زيدون النبهاني
منذ الحرب العالمية الثانية لم يشهد الشرق الأوسط، تحدياً عسكرياً مثل الذي يشهده اليوم، فقد تعددت الجبهات وكثُرت التنظيمات الخارجة عن القانون، وهذه المرة برعاية وغطاء دولي.
العراق؛ الخاسر الأكبر في هذه المرحلة، فهو وإن أُعلنَ عن دعمه دولياً، لكنه بالحقيقة يواجه الأرهاب الدولي وحيداً، ويقدم تضحياتٍ كُبرى بالأرواح والمال، ما سببَّ أزمة أقتصادية تنخر قوامه الطري، خصوصاً مع تراجع سعر النفط المصدر.
العامين الأخيرين شهدا تصاعداً في حدة التوتر، فالأرهاب الداعشي سيطرَ على أجزاء واسعة في العراق وسوريا، واليمن يُعاني من الغزو السعودي، في حين لم تستطع دول (الربيع العربي) السيطرة على التنظيمات الأرهابية، وتبقى فلسطين كالعادة بَعيدة عن أهتمامات المنطقة!
عادةً الحروب التي لا يحسمها صوت الرصاص، تجد من طاولة الحِوار مفراً تلجأ أليه، وهذا ما يحدث فعلاً اليوم؛ فالغرب وحلفائه في المنطقة، لم يحسموا ملفات مهمة كسوريا مثلاً؛ أو تقسيم العراق على أساس مذهبي وقومي، كذلك بقيت اليمن عصية على العسكر السعودي، الذي يُحاول جاهداً تخليص نفسه مِن المأزق.
الوضع يسير إلى طاولة حوار، وكُلٍ يحاول الدخول لهذا الحوار وهو اقوى، لكن ما تسجله الأرض قد يفرض أرادته على البعض، فالمؤسسة العسكرية العراقية ومعها ألاف المتطوعين، أستطاعت تحرير أربعة محافظات كانت بيد داعش، ولم تبقى سوى الموصل التي أمست مُحاصرة من كل الجهات، فيما ينتعش النظام السوري بتدخل الدب الروسي في الحرب، وتبقى السعودية وحلفائها مبهورة من الثبات اليمني.
يتوقع أن يكون عام ٢٠١٦ عاماً للتسويات؛ فالجميع بما فيهم الولايات المُتحدة وروسيا، وصلوا لمرحلة الأذعان للمنطق والحوار، حيث لا نهاية معروفة تلوح في الأفق؟ وإن ضل الحال على ما هو عليه الآن، فالقراءات تدل على أن القادم أسوء، خاصةً بعد الهجمات الأرهابية التي ضربت فرنسا وأمريكا.
دولٌ تحاول الحفاظ على تقدمها وأخرى تسعى للتخلص من تراجعها، وهناك من لم يدخل لعبة الحسابات الختامية للحرب، وقد يكون العراق واحدٌ منها!
تسعى السعودية من خلال أستضافتها للمعارضة السورية، ودعمها لجبهة سُنية في العراق، وتكثيف قصفها على اليمن، وما تلا ذلك من اعلان التحالف الإسلامي، إلى قلب تراجعها في المحاور أنفاً، فيما تدخل الجمهورية الأسلامية في أيران قوية، بعد أنتصارها في الملف النووي.
سوريا كذلك تدخل عام التسويات بأفضلية؛ على حساب داعمي الأرهاب وواجديه، في حين تنحسر تركيا منازعة العزلة الدولية، بعد أسقاطها الطائرة الروسية.
بينَ هذا وذاك يقبع العراق لا يُحرك ساكناً، وهو القادر على استثمار فرصه الكبيرة بدحر الأرهاب، يجتاحهُ غليان سياسي داخلي، وحالة متكررة من فقدان الثقة، أدت إلى تخندق التيارات السياسية قومياً ومذهبياً.
لكن؛ ما يُبشر بالخير هو مواقف الكُتل الرافض للغزو التركي للعراق، فبأستثناء (النجيفيين) أتفق كل ساسة البلاد على إدانة الغزو، وهي حالة صحية وفريدة من نوعها.
إذا ما أستطاع الساسة العراقيين تصفير أزماتهم الداخلية، فسيكون للعراق دوراً مهماً في ٢٠١٦، إذا ما أخذنا في الحسبان، أن السعودية التي تتبنى مواقفاً عدائية في المنطقة العربية، سٰتسحق مع أول أتفاق بين الدول الكبرى التي دخلت أيران في خانتهم.
غداً أو بعد غدٍ القريب؛ سيكون العراق المُعتدل الأقرب للتوجه العالمي، بهُ وعنده ستعقد الأتفاقيات الكبرى، وفيه ستجد المنطقة انموذجاً حقيقياً للديمقراطية.
https://telegram.me/buratha