سوريا - لبنان - فلسطين

لبنان المُحاصَرْ و"واجب التدخل الانساني" في القانون الدولي


 

د. جواد الهنداوي *||

                    

          نستفهمُ ، من خلال تناول وتفصيل الموضوع ،عن شرعية و قانونية مبادرة حزب الله في توفير الوقود و الدواء الى الشعب اللبناني ، وجلبها من ايران ، ألمستهدفة بالعقوبات الامريكية .

         وهل تُعّدْ المبادرة وتطبيقها انتهاك او خرق للسيادة اللبنانية ،او تضع دولة لبنان عُرضة لعقوبات امريكية جديدة ؟

         اكتبُ ، في البداية ، عن معنى و مفهوم " واجب التدخل الانساني "، و المعروف في القانون الدولي الانساني ،او في قانون العلاقات الدولية بمفردة " Le droit d’ engérence humanitaire“.

        و من المفارقات بأنْ يكون لبنان ، قد شهِدَ اول تجربة في التاريخ في تطبيق " حق او واجب التدخل الدولي الانساني ،عام ١٨٦٠ ،حين تعرّض سكان جبل لبنان و دمشق لفتنة بين المسحيين والمسلمين عموماً وبين الدروز والموارنة خصوصاً ، شعرَ  الفرنسيون ،حينها بأنَّ القوات العثمانية تواطئت مع الدروز وساهمت في مجازر بحق المسيحيين ،فقرر نابليون الثالث ارسال قوات فرنسية لحماية المسيحيين . و وصفَ المؤرخون التدخل العسكري الفرنسي ، وبهدف حماية المدنيين ،هو اول تدخل عسكري بعنوان حفظ السلام ،واول تدخل انساني .

       في الحرب التي شهدتها نيجيريا ، بسبب مطالبة  اقليم بيافارا ، شرق البلاد ، بالانفصال و بالاستقلال عام ١٩٦٧- ١٩٧٠، حرب أدّت الى مقتل مليون مواطن، و مجاعة ، طالب المجتمع الدولي و الاعلام و طالبت منظمات  حقوق الانسان دول العالم بالتدخل لانهاء حالة المجاعة و الاقتتال في نيجيريا ، وكان تدخل الدول تحت عنوان " واجب التدخل الانساني " ، وبهذا العنوان ايضاً ، وصِفَ تدخل الدول الاوربية في كردستان العراق عام ١٩٩١ ، من اجل حماية المدنيين .

      جميع حالات التدخل الدولي الانساني المذكورة ، والتي اوردناها على سبيل المثال لا الحصرْ ، لمْ تكْ تخلوا من اهداف و حسابات سياسيّة ، او على اقل تقدير ،قادت او ادّت الى خلق مصالح سياسية و اجتماعية و علاقات بين الطرف المتدخل والدولة . وقد تكون صفة " الام الحنون " التي يطلقها اللبنانيون على فرنسا ،خير دليل على الاثار السياسية والاجتماعية و المعنوية لذلك التدخل الانساني البعيد .

    اليوم ،يُعّرف " واجب او حق التدخل الانساني " ، في الفقه وفي القضاء الدولي بأنه " الحق لفاعلين ( des acteurs )، بالتدخل في دولة ما ، دون شرط موافقتها و رضاها ، في حالة انتهاك صارخ لحقوق الانسان في تلك الدولة " .

    مفردة " فاعلين " وردت في التعريف بمعناها العام و الواسع ، وليس بمعنى الدولة فقط . قد تكون منظمة انسانية ،كمنظمة اطباء دون حدود ،او قد تكون الامم المتحدة ،او مجلس الامن ، او قد تكون منظمة او جهة وطنيّة،من داخل الدولة التي تعاني المجاعة او الحصار ،او الحرب الاهلية ، كما هو الحال اليوم في مبادرة حزب الله بجلب الوقود والمعونة وبالتعاون مع ايران . حالة الشعب اللبناني المُحاصر ، و ما يعانيه و ما يواجهه اجتماعياً و اقتصادياً و انسانياً ، تفرضُ على كل مُقتدرْ ( دولة او منظمة دولية او ايّة جهة اخرى داخلية ام خارجية ) واجب التدخل لمساعدة و انقاذ الشعب ، والحيلولة دون انهيار الدولة وتفكك المجتمع . مبادرة حزب الله هي اذاً تنفيذ لمبادئ و تطبيقات القانون الدولي الانساني ، المبادرة هي استجابة قانونية و اخلاقية و شرعية لواجب التدخل الانساني .

      انتهاك سيادة الدولة تعني اعتداء على مقوّم من مقومات الدولة ؛ جغرافية الدولة ،شعب الدولة ، سلطات الشعب او الدولة . منع اغاثة الشعب و حرمانه من تلقي العون والدعم لمتطلبات الحياة الاساسية اجراء و عمل ينتهك سيادة لبنان ،بأعتباره يقّوض مقوّم اساسي من مقومات الدولة ،الا وهو الشعب في عيشه و عمله و قدراته .

      مبادرة حزب الله ،بأعتباره منظمة سياسية لبنانية ، تعزّز  و لا تنتهك سيادة الدولة ، وتتوافق مع " واجب التدخل الانساني " ، وغايتها دعم الشعب وسّد احتياجاته الاساسية ، ولا يمكن للحكومة اللبنانية ،لا من الناحية العملية ، و لا من الناحية القانونية ، ان تمنع او تعارض تنفيذ المبادرة ، لا يمكن لاية جهة ان تمنع وصول مساعدة غذائية او طبيّة لشعب هو في خطر .

     عنوان المساعدات التي ستصل من ايران الى الشعب اللبناني هو حزب الله ، وليس الدولة اللبنانية ، ليست هي الطرف المشتري او المتعاقد ، لذا لا يمكن لامريكا او لايّ جهة داخلية او خارجية مساءلة الحكومة اللبنانية او فرض عقوبات بسبب وصول وقود و مواد طبيّة او غذائية من ايران الى لبنان.

 

سفير سابق / رئيس المركز العربي الاوربي

                     للسياسات و تعزيز القدرات / بروكسل 

                                 في ٢٠٢١/٨/٢٣ .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك