رياض البغدادي ||
مختصر تفسير الآيات (١٨-٢١) من سورة (المؤمنون)
بسم الله الرحمن الرحيم « وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ . فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ . وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ »
ومن وجوه الإستدلال على حكمة الخالق وقدرته ،هو ما تتحدث به هذه الآيات المباركة ،من خلق الله تعالى للمطر وتأثيره على النبات والإنسان .
وبالرغم من أن الماء هو في نفسه نعمة عظيمة وآية خلق باهرة إلا أنه أيضاً سببٌ لنعم أُخرى ،فقوله تعالى (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاءً بِقَدَرٍ) اختلف المفسرون أعلى الله مقامهم في معنى السماء في هذه الآية ،فمنهم من قال أنه السحاب المحمل بالماء ،وسماه سماءً لعلوه وارتفاعه ،ومنهم من قال أن الماء بالأساس هو من السماء تنزل على شكل المطر .
واما قوله تعالى (بِقَدَرٍ) أي وفق تقديرات حسابية ،الغرض منها مصلحة الإنسان وإنتفاعه منه في السقي وغيره من المنافع المعتادة في الماء .
وقوله تعالى (فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ) أي ثبتناه في أعماق الأرض وأخاديدها .
وأما قوله تعالى (وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ) أي كما قدرنا على خلقه وإيجاده ،كذلك قادرون على منعه ،وأشار أهل اللغة إلى أن (وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ) من أبلغ الجمل وأفصحها بل هي من أوقع النكرات .
ولما نبه سبحانه إلى نعمة خلق الماء ،ذكر بعده النعم الحاصلة منه ،فقال تعالى ( فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ ) وذكر النخيل والأعناب لأنها الطعام المعتاد في ذلك الزمان .
وقوله تعالى (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ ) هو معطوف على جنات ،وطور سيناء هو موضع في منطقة سيناء ،أو ربما هو إسم مركب للموضع الذي نوديَ فيه موسى عليه السلام.
فإن قيل : كيف قال تعالى " وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ " مع إنها تخرج في طور سيناء وغيرها من الأماكن ؟
قلنا : أن شجرة الزيتون وإن كانت تنبت في غير طور سيناء إلا ان أصل موطنها هو طور سيناء ونقلت منه الى سائر الارض .
قوله تعالى (تَنبُتُ بِالدُّهْنِ ) فهو في موضع حال ،أي تنبت وفيها الدهن ،وإنما أضافها الى طور سيناء لأنها موطنها ومنها إنتشرت الى البقاع .
وأما قوله تعالى (وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ ) فهي معطوفة على الدهن ،أي أدام للآكلين وصبغ أي يصطبغ به الخبز .
ولاتخفى أهمية هذه الشجرة التي هي الأخرى من آيات خلقه ،فبالرغم من انها شجرة جافة ،إلا إنها تُخرج الدهن ،وهذا من أوجه التناقض ،فالدهن الذي يكون سبباً للمرونة والطراوة يكون خارجاً من شجرة يابسة جافة .
https://telegram.me/buratha