* بقلم خليل الفائزي
ملف الانفجار الذي وقع في 14 شباط 2005 في وسط بيروت و راح ضحيته اكثر من 20 شخصا بينهم رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري لازال يتفاعل حتى الآن و أضحى لغزا لدى الغالبية و لم تعترف أي جهة بتنفيذ هذا الانفجار المدبر بدقة و تخطيط شامل و لم توجه المحكمة الدولية اي اتهام مباشر لأي دولة او جهة لحد الان بالرغم من ان الاتهام الرئيسي كان في البدء ضد النظام السوري ثم تغير من المحتمل جدا الآن ضد حزب الله لبنان ، حسب تقارير إعلامية و سياسية غربية و عربية.و وفقا للتقرير السابق للمحكمة الدولية فانه بعد جمع الحقائق المتوفرة، استنتجت البعثة الدولية انه (يمكن لنتائج الاغتيال أن تكون بعيدة المدى و يبدو أنه فتح أبواب الاضطراب السياسي الذي كان يغلي خلال العام الماضي.الاتهامات والاتهامات المضادة وفيرة وقد فاقمت الاستقطاب السياسي الحاصل. البعض يتهم القيادة السورية وأجهزتها الأمنية باغتيال الحريري لأنه أصبح عائقاً لا يمكن تجاوزه لنفوذها على لبنان.أما المؤيدون لسوريا فيقولون إنه اغتيل بأيدي أعداء سوريا الذين يريدون خلق ضغط دولي على القيادة السورية بهدف تسريع زوال نفوذها في لبنان أو إطلاق سلسلة من ردود الفعل ستدفع في نهاية الأمر إلى تغيير النظام داخل سوريا نفسها. و عبر سياسيون لبنانيون من خلفيات مختلفة، للبعثة، عن خشيتهم من أن لبنان يمكن أن يعلق وسط نزاع محتمل بين سوريا والمجتمع الدولي، مع نتائج مدمرة على السلم والأمن اللبناني).
و على ضوء ما استجد الآن من تطورات هامة بشأن هذا الملف حيث من المتوقع ان تبرئ المحكمة الدولية ساحة النظام السوري من تهمة اغتيال الحريري و تنقل مسئولية الاغتيال بالكامل الى حزب الله فان هذا الحزب استبق قرار محكمة الدولية و أعلن أمينه العام السيد حسن نصر الله عما وصفها أدلة و قرائن توجه الاتهام المباشر الى إسرائيل باعتبارها الطرف الأكثر نفعا من عملية اغتيال الحريري و التخطيط لافتعال الأزمات و القتال الطائفي و إنهاء الوجود العسكري و الاستخباراتي السوري في لبنان.
من البديهي القول ان هناك عدة دول و أطراف متورطة او لها مصلحة قصوى باغتيال الحريري و هذه الأطراف كما اعن في تقرير المحكمة الدولية و تقارير إعلامية و سياسية و أمنية هي،
النظام السوري: كانت سوريا و حتى الثلث الأول من عام 2005 تسيطر بالكامل على الملف الأمني و السياسي و العسكري والاقتصادي في لبنان نظرا لحضور اكثر من 60 ألف عسكري و استخباراتي سوري في بلد صغير المساحة مثل لبنان، و وفقا لتقرير المحكمة الدولية السابق فانه و بعد جمع الحقائق الملموسة، استنتجت البعثة أن (لأجهزة الأمنية اللبنانية والاستخبارات العسكرية السورية تتحمل المسؤولية الأولية لنقص الأمن والحماية والقانون والنظام في لبنان و أظهرت الأجهزة الأمنية اللبنانية إهمالاً منظماً وجدياً في القيام بالواجبات التي تؤديها عادة الأجهزة الأمنية الوطنية المحترفة. وخلال قيامها بذلك، فشلت على نحو خطير في توفير مستوى مقبول من الأمن، وهي لذلك ساهمت في انتشار ثقافة الترهيب والإفلات من العقاب. الاستخبارات العسكرية السورية تشترك في هذه المسؤولية من خلال تورطها في إدارة الأجهزة الأمنية اللبنانية.ومن النتائج التي توصلت إليها البعثة أيضا أن الحكومة السورية تتحمل المسؤولية الأولية في التوتر السياسي الذي سبق اغتيال الحريري. من الواضح أن حكومة سوريا مارست نفوذاً يتجاوز التعاون المعقول وعلاقات الجوار. لقد تدخلت في تفاصيل حكم لبنان بطريقة ثقيلة الوطأة وغير مرنة كانت السبب الأساسي في الاستقطاب السياسي الذي تلاها.من دون استباق نتائج التحقيق، من الواضح أن هذا المناخ وفر الخلفية لاغتيال السيد الحريري).و كان الحريري قد دعا لانسحاب الهيمنة العسكرية السورية من لبنان و وصلت علاقته مع سوريا الى حد القطيعة و العداء العلني. مدافعون عن النظام السوري أكدوا ان هذا النظام ليس بهذا الغباء ليدبر و ينفذ اغتيال الحريري خصمه السياسي الأبرز و بالتالي يلف حبل المشنقة حول رقبته و يضطر لإنهاء وجوده العسكري و ربما السياسي في لبنان و تأليب الرأي العام في لبنان و دول أخرى ضده و يضاعف الضغوط الدولية عليه. لكن معارضي الوجود السوري في لبنان ظلوا يؤكدون من ان النظام السوري هو المتورط الرئيسي بهذا الاغتيال بل و في اغتيالات عديدة أخرى شملت نواب في البرلمان و إعلاميين و سياسيين لبنانيين و ان سوريا و حتى وقت قريب كانت لا تعترف بسيادة لبنان و تعتبره محافظة سورية و قطعا انها تتحمل مسئولية مباشرة في ملف اغتيال الحريري و سائر الاغتيالات الأخرى التي تمت في ظل الوجود العسكري السوري في لبنان و ما بعده أيضا.
و الأهم في هذه التطورات ان جميع المسئولين السياسيين و العسكريين والأمنيين من الجانب السوري الذين كانوا يمسكون بالملف اللبناني و أبرزهم العميد غازي كنعان قد تمت تصفيتهم و اغتيالهم بأشكال متعددة اما لمنع بعثة المحكمة الدولية من الوصول إليهم و التحقيق معهم او انهم صفيوا بسبب قيامهم بالاغتيالات دون علم و موافقة القيادة السورية، حسب ادعاء بعض التقارير السياسية، بل و انه تمت تصفية ايضا جميع قادة و مسئولي حزب الله لبنان من الذين وجهت لهم آنذاك تهمة تنفيذ او المشاركة في اغتيال الحريري من جانب المحكمة الدولية و خصوم حزب الله مثل عماد مغنية و علي ديب و غيرهم من الذين اغتيلوا في سوريا و لبنان. و تعترف أوساط إسرائيلية انها قامت بهذه الاغتيالات المتسلسلة و المنظمة دون مسائلتها من اي جهة او محكمة دولية حتى الان عن سبب قيامها بهذه الاغتيالات المرتبطة مباشرة بملف اغتيال الحريري.
إسرائيل: وفقا لتقارير و وثائق حزب الله و سوريا فان الموساد هو المسئول الأول عن اغتيال الحريري، وهناك اعترافات أدلى بها مسئولون سابقون في الموساد مثل (أمان رؤفين) الذي اعترف بارتكاب إسرائيل اغتيال الحريري بهدف سيطرة أمريكا رسميا على لبنان و تقديم خدمة مهمة جدا لإستراتيجية إسرائيل في لبنان. و كشفت تصريحات امين عام حزب الله لبنان الأخيرة عن تورط إسرائيل برصد مسير موكب الحريري بشكل يومي و قيام عملاء الموساد و هم عشرات الآلاف في لبنان بتنفيذ مهمة اغتيال الحريري. ويؤكد (يورجن كاين) الخبير الألماني في علم الجريمة في كتاب له بعنوان الأدلة المغيبة في ملف التحقيق باغتيال الحريري الصادر في مايو 2006 أن أبرز النتائج التي توصل إليها هو تتعلق بتعطيل مفعول أجهزة الإنذار الموجودة في موكب سيارات الحريري والتشويش عليها وقيام الشركة المنتجة لهذه الأجهزة بتعطيلها وهي شركة يملكها إسرائيليون بينهم ضباط في جهاز الموساد.وفي السياق ذاته ، اتهمت عضو المنظمة العالمية لحقوق الإنسان مي الخنساء الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا بتنفيذ جريمة الاغتيال بالتعاون مع جهاز الموساد ، وقالت في هذا الصدد :" إن الأقمار الصناعية الأمريكية لديها شريط يبين عملية الاغتيال ولم يتم تسليمه إلى لجنة التحقيق الدولية "، مشيرة إلى أن الإدارة الأمريكية ضغطت على رئيس لجنة التحقيق السابق ديتليف ميليس لإخفاء حقيقة مصدر جهاز التشويش الإلكتروني الذي عطل أجهزة حماية موكب الحريري.
حزب الله: إسرائيل و أمريكا و تيار 14 آذار اللبناني يتهمون في موقف موحد و منسق حزب الله لبنان باغتيال الحريري و ربما ان التقرير الذي سيصدر قريبا عن المحكمة الدولية سوف يكرر ببغاويا هذا الاتهام و سيدعو لاغتيال قادة حزب الله و نزع سلاحه و فرض عقوبات و إجراءات مشددة عليه تحت يافطة تنفيذ قرار المحكمة الدولية. إسرائيل التي لاذت بالصمت حتى الان بشأن الاتهامات التي وجهها السيد نصر الله لها و ما تم نشره من صور و معلومات استخباراتية دقيقة عن نشاط الموساد و سلاح الجو الإسرائيلي في لبنان قبل و بعد اغتيال الحريري، ردت أجهزتها الإعلامية على هذه الاتهامات من ان حزب الله هو الذي نفذ اغتيال الحريري للاستحواذ والسيطرة على الوضع في لبنان، بعدما كانت هذه الأجهزة الإسرائيلية توجه الاتهام في السابق الى النظام السوري. ويزعم تيار 14 من آذار(جماعة سعد الحريري و الجميل و جعجع) ان ما عرضه السيد نصر الله كان بمثابة مسرحية فاشلة!. و قال مسئولون في هذا التيار نصا: لا بد من التوقف والتساؤل عن حقيقة أذا ما كانت الصور التي عرضها السيد نصر الله التقطت من طائرات استطلاع إسرائيلية، وفي الأوقات التي ذكرت بها. بالتأكيد في سماء لبنان هناك جهتين تملكان طائرات شبيهة: إسرائيل وإيران من خلال حزب الله. فإيران وبحسب صحيفة الشرق الأوسط السعودية، قد نقلت منذ العام 2004 الى حزب الله على الأقل 8 طائرات مهاجر بدون طيار أطلق عليها حزب الله أسم مرصاد.وكان حزب الله وفي 7 شباط 2004، قد أطلق طائرة مهاجر 4 على شمال فلسطين المحتلة حيث طارت على ارتفاع 1000 قدم، وحلقت فوق مستعمرة نهاريا الساحلية و أشارت المعلومات أن الطائرة تحمل آلات تصوير بالأشعة تحت الحمراء توفر رؤية واضحة لكل شئ ارتفاعه متر عن سطح الأرض كما أن سرعتها تصل إلى 200 كم / ساعة. وهذه الطائرة لجأ إليها الإيرانيون فوق العراق بعد الغزو الأمريكي. حيث ذكر البنتاغون أن طائرة شبيه بمهاجر 4 قد تم إسقاطها في الأراضي العراقية ، و إستعرض الحرس الثوري عضلاته على التلفزيون الرسمي الإيراني وعرض صور فيديو التقطتها طائرات تجسس إيرانية للأسطول الأمريكي في الخليج. ومقارنة بسيطة بين الفيديو الذي عرضه نصرالله وصور الطائرة الإيرانية يظهر تشابهاً كبيراً، وهنا لا يمكن إستبعاد أن تكون هذه الصور التي عرضها نصرالله إلتقطها حلفاءه الإيرانيون من خلال طائرة مهاجر أو مرصاد،حسب ادعاء تيار 14 آذار.
و لكن قطعا ان هناك العديد من الأطراف الأخرى التي قد تكون متورطة او انها ساهمت امنياً و معلوماتياً بتنفيذ الاغتيال ومنها المخابرات المركزية الأمريكية التي لها عملاء بالآلاف في لبنان و هؤلاء يعملون بسرية كاملة و هوياتهم متعددة الجنسيات. و الجهة الأخرى التي من الممكن ان تكون متورطة في الاغتيال هي المخابرات اللبنانية في تلك الفترة و هذا الاحتمال قد يبدو ضعيفاً و ليس هناك اي طرف (دولي او محلي) لم يوجه مثل هذا الاتهام الى عناصر و قادة المخابرات اللبنانية بالرغم من اعتقال العديد من هؤلاء والإفراج عنهم بعد عدة أعوام من اعتقالهم لعدم إثبات التهمة ضدهم كما قيل في الإعلام اللبناني.
من البديهي القول ان الرأي العام ليس في لبنان وحده بل في العالم اجمع يطالب بالكشف عن الجهة المسئولة او الجهات و الدول المتورطة ليس في اغتيال الحريري فحسب بل و بالجرائم و التصفيات والتفجيرات التي حدثت و تحدث في العراق وأفغانستان و باكستان و مناطق أخرى من العالم، فحتى الان لم يتم الكشف رسمياً عن الدولة او الدول التي مولت و دعمت و أعدت الإرهابيين الذين قاموا بأحداث 11 سبتمبر في أمريكا و لا انفجارات لندن و مدريد و بالي و باكستان والهند و الأهم من هذه المناطق، يا ترى من هي الدولة او الدول التي قامت و تقوم بتمويل الإرهاب المنظم في العراق و تدعم الجماعات الإرهابية التي تقوم بتفجيرات و اغتيالات تحصد أرواح المئات من الأبرياء يوميا؟.
بالتأكيد، ان المجموعات الإرهابية و الجماعات المسلحة لها دور أساسي في تنفيذ هذه الانفجارات لكن يا ترى من هي الدول التي تمول الإرهاب و تدعم الاغتيالات و التفجيرات و ترسل كل هذه الأجهزة و المواد و المعدات لتنفيذ الانفجارات بواسطة العملاء و الإرهابيين.فيما يتعلق بملف اغتيال الحريري، اعترف احمد ابو عدس المولود في السعودية و بعدها اعترف فيصل السعودي و آخرون من جنسيات عربية مختلفة انهم نفذوا عملية اغتيال الحريري الا ان التحقيقات تجمدت او أرشفت لمجرد اتضاح هوية هؤلاء تعود للسعودية و لدول عربية نفطية، كما هو الحال بالضبط مع أحداث 11 سبتمبر التي اتهمت بها إدارة بوش أطرافا و دولا لم تقم بها و لم توجه اي تهمة للسعودية و لدول عربية نفطية بالرغم من ان الإرهابيين الذين نفذوا تفجيرات و أحداث 11 سبتمبر جاءوا من السعودية و دول عربية الى أمريكا للقيام بالهجمات الإرهابية. و عليه نتوصل الى هذه الحقيقة الأكيدة و هي ان الجهة او الجهات التي خططت و نفذت أحداث 11 سبتمبر التي أدت لاحتلال أفغانستان و العراق هي نفس الجهات التي خططت و نفذت اغتيال الحريري و التفجيرات في العراق ة دول اخرى و الحقيقة التي لا بد للعالم كله ان يعرفها لا تخرج عن هذا الإطار هي ان جميع الانفجارات و الاغتيالات و التصفيات التي تمت و تتم كانت بتخطيط إسرائيلي(صهيوني) و بتمويل مالي من النظام السعودي و بتنفيذ مؤكد ومعلن من جانب تنظيم القاعدة و الجماعات الإرهابية و المستفيد الأول و الأخير هو المحتل الأمريكيو معظم التفجيرات الحاصلة في العراق و أفغانستان و باكستان حيث أكدت المعلومات الأمنية الرسمية الصادرة بهذه الملفات ان المنفذين هم بالأساس من السعودية و سوريا و الأردن الإمارات و دول أخرى، و هذا يعني ان الاغتيالات و التفجيرات المشار إليها تمت و تتم حسب خطط و برامج استخباراتية منسقة لدول في العالم و المنطقة و قطعاً ان إسرائيل استطاعت التغلغل في أوساط الجماعات الإرهابية و نفذت الاغتيالات و التفجيرات دون علم او مع علم زعماء هذه الجماعات التي لم يتساءل حتى الان اي مراقب مستقل او جهة قانونية من أين تأتي الجماعات و العصابات الإرهابية بكل هذه المليارات من الأموال و كل هذه الأجهزة ومعدات التفجير المتطورة للقيام بأفعالها المشينة والمعادية للمجتمعات الإنسانية؟.
* كاتب و إعلامي مستقل
https://telegram.me/buratha