التقارير

بغداد اسقطتها صواريخ الاحتلال وتونس "عربة البوعزيزي" والمصير واحد  


محمود الهاشمي ||

 

في عام 2005 عندما ادلت وزيرة الخارجية  الامريكية "كونداليزا رايس" بحديث صحفي مع جريدة واشنطن بوست الامريكية اكدت فيه حينها عن نية الولايات المتحدة نشر الديمقراطية بالوطن العربي والبدء بتكشيل "الشرق الاوسط الجديد" عبر نشر "الفوضى الخلاقة" تكون اعمار جميع القادة العرب قد تجاوزت الستين او السبعين عاماً، بعد ان امسكوا بالسلطة بقبضة من حديد، لم يسبقهم اليها ملك او امير، وبعد ان مهدوا الى اولادهم ان يرثوا السلطة من بعدهم رغم وصف  دولهم "بالجمهورية" .

وخلال هذه المدة التي حكموا بها تكون جميع الانظمة العربية لم تتميز باي نشاط سياسي او اقتصادي ، فالدول "النفطية" عاشت على "ريع النفط"دون ان تستفيد من تلك العائدات والدول غير النفطبة عاشت اما على السياحة او المساعدات الخارجية.

لم يكن مصطلح "الفوضى الخلاقة" متداولاً لدى الاوساط الثقافية ولا السياسية، واعتبره كثيرون يومها ان المفردتين غير منسجمتين حيث كيف للفوضى ان تكون "خلاقة" ؟!الى درجة ان البعض حاول ان يجد له اثراً في ادبيات "الماسونية" اما الادباء فقد اعتقدوا ان المصطلح اقرب منه الى "الرمزية" منه الى الواقعية، واكدوا بامكانية استخراج "الخلق والابداع" من العناصر السلبية، كما ورد في مقولة رائد المذهب الرمزي الشاعر الفرنسي المشهور شارل بودلير  "سوف احاول ان استخرج الجمال من الشر".!

لما كانت البلدان العربية هي الهدف الاول في "ميدان" تجربة "الفوضى الخلاقة" باعتبارها تمثل المساحة الاكبر في منطقة الشرق الاوسط، لذا وقع الاختيار على العراق كونه واقع تحت نير الحصار والبند السابع، وتصح عليه التجربة قبل غيره، لذا مع دخول قوات الاحتلال الى العراق كانت "الفوضى" حيث تم حل الاجهزة الامنية وفتح ابواب مؤسسات الدولة للصوص، وللحرق والدمار وسرقة الاثار والمصارف، وبدا البلد في "فوضى" تامة بعد اشاعة "الطائفية" والحرب الاهلية والتفجيرات وثقافة التطرف والقتل على الهوية، ثم لانتاج عملية سياسية "بلا هوية" عنوانها الفشل والفساد، والغريب ان ترى مؤسسات وهيئات وانتخابات واسماء وعناوين وادارات وجيش ولكن لاترى انها قادرة ان تتحرك او تقدم ماينفع.

حاولت بعد ذلك ان اعيد المقارنة بين ما يحدث في بلدي وبين مصطلح "الفوضى الخلاقة" الذي اطلقته "كوندليزا رايس" والذي يعرفه القاموس السياسي "حالة سياسية بعد مرحلة فوضى متعمدة الاحداث تقوم بها اشخاص معينة بدون الكشف عن هويتهم وذلك لهدف تعديل الامور لصالحهم."

الفوضى المتعمدة الاحداث وقعت "والاشخاص المعنيون" قد عرفوا وهم مازالوا على قيد السلطة اما تعديل الامور لصالحهم فهذا هو الغائب، !!والمفروض ان يكون تعديل الامور لصالح امريكا  واسرائيل واذا اعتبرنا ان تجربة امريكا في العراق فيها شيء من الغرابة باعتبار انه بلد واقع تحت البند السابع اي تحت الوصاية الدولية ويسهل غزوه فدعونا ننظر الى تجربة اولى اخرى لهذه" الفوضى" جرت في تونس التي هي اقل مساحة من العراق  163 الف كيلو متر مربع وتضم  10 ملايين نسمة وثلثهم يعيش خارج البلد ووارداتها محدودة وتعيش على السياحة وكانت علاقتها بامريكا ايام رئيسها زين العابدين بن علي الذي حكم في عام 1987 حتى عام 2011 جيدة وكذلك مع دول حلف الناتو وخاصة فرنسا.

تعتمد الولايات المتحدة في اثارة "الفوضى" على الدول التي ترغب اقامتها عليها على "قاع المجتمع" من ابناء الاحياء الفقيرة ومن المتمردين على القوانين وخريجي السجون والمعتقلات عبر برنامج اعلامي ممنهج تشعل فيهم ثورة الغضب والتمرد على السلطة وترعى حركتهم ونشاطهم وتحولهم من شخصيات "مسخ" الى ايقونات ثم تبدأ المرحلة الثانية بهدم النظام السياسي والاجتماعي والذي يبدأ من الاسرة وصولاً في القضاء على ذاكرة الامة وتاريخها ومقومات قوتها حتى تصنع  خلافاً بين  الانسان ووطنه بحيث يفضل  الموت غرقاً في البحار من البقاء في دولة بلا هوية!

 استخدمت الولايات المتحدة الادوات اعلاه في مهاجمة تونس وبدأ المخطط بحرق شاب نفسه بحي فقير بعد ان اشعلوه من الداخل برسائل اعلامية ونفسية وكانت عمليات تصوير المشهد تنم عن تخطيط مسبق ولم يحتاج  المخطط لاكثر من شهر ليجد  "زين العابدين بن علي "ضابط الامن السابق والعميل المحترف نفسه الا وهو خارج المعادلة السياسية فاراً الى السعودية ليموت فيها بظروف غامضة بعد ان حكم 23 عاماً وليتم الاعلان عن نجاح مشروع "الفوضى" يوم الجمعة 14 يناير 2011.

رب سؤال يتبادر الى الذهن كيف توافق امريكا بان تقام الثورات الشعبية ضد عملائها؟ الجواب هنا ياتي في بعدين الاول ان امريكا هي التي رعت عملاءها وساعدتهم في القبضة الحديدة على شعوبهم خشية ان تولد ثورة  داخلية خارج الارادة الامريكية، لذا فان "التغيير" ياتي وفق مخططاتها وتحت السيطرة والثاني ان المصانع رغم اعتزازها بالماكنة القديمة الا انها حين لم تعد صالحة للانتاج فابدالها بجديدة والقاء القديمة في السكراب امر طبيعي.

بالعودة الى تونس فان تداعيات ما بعد الثورة انتجت ذات المخرجات التي -تشبه جدا- ما لدى العراق حيث المجلس الوطني التاسيسي الذي يقارب مجلس الحكم والجمعية العمومية وتحمل هذا المجلس ذات المهام من كتابة الدستور واختيار نظام سياسي اسموه النظام البرلماني "المعدل "او الشبه برلماني الذي منح صلاحيات التشريع والرقابة ومنح الثقة للحكومة فيما اسند لرئاسة الحكومة جل الصلاحيات التنفيذية في حين يختص رئيس الجمهورية باختصاص حصري في ثلاث مجالات فقط، "الدفاع الامن القومي العلاقات الخارجي، "ودخلت تونس في ذات الاشكالات بين من يرى انه نظام يؤمن توزيع السلطة واخر يرى فيه (عودة  الاستبداد) وبين من يقدر انه نظام يشتت السلطة، وهذا الجدل ما زال مستمراً حيث طرحت افكار لتغيير النظام منذ عام 2016 معتقدين بفشل البرلمان في اداء واجبه وسط تشتت تركيبته ويحملونه مسؤولية عدم الاستقرار في البلاد ،ولا شك ان مواد الدستور والاختلاف في التاويل وعدم الاتفاق حتى اللحظة على تشكيل" المحكمة الاتحادية" ايضاً يشكل ضغطاً على التجربة الديمقراطية وانتهت اقلام الكتاب الى راي "نظام هجين لايحقق الاستقرار السياسي" الاستبيانات الاخيرة في تونس اظهرت ان 2% من الشعب يثق بالاحزاب الحاكمة وان الخطر الاكبر على التجربة الديمقراطية يكمن انه تم توزيع المناصب وفق "الاستحقاق الانتخابي" اي (بالتوافق) ورئيس مجلس النواب ورئيس الجمهورية من حزب وكذلك رئيس الحكومة فيما تم توزيع الوزراء وفق ذات الالية التي نعتمدها في العراق.

رئيس مكافحة الفساد في تونس في اخر حوار معه اكد (اننا نتجه نحو دولة مافيات، )واوضح "كان الفساد احد اسباب اندلاع الثورة، لكنه استشرى اليوم بعد عام 2011، بسبب "دمقراطة الفساد" وتوزعه على الجميع بعد ان كان منحصراً على العائلة المالكة "، وختم بالقول "كل قطاع يدعي خلوه من الفساد وعندما نريد ان نفتح اي ملف يرفض المنتمون ويعمدون الى التهجم".

لم يعرف في تونس حزب معارض سوى "حركة النهضة" التي بدأ عملها منذ سبعينيات القرن الماضي ، وهي حركة اسلامية اشبه بـ"الاخوان  المسلمون" لذا فقد حصلت على اعلى المقاعد في البرلمان، ومازالت في تناقض مع كل انتخابات بعد تحميلهم مسؤولية فشل التجربة السياسية، والفساد  المستشري في البلاد، الى درجة التهمة "بالارهاب" ومازالت تبعد الشبهة عن نفسها بعد استهداف قياداتها وفي مقدمتهم رئيسها ورئيس مجلس النواب الحالي "راشد الغنوش"..

ان الصراع بين الاحزاب السياسية "الحاكمة" على اوجه في تونس وبات المراقبون يعتبرون ان التحدي الاكبر الذي يواجه التونسيين هو الحفاظ على التجربة الديمقراطية والمهددة بالذهاب الى "الفوضى" وهذه "الفوضى" احد اسبابها المخاوف من تصاعد "هبة شعبية" بسبب ارتفاع معدلات البطالة الى نسبة غير مسبوقة وقد يعيد البلاد الى "المربع الاول" خاصة وانه لا يمر يوم دون ان يستفيق التونسيون على خلاف او جدل جديد حول قضايا الحكم والسياسات العامة الى درجة ان البعض بات يحن "للايام الماضية".. السؤال الذي يشغل الراي العام التونسي: من اين تاتي هذه الاموال لدعم منصات التواصل و حملات التعبئة سواء قبل سقوط النظام البائد وحتى الان؟..

 نشر المغرد السعودي المعروف باسم "مجتهد" على صفحته بتويتر قبل ايام تقريرا عن حملة سعودية اماراتية من سبع مراحل وتقضي بتسليم السلطة في تونس الى نظام يشبه نظام عبد الفتاح السيسي في مصر اغراق البلاد في "الفوضى" و يقضي على الثورة ويقضي على الاسلاميين..

 وذكر في التقرير ايضا الدور السعودي والاماراتي المحوري في الحملة والذي وفر "الاعلام الرقمي والتقليدي" والمال والعمل الاستخباراتي في ذلك ..

اذن معادلة الفوضى الخلاقة اعتمدت:

 المخطط= الولايات المتحدة

المكان= الشرق الاوسط

 التمويل= خليجي

السؤال الذي يعقب ذلك هل ان هذه "المنطقة" الشرق الاوسط مستسلمة لهذا المخطط؟

 هذا ما سوف اجيب عنه في مقال لاحق بعنوان "هل نجحت امريكا بتطبيق "الفوضى الخلاقة" في بلدان الشرق الاوسط؟..

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك