محمد صالح صدقيان ||
"سوف لن تكون نهاية الدنيا إذا ما تم الإعلان عن إنهيار مفاوضات فيينا النووية؛ وسوف لن نموت بسببها. إنها لعبة الكّر والفرّ مع واشنطن التي بدأت منذ 42 عاماً وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا"، يقول مسؤول إيراني كبير. “صحيح أننا دفعنا ضريبة هذه اللعبة طوال عقود من الزمن؛ لكن الآخر دفع ضريبة من نوع آخر. أزعجناه. عكّرنا عليه حياته في الشرق الأوسط.. دفعناه مرات ومرات لتغيير قواعد اللعبة. جلسنا علی مفترق الطرق التي يمر بها وهو يتربص بنا الدوائر. يريدنا أن نرضخ ونريده أن يعترف بأننا أهل هذه الأرض. هو يعلم أن برنامجنا النووي سلمي، لكنه لا يريد الإعتراف بذلك من دون ثمن ما. نحن نريد أن نمتلك التكنولوجيا والقوة لنعدّ له ما استطعنا من قوة.. وهو يری أن نتخذه من دون الله أنداداً”.
يأتي هذا الكلام للمسؤول الإيراني الكبير الذي رفض ذكر إسمه وذلك رداً على سؤال طرحته عليه بشأن تطورات المفاوضات النووية والطريق المسدود الذي بلغته، لا سيما بعد أن أصدر مجلس الشيوخ الأمريكي قراراً يدعو فيه الرئيس جو بايدن لإبقاء “الحرس الثوري” في القائمة الإرهابية المصنفة أمريكياً ويُحرّضه على إتخاذ موقف بشأن علاقة طهران ببكين.
القرار الذي أصدره مجلس الشيوخ الأمريكي في هذا التوقيت تحديداً يحمل دلالات عدة. أولاً؛ إنه قرار غير ملزم للحكومة الأمريكية وانما بمثابة توصيات أو اقتراحات وإن كان مهماً من الناحية السياسية. ثانياً؛ إن عدداً من النواب الديمقراطيين ساندوا القرار، وهذا يعني ان هؤلاء يريدون مساعدة الرئيس جو بايدن وليس الضغط عليه. وبعبارة اخری أرادوا ممارسة الضغط علی إيران للكف عن مطالبة الولايات المتحدة برفع الحظر عن “الحرس الثوري” والسير باتجاه التوقيع علی اتفاق يسهلّ إعادة إحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015 من دون ربطه بقضايا أخری من خارج إطار الإتفاق المذكور.
سألت المسؤول الايراني الكبير الذي لا يبخل عادة بالمعلومات في ما يمكن تسميتها “اوقات الشدة”، عن سبب إصرار ايران علی رفع الحظر عن “الحرس الثوري” ما دامت هذه القضية لا تتعلق بالاتفاق النووي الذي تريد إيران احياءه من دون زيادة او نقصان، فقال لي إن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عندما انسحب من الاتفاق النووي عام 2018 فرض عقوبات علی “الحرس الثوري” في العام 2019. وبموجب هذه العقوبات تم اغتيال الجنرال قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في بغداد، وان استمر الحظر، فهذا يعني إعطاء المبرر القانوني للمزيد من هذه العمليات (الإغتيالات)؛ وإن كان السلوك الأمريكي لا يحتاج إلى مثل هذه الأطر القانونية إذا اراد تنفيذ مثل هذه الأعمال في المستقبل!
وأضاف المسؤول الإيراني مسترسلاً: “إيران عندما دخلت المفاوضات في نيسان/أبريل من العام الماضي، كانت تهدف إلی إزالة العقوبات التي فرضها الرئيس ترامب بعد انسحابه من الاتفاق النووي؛ وهي الآن لا تستطيع إزالة جميع هذه العقوبات لأن الجانب الأمريكي طلب تفهم موقفه وبالتالي القبول بما يمكن للإدارة الأمريكية أن تعمل علی تنفيذه في إطار إحياء الإتفاق النووي”. يقول محدثي الإيراني: “طهران وافقت علی ذلك، لكنها لا تستطيع القبول بإبقاء الحرس الثوري في قائمة الحظر، وبمقدور إدارة الرئيس بايدن الإقدام علی هذه الخطوة لكنها تتخوف من تداعياتها علی شعبية الرئيس بايدن في الانتخابات النصفية (تشرين الثاني/نوفمبر المقبل) ولربما في انتخابات 2024 (الرئاسية) أيضاً”.
في السياق نفسه، كان لافتاً للإنتباه أن منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي جوزيب بوريل قال إنه يريد القيام بمبادرة أخيرة لتحريك المياه الراكدة في مفاوضات فيينا المستمرة منذ أكثر من شهرين؛ فيما اعلنت طهران أن منسق الاتحاد الأوروبي في مفاوضات فيينا انريكي مورا سيزور طهران اليوم (الثلاثاء)، لكنها أشارت أيضاً إلى أنها تنتظر المقترحات الأمريكية “الإيجابية” التي تستطيع تحريك الموقف وتُقدّم خطوات بناءة للتوصل الى اتفاق.
موقع “إكسيوس” الأمريكي نقل عن مسؤول “إسرائيلي” قوله إن الولايات المتحدة و”إسرائيل” تناقشان طرقا للضغط علی طهران وهو ما يعني أن واشنطن تريد التوصل إلى اتفاق لكن ضمن مقاسات تحددها هي، وهذا ما ترفضه طهران. وأشار الموقع إلی أن الضغوط الجديدة تسير باعتماد سيناريو الضغط هذا، من دون دفع طهران لتصعيد برنامجها النووي وتخصيب اليورانيوم بدرجة نقاء تصل الی 90 بالمائة؛ لكن الايرانيين ليسوا بهذه السذاجة والبساطة حيال ما يتم التخطيط له.
من هنا، تبدو طهران ما بعد مرحلة “جائحة كورونا”، وما بعد مرحلة “الازمة الاوكرانية”، ليست كما قبلهما، وهي الان اكثر ارتياحا في تعاطيها مع مفاوضات فيينا لاسباب تتعلق بارتفاع اسعار النفط؛ وتطورات تنفيذ اتفاقية التعاون مع الصين؛ وخبرتها في الالتفاف علی العقوبات؛ وتردي مناسيب الاقتصاد العالمي اضافة الی عدم اعتماد الموازنة الايرانية لهذا العام علی نتائج مفاوضات فيينا، في الوقت الذي اعتمدت هذه الموازنة سعر 60 دولاراً للبرميل الواحد من النفط المصدر.
ويقول مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطی بصندوق النقد الدولي جهاد أزعور إن الاقتصاد الايراني تكيّف مع العقوبات في السنوات الماضية؛ مشيرا الی ان ارتفاع اسعار النفط وزيادة انتاج ايران النفطي اسهما في زيادة العائدات النقدية، وهي نقطة ايجابية تحسب للاقتصاد الايراني؛ لكن ذلك لا يمنع من ازدياد المشاكل التي يعاني منها المواطن الايراني جراء اتساع رقعة الفساد المالي؛ وسوء الادارة في المرافق الحكومية؛ وزيادة نسبة التضخم التي تشكل تحديا كبيرا للحكومة الايرانية.
بيد أنه في نهاية المطاف كما يقول المسؤول الإيراني الكبير: “هي لعبة كّر وفرّ بين واشنطن وطهران من أجل التوصل للاهداف التي ترسمها القيادة الايرانية”. U2saleh@gmail.com
https://telegram.me/buratha