أنا لست سعودي كيان يصغر وشعب يتحرر

بقلم : السيد عامر الحسني

في عام 1976 وفي زمن إدارة جيرالد فورد الرئيس الثامن والثلاثون للولايات المتحدة الأميركية , كانت هناك صحفية أمريكية تسمى (جوديث ميلر) من مواليد 1948 تعمل في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية(حائزة على جائزة بوليتزر عام 2002 ويعتبرها العديد من الأمريكيين بطلة حرية التعبير) . قررت هذه الصحفية ان تكتب مقالاً عن الهنود الحمر والتي أصبحت قضيتهم منسية , لا بل لا يكاد يذكر التأريخ عنهم شيئاً فهم موجودون فقط في هوليوود وفي دفاتر الذين يكتبون سيناريوهات أفلام الغرب الأمريكي .

في بداية عملها في الجريدة غادرت جوديث ميلر إلى كاليفورنيا حيث موطن الهنود الحمر فلم تصدق عينيها عندما شاهدت شعب متكامل ويمتلك كل مقومات الدولة ويحافظ على هويته أكثر مما يحافظ عليها الأمريكان الذين تنتمي إليهم ميلر والتي لا تعرف كم عدد القوميات واللغات المتداولة في بلدها ولا في مدنها التي شكل فيها إرهابيو الصين وتايوان مجتمعاتهم الخاصة المتمثلة بالاحياء الصينية .التقت ميلر بـ (روبرت كستيليو) الذي يسمى بحصان الهنود الحمر الجامح والذي كان مقاتل في صفوف حركة الهنود الحمر واعتقل بعد ذلك لمدة 14 عام .كتبت جوديث ميلر مقال بعنوان (بمن نصدق ؟) (1) شرحت فيه الكذب والتدليس الذي عاشته لزمن طويل من قبل الحكومات الأمريكية المتعاقبة التي صورت بان الهنود الحمر امة قد اندثرت أو في طريقها إلى الاندثار .

بنيان متداع

لقد شكل بني سعود كيان غاصب في شبه الجزيرة العربية وبمساعدة عدة أطراف استعمارية والتي ساهمت بريطانيا فيه بالحصة الأكبر في تثبيت حكم القبيلة السعودية وبمساعدة العصابات القبلية التي عاشت هناك (عصابات الأخوان) وهي قبائل بدوية اتصفت بالقسوة والشدة في التعامل مع شعوب الجزيرة العربية نتيجة البيئة الصحراوية القاسية التي عاشت فيها وكان موطن استقرارها في منطقة الارطاوية واستعان بني سعود بهذه العصابات في تثبيت ملكهم وحولوها من قبائل بدوية تعيش على السلب والنهب إلى ذراع الكيان السعودي العسكري وكان على رأسها (فيصل الدويش) شيخ عشيرة مطير . وقد شنت الحركة غارات متلاحقة على المناطق المجاورة وكانت ترفض الخضوع لأية سلطة مركزية وهذا مما أثار مخاوف عبد العزيز بن سعود من قوة تعاظمها وانتشارها في المنطقة كقوة سياسية منافسة لنظامه الذي يفكر بإنشائه على أراض الجزيرة العربية خاصة بعد استيلائه على الاحساء عام 1913 . ولقد وصف الكاتب أمين الريحاني هذه العصابات بما يلي (ساهمت التعبئة المذهبية في أوساط الإخوان بشكل كبير في جرهم لخوض حروب شرسة وارتكاب مجازر دموية في سبيل تحقيق مقاصد ابن سعود وفي توسيع رقعة سيطرته وقد كانت المعارك تزداد والقتلى بدون عدد ً كلما توسعت سيادة ابن سعود ، فقد كان إشباع شهوة الغزو والقتل مشتعلاً بالهوس الديني الظاهر في شعاراتهم) (2) .

ولقد أجادت قبيلة بني سعود اللعبة , ولأجل بسط نفوذها على شبه الجزيرة العربية قرر ابن سعود التحالف مع هذه القبائل المتوحشة التي شكل منها جيشاً قوياً استطاع بواسطته ان يبسط نفوذه على جميع أرض الجزيرة رافعين شعار (الفتح) والذي باسمه قاموا بانتهاك المحرمات من قتل وتمثيل وحرق ، فعندما دخلوا مكة على سبيل المثال والمدينة المنورة مارسوا عمليات القتل والذبح والتمثيل ، كما قاموا بتهديم قبور أئمة أهل البيت عليهم السلام في البقيع بحجة محاربة البدعة ، ويقال انه عندما دخل ابن سعود للمدينة أطلق النار على قبر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله .لقد استخدم حكام قبيلة بني سعود سياسة القهر والذل وهو الأسلوب الذي دأب الطغاة والظلمة على تبنيه منذ نشوء الدكتاتورية في هذا الوجود .

تغيير معالم الجزيرة العربية

لقد مر كيان بني سعود بعدة مراحل قام فيها أفراد قبيلتهم من تثبيت سلطانهم في شبه الجزيرة العربية ، فاتبع الكيان سياسة (فرق تسد) وهي نظرية سياسية بريطانية تطبق بعد الاحتلال من اجل الهيمنة والسيطرة على الشعب . فقام الكيان السعودي باستخدام هذه السياسة في شبه الجزيرة العربية من خلال سحق القبائل العربية المتواجدة في الجزيرة وإعادة توطينها في مناطق أخرى لأجل مسخ هويتها الدينية والاثنية , " فاستنبط عبد العزيز مصطلح ( الهجر ) بغية تشتيت القبائل وترحيلها عن مناطق سكنها ونفوذها ، بواسطة تهجيرها ، والانتقال من منطقة إلى أخرى والاشتغال بالزراعة والفلاحة بهدف تفتيت القبائل وإبعادها عن بعضها وخلطها في حواضر قبائل أخرى لتذوب ويتشتت شملها، وكان ذلك في العام 1915 م " . (3)

يقوم الحكام المستبدون وفي كل مرحلة من مراحل حكمهم بتغيير الخريطة الجغرافية والديموغرافية للبلاد التي يحكموها , ولم يستثنى من هذه القاعدة بني سعود الذين غيروا المعالم الحدودية لشبه الجزيرة العربية من خلال ضم مناطق بالقوة , كما أنهم زادوا على أسلوب الاحتلال شئ آخر , وهو إعادة تسمية شبه الجزيرة العربية باسم مؤسس كيانهم ابن سعود فأطلقوا على الأرض المترامية الأطراف والتي تبلغ مساحتها أكثر من مليوني كيلومتر مربع بالمملكة السعودية .

لقد حاول الساسة الغربيين والساسة العرب إضفاء صفة الشرعية على كيان بني سعود من خلال طمس الوقائع التاريخية لشبه الجزيرة العربية والتي أصبحت مجهولة حتى بالنسبة للشعوب المحتلة في الجزيرة العربية بحيث أصبح الجواب لمن يسأل عن انتمائه الوطني يقول (أنا سعودي) , وأصبحت الشعوب المقهورة تنتمي شاءت أم أبت إلى مؤسس هذا الكيان الغاصب ابن سعود .

لقد حاول الصحافي الألماني (ولفجانج فون) والذي رافق ( الجنرال جون فيلبي ) في رحلته في شبه الجزيرة العربية عام 1931 بان يسأل احد المواطنين الشيعة (الحاج عبد الحسين التاروتي) في القطيف قائلاً له : كم عدد السعوديين الذين يسكنون القطيف برأيك ؟ فتعجب المواطن من سؤال ولفجانج فون فقال للمترجم يجب على الصاحب (يقصد فيلبي) أن لا يصطحب معه أمثال هذا الحمار الأشقر الذي لا يفرق ما بين أزلام قبيلة ابن سعود والشيعة القطيفيين . (4)

ويظهر من هذه الحادثة إن الجيل الأول كان يدرك ما يدور من حوله ويرفض فكرة الذوبان في كيان بني سعود , كما انه كان على علم بالمؤامرة التي حيكت على أرضه والتي أدت إلى تلاشي ذلك العنوان الكبير الذي كان يتسع لدولة تسمى (القطيف والاحساء) لتغمرها شيئا فشيئا أمواج الاحتلال حتى أصبحت جزءاً مهمشاً وباهتاً من كيان غاصب ينظر له العالم الخانع بأنه مملكة يحمي حاكمها زورا وبهتانا الحرمين الشريفين .

وثائق دامغة

لقد حفلت الوثائق البريطانية بالعديد من الحقائق التي كانت غائبة عن الشعب في المنطقة الشرقية والتي تشير إلى تاريخ الاحتلال السعودي لأرض القطيف والاحساء والتي حاول حكام بني سعود تغييبها بعدة وسائل منها الترغييب والترهيب معتمداً على الإمبراطورية الإعلامية الهائلة التي يمتلكها لسحق وتغييب الحقائق عن شعب القطيف والاحساء الشيعة الذين يدينون بمذهب أهل البيت عليهم السلام .لقد حاول الحمقى من بني سعود وبأفكار ساذجة طمس معالم الهوية الشيعية لدى شعب القطيف والاحساء من خلال دمجهم بمجتمع غريب عنهم لا يمتون له بأي صلة من حيث المبادئ والأفكار .لقد حاول حكامهم أن يشيعوا بين الأحرار من شيعة المنطقة الشرقية مفهوم الولاء المزيف لولي الأمر والحفاظ على وحدة الوطن والأمة , في الوقت الذي كانوا يطيحون بالرؤوس باسم (الوحدة الوطنية) .لقد فرضوا على شعب المنطقة الشرقية ان تبايع مكرهة لحكام بني سعود حيث جاء في القانون المسمى (النظام الأساسي للحكم) وفي المادة السادسة منه : يبايع المواطنون الملك على كتاب الله تعالى وسنة رسوله وعلى السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره . (5)

كما انه ضمن النظام المذكور تهديداً مبطناً بالموت لكل من يحاول أن يفكر بالاعتراض على قوانينه وقراراته الجائرة , فقد ورد في المادة الثانية عشرة من نفس النظام على الشعب أن يطيع ولي الأمر واعتبر الخروج على الكيان والاعتراض على سياساته الحمقاء والمطالبة بحق تقرير المصير هو عمل قبيل بث الفرقة والفتنة : تعزيز الوحدة الوطنية واجب وتمنع الدولة كل ما يؤدى للفرقة والفتنه والانقسام . (6)

ان المفهوم الواسع والفضفاض لهذا المعنى (تعزيز الوحدة الوطنية) أعطى للكيان الحرية والمساحة الواسعة لان يصنف تحت يافطة هذه المادة العديد من ممارسات أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام على انها بث للفرقة , كما أصبحت فكرة الاستقلال والتحرر من الاستعمار السعودي هو خروج عن طاعة ولي الأمر وتهديد لوحدة الوطن وأمر يؤدى للفرقة والفتنه والانقسام وكأن القطيف والاحساء هما جزأ لا يتجزأ من دولة بني سعود .

كما إن حقيقة احتلال المنطقة الشرقية هي الأخرى كانت غريبة بحيث تفاجأ العديد من المواطنين الشيعة بالحقائق التي طرحت مؤخراً من قبل العديد من الكتاب والتي سلطت الضوء على حقيقة الاتفاق والمعاهدة المشؤومة (معاهدة دارين) التي دمجت الأرض الطيبة التي عاش فيها أشراف الشيعة مع كيان بني سعود الغاصب والذي تصور حكامه الحمقى بأنهم يملكون الأرض وما عليها , وبإمكان قطعان ذئابهم من عتاة الوهابية أن يسحقوا هذا الشعب الذي ينتمي لدين جاء به أشرف وأكرم ما خلق الله على وجه الكون وهو نبي الأمة صلى الله عليه وآله . لقد انساق وراء الدعوات الباطلة لبني سعود وللأسف الشديد العديد من الشخصيات الشيعية والمعروفة والتي باتت تردد مقالات هي بالأصل كاذبة قامت المؤسسة الإعلامية الخرافية لبني سعود بنشرها , وأشاعت ثقافة التخاذل بحيث جعلت العديد منهم يعتبر دعوات المطالبة بالحقوق هي مساس بوحدة الوطن وتهديد لتماسكه , والاقسى من ذلك هو مطالبة هذه الشخصيات من الشعب الذي يعيش تحت نير الاحتلال ان يقف صفا واحدا مع قيادته الرشيدة".(7)

ان المطالبة بالاستقلال ليست فكرة طائفية كما يتصورها البعض وان الهدف منها هو إقامة دولة شيعية تقف بالضد من الدول الأخرى , ولكنها في حقيقة الامر هي دعوة لاسترداد حق ضائع اخذ بالقوة من مواطنين كانوا يعيشون في سلام وأمان في بلادهم وحيكت حولهم مؤامرات استعمارية كان عرابها الاستعمار البريطاني ومنفذها بنو سعود حولوا فيها أرض القطيف والأحساء إلى مدن وقرى تفتقر لأبسط مقومات الحياة , سحق شعبها بسياسة التمييز والتهميش وأصبح لا يعرف متى استحلت أرضه ولمن ينتمي , وهل هو يرتكب ذنباً حينما يعصي ولاة أمره من طغاة بني سعود ... وهل يرتكب محرما عندما يرفض طلب عقلائه بان يقف صفا واحدا مع قيادته الرشيدة ؟ فاذا كانت حكومة بني سعود رشيدة , فلا عجب إذا أصبح هاروناً قاتل الإمام الكاظم عليه السلام رشيداً , وأصبح يزيد بن معاوية أميراً للمؤمنين , وأصبح صدام قاتل السيد محمد باقر الصدر بطلاً للسلام .

لقد أثبتت الأحداث الأخيرة التي بدأت في فبراير 2009 في المسجد النبوي ومقبرة البقيع بان حكام القبيلة السعودية هم رجال حمقى لم يقرأوا شيئا من التأريخ , كما أثبتت بان شعب القطيف والأحساء هو شعب حي ومتفاعل مع ما يدور من حوله , وهو شعب يرفض الذل والخنوع لقبيلة بدوية جهل أصلها تمكنت بمساعدة الدول الاستعمارية ان تبني كياناً زائفاً متهاوياً , وهو شعب يتطلع لبناء دولته أسوة بدول العالم الحرة لتعيش بسلام وأمان مع ما يجاورها من دول شبه الجزيرة العربية وحتى يرفع القطيفي والاحسائي رأسه عاليا ليقول من يريد ان يسأله ( أنا لست سعودي ) .

هوامش

The Washington Post, 13 September 1976. In Whom Can We believe ?(1) (2) أمين الريحاني/ ملوك العرب رحلة في البلاد العربية ص 571(3) نفس المصدرPhilby, Harry. The empty quarter: being a description of the great(4) south desert of Arabia known as Rub 'al Khali (London: Constable & Company Ltd) 1933.رحلة البريطاني هاري سانت جون فيلبي ـ المعروف بـ( عبدالله فيلبي ) ـ للربع الخالي عام ( 1350 هـ ـ 1931 م ) والتي كانت الأحساء نقطة انطلاقها .

(5) النظام الأساسي للحكم , المادة السادسة(6) النظام الأساسي للحكم , المادة الثانية عشرة(7) شبكة راصد الإخبارية : "رجال دين ومثقفون شيعة في السعودية يرفضون «تهديد وحدة الوطن»- 6 / 4 / 2009م http://www.rasid.com/artc.php?id=28074