المقالات

التغيير...وعقلانية التوازن

878 18:05:00 2009-04-01

الدكتور يوسف السعيدي

حسناً فعل البرلمان الأوروبيّ بانتقاده أحوال حقوق الإنسان في مصر، وهو موقف يمكن مدّه ليشمل الغالبيّة الساحقة من بلدان العوالم العربيّ منها والإسلاميّ و «الثالث». فالنقد، وما قد ينجم عنه من ضغوط، حدٌّ بين ترك الأمور على حالها وبين التدخّلات العسكريّة من الخارج التي تدلّ القرائن جميعاً الى حدود جدواها. وهو أيضاً الحدّ بين نظريّة السيادة الوطنيّة حين تُمارس لمصلحة الحاكم وحكمه الاعتباطيّ وبين الاستفزاز الأجنبيّ للمشاعر الوطنيّة القابلة دوماً للتصنيع والتضخيم والتوظيف. مع هذا، ومن أجل ألاّ تخدم الحملة أغراضاً تغاير أغراضها الأصليّة، يُفترض أن تقترن بنقد المجتمعات المعنيّة، الأهليّ منها والمدنيّ، لجهة ثقافاتها الشائعة وعواطفها والأشكال التنظيميّة والمؤسّسيّة المعبّرة عن العواطف والميول تلك.

فقد شهدنا ما بين إيران التي سقط نظامها الشاهنشاهيّ من الداخل في 1979، والعراق الذي سقط نظامه الصدّاميّ من الخارج في 2003، ما يكفي من تجارب تجافي النسق الأوروبيّ في ما خصّ الدولة (وفي عدادها السلطة) والمجتمع. ذاك أن النسق المذكور يقوم على درجة بعيدة من التشابه بين الدولة والمجتمع مع شيء من أسبقيّة الثاني على الأولى. فحينما تكبر المسافة بينهما، أو تتلكّأ الدولة عن اللحاق بالمجتمع، يحصل التغيير الذي يعيد التجانس الى علاقتهما. في هذا المعنى رأينا كم كان سهلاً انتقال بلد كإسبانيا الى الديموقراطيّة بمجرّد وفاة فرانكو: ذاك أن بذور الديموقراطيّة قائمة في تربة العلاقات الاجتماعيّة وليس مطلوباً، لانتقالها الى الصعيد السياسيّ، سوى رحيل الديكتاتور. وتحوّلات مشابهة، غير عاصفة ولا دراميّة، نقلت يونان الجنرالات وبرتغال سالازار وكايتانو الى نظامين ديموقراطيّين مماثلين.

وهذا ما لا يمكن قوله في بلداننا حيث تتجانس الأنظمة والمجتمعات في سويّة غير ديموقراطيّة. فإذا ما توفّي، عندنا، ديكتاتور ورثه ديكتاتور قد يكون نجله وقد يكون رفيق دربه، فيما «أفكار» المجتمع، نُخباً وجماهير، تمضي في تردّيها تباعاً بحيث يتراجع العنصر الديموقراطيّ والمدنيّ فيها لصالح وعي أكثر أصوليّة وتعصّباً وعنفاً.يساير هذه الوجهة خطّ ثانٍ مصادره في ضعف تجربة الدولة - الأمّة لدينا، وضعف التسليم بها مقابل الولاء لتشكيلات تجمّعيّة، دينيّة ومذهبيّة وإثنيّة، وفي ضعف التقليد السياسيّ وعدم الاحتكام الى نظريّة زمنيّة في الشرعيّة وتداول السلطة. هكذا تختلط صورة بلد من البلدان بـ «الوطن العربيّ» و «الأمّة العربيّة» و «الأمّة العربيّة والإسلاميّة» و «نخوة» الجماعة و «شرف» الأخوّة، مثلما يختلط بناء الدولة بـ «شرعيّة المقاومة»، وفكرة المواطَنة بالهويّة الطائفيّة أو الإثنيّة لبعض المواطنين، ومفهوم الدستور بالمسلّمات الدينيّة وهكذا دواليك... ويغدو غريباً ومريباً، في المعنى هذا، أن يتمسّك واحدنا بالديموقراطيّة وحقوق الإنسان وحدهما من قائمة الحداثة الطويلة، فلا تعنيه واجبات الإنسان، ولا تحديده كمواطن – فرد، ولا علمنة حياته السياسيّة وتزمينها، ولا مساواة الجنسين، ولا...

وبموجب تصوّرات كهذه، يُخشى ألاّ يبقى من دعوة التغيير إلاّ الثأريّة حيال الذين يُراد تغييرهم، فلا يكاد يحصل تغيير كهذا حتّى نجدنا أمام واحد من احتمالات ثلاثة: إما الاحتراب الأهليّ بين الجماعات، وإلاّ فنظام استبداديّ على النمط العفلقي ، وإلاّ فخليط من نظامي الاحتراب والاستبداد والعياذ بالله.

وقصارى القول إن الأوروبيّين، وهم يضغطون مشكورين على أنظمتنا، يُستحسن بهم، كي يكونوا مشكورين أكثر وفعّالين أكثر، أن يضغطوا، أيضاً، على مجتمعاتنا وثقافاتها التي لا يزال بعضها يوغل في عدّ الجثث، وبعضها في «جريمة الشرف»، وبعضها («المدنيّ» بالطبع) يحترف محاموه وصحافيّوه حرق الأعلام في الشوارع بينما تأتينا الفظائع على أيدي شيوخه وفتاواهم.فمن دون إنشاء توازن في الضغط كهذا، تكون المداخلة الأوروبيّة قد أدّت دورها في هزّ وإضعاف أنظمة سيّئة، ولكنْ أيضاً في تنشيط ما هو أسوأ على شكل أصوليّاتٍ أو تعصّبات أو حروب أهليّة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك