيها وقت الحصة الواحدة الی 55 دقيقة أي تزيد علی وقت المحاضرات الجامعية!!
🔴 أرجو الالتفات الی هذه القضية المهمة، فأبناؤنا هم رصيد البلد، وهم بنيته التحتية البشرية، فإذا انهارت هذه البنی، انهار مستقبل البلد وضاعت هويته!!
ــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha