المقالات

الوَعيُ الثقافي في الأِنتِخاب

998 12:05:00 2009-01-22

( بقلم : قاسم محمد الكفائي )

الأنتخابُ بمعناهُ اللغوي يَعني ( الأختيار ) ، وهو أولُ معنىً له وُلدَ مع ولادةِ الأنسان الذي مارسَهُ في لحظةٍ وأخرى أو في كلِّ ساعةٍ من حياتهِ اليومية . فاختيارُ الأنسان للأشياء يُعتبَر في القاموس التكويني والأخلاقي والعُرفي حقٌ طبيعي لا يتعارض مع هويتهِ وفطرته وحاجتهِ ، تقابلها ضوابط ٌ تكوينية ٌ أخرى تحدِّد مَشاعِيّة َ الأختيار وتفرضُها قانونا يتلائمُ مع نزعتهِ وانتمائهِ الأنساني . وقد يكتسبُه الأنسانُ من خلال ارتباطهِ بمجتمعِه أو من خلال انتمائهِ الديني الذي يثيرُ فيهِ تلك الفطرة َ التكوينيّة .

من هذا التفسيرِ العام تظهرُ لنا حقيقة ٌ مُهمة ٌ في مَعنى الأختيار ، وتكشفُ العَلاقة ما بينها وبين الأنسان . إنها ( الحاجة ) التي تتشكلُ منها حلقات ٌ أخرى لا نهاية َ لها على صُعُدٍ مُهمَةٍ من حياة الأنسان ذاتِ الألوان المُتعَدّدةِ والمُختلفة ، منها على الصَعيدِ الأقتصادي والأجتماعي والسياسي ، أو في كل زاوية ٍ من زواياها التي يتبنى صاحبُ الحاجةِ ترسيمُها . فحاجة ُ الأنسان لترتيبِ وضعهِ المالي ، وحاجتهُ لبناء أسرتهِ والعلاقاتِ ، وحاجته ُ في بناء حياة ٍ ترتكز على الأمن والسلام والفائدة . كل هذه تدفعه الى الأختيار في الترتيب الحياتي الذي يسلكهُ ، والذي ُتحَدِدُه ضوابط ٌ أخلاقية ٌ تظهرُ على التزامهِ بمِجمَل ِ توصياتٍ صحيحة ٍ وثابتةٍ لها علاقة بالدين ِأوعِشق الأرض ، ومتحركةٍ لها عَلاقة بالمصلحةِ الوطنية وخوض التجارب المتباينةِ للوصول بالمَركبِ الى شاطىء النجاة . واحدٌ من أهم ِ تلك التجارب التي يخوضُها الأنسانُ على طريق الأمن والأستقرار والحرية هو أن يختارَ الوسيلة َ التي تدفعُ به الى شاطئهِ المُرتجَى ، فيصيرُ الأختيارُ بمعناه ُ السياسي ، ( الأنتخاب ) . من هذا المُفرد نفهمُ معنىً مُقدسا يعشقهُ الأنسانُ كعشقِهِ الى نفسهِ والآخرين ، هو الديمقراطية كشعارٍ وسلوكٍ ومَعلم ِ حياة ، الغرضُ منه اختيارُ الأنسان ِ الأصلح ِ في أمانتهِ وكفائتهِ ِلتمثيل الآخَرين في مهام ٍ شاملة ٍ يستفيدُ منها الناخِبُ ، ويستفيدُ منها الوطنُ بأنجع ِ وأسهل ِ وأشرفِ الضَوابط . وللأنسان ِ العراقي خواصٌ رائعة ٌ قد يَعجزُ عن إمتلاكِها الأنسانُ الآخَر في جَمال الوانِها ، هو أنه يَعشقُ أرضَهُ كعِشق الأم العَفيفة الى جنينِها ذاتِ النطفةِ الطاهرة ( هذا هو الفرق ) . بهذا العِشق إمتازَ الأنسانُ العراقي بمِيزةٍ أخرى أحبَ فيها الحُرية وكرِهَ الظلمَ ، وتمسَّكَ بالدِفاع عن شِعار ِ الديمقراطيةِ سلوكا وحياة . لكنهُ في عِشِقه هذا دفع مزيدا من الدِماء كضريبةٍ فرَضَتها عليه أنظمة ٌ دكتاتورية ٌ مُتعاقبة ٌ، كان أكثرُها فتكا وجَورا واستبدادا هيَ مَرحَلة ُ حكم ِ صَدام حُسَين التكريتي . ولما انتصرَ الكفاحُ على الأستبدادِ وزالتْ مَعالمُه صارَ للأنسان العراقي الحقُ باختيار الصورة ِ التي يريدُها في صناعةِ حياتهِ ، وصارت له ُ الكلمة ُ الفصل في عمليةِ تنضيدِ ملفاتِ واقع ٍ َتخَلفَ َرَكبُهِ وتشوّهَت صورُتهُ . فبهذهِ القوّةِ وهذا الأتجاهُ تشهَدُ الساحة ُالسياسية ُ في العراق اليوم حالة ً رائعة ً من الأستعدادِ لخوض إنتخاباتِ مَجالس المحافظاتِ في عموم العراق ، التي ُتمَهدُ لأنتخاباتٍ أخرى قادمةٍ في تعيين أعضاء مجلس النواب ، وتحديدِ أعضاء الحكومة الجديدة .

لكنّ الواقع المشهود يَدُلنا على أن هناك مَن هو خارج الأستحقاق الأنتخابي ، يُحاولُ تعطيل العملية الأنتخابية ، أو يدسُ عناصرَ منافِقة ضمن قوائم ٍ لكيانات ٍ غير مَعلومةِ المَنشأ وتبعثُ على الرَّيب ، إما أن تكونَ من عناصر العَهد البائد ، أو من المُرتبطين بدول الخارج تم ترشيحُها مع القوائم الأخرى لأهدافٍ شرّيرة مُتعَدّدَةٍ ، وهذا في عرف الصراع يكون أهون الشرِّ َكون المواطن العراقي أصبحَ في هذه المرحلة أكثرُ وَعي ٍ، وحماس ٍ لأنجاح العمليةِ الأنتخابيةِ ، وهو الكفيلُ بفرز كلِّ الرواسبِ العالقةِ على جدران عمليتهِ الأنتخابية . لكنَّ الشرُ الأعظم الذي تواجههُ هذه المرحلة هو طريقة التنافس الغير لائقة والصراع المُبَطن ما بينَ بعض ِ الكتل السياسيةِ النزيهة بالتزامها الديني والوطني والسياسي حتى ولو إتفقنا على أنّ نسمي بعضَ أوجهِ هذا التنافس بالحضاري كونه يدخل من باب الشرعية الأنتخابية ، لكننا وعلى أيةِ حال علينا أن لا َنتدَرَّج الى الأنفلات والتسَيُب .

إن التجربة الأنتخابية الرائعة التي يَمُرُّ بها العراقُ تبعثُ على الأمل بنهوض شعبنِا من واقع الرُكود الى واقع النمو المتزايد على سُلّم الحياة . وهذا يعني أن بمَقدور الأنسان العراقي أن يصلَ الى قمةِ النضوج في تعزيز وإحياء ِ منابع ِ الفكر الديمقراطي مَنهجَا وعَملا وواقعا . فلابدّ إذن أن يضعَ الناخِبُ وهو في طريقهِ الى صندوق الأقتراع دلالة ً ذاتَ أهميةٍ يتحدَّدُ فيها مستقبلهُ ، ويتحدَّدُ واقعُهُ المُتغيِّر بمُجرد إشارةٍ منهُ يضَعُها في مكانِها الذي يُحَدِدُه على قائمتهِ الأنتخابية . تلك الدلالة هي أن يتذكرَ هذا الناخبُ السنين العِجاف التي مرّت عليه وعلى العراق من ويلاتٍ ومِحن ٍ بسبب غيابِ الصندوق الأنتخابي ، وغيابِ صوتهِ هوَ ليَظهَرَ بديلا عنهُما صوتٌ واحدٌ يتحدّى ملايين الأصوات بالعَصا والسوط ، وتعميم ِ حالة الأستنفار والموتِ . لكنهُ وَلىّ الى غير رَجعَه ، وستندثر حتى مَعالمُه . أيضا على الناخب أن يعي أمرا مُهمّا لا مفرَّ منهُ ، هو أنه كلما إبتعَدَ عن صندوق التصويت بالأمتناع عن المشاركة الأنتخابية ، إقتربَ الى حالةِ العودةِ الى واقع ِ الركود والأنفلات الذي يُهدَّدُ أمنَهُ وراحَته ومستقبَله .

فوَعيُ الناخبِ بشرعيةِ وواجبِ المشاركة لتحديدِ مستقبل ٍ أفضل ٍ يستلزم أن يكونَ على حَذر في رسم ( العلامة الأنتخابية ) ، وتحديدِ الشخصية المُثلى من خلالها ، لا أن يفعلَ بما يَهوى ، أو لا يهوى . فهذا الشعور الخاطىء يتعارض مع مصلحةِ البلاد والعباد كونَ الوَعي الثقافي يتحتمُ العمل به كممارسةٍ أو وسيلةٍ للتعاطي بمُوجبها في فرز أيٍّ من المُرَشحِين الأصلح في نزاهتهِ وكفائتهِ ووطنيتهِ . التصويتُ بمعناهُ الأخلاقي هو التسليم ، أي تسليم الأمانة وتكليف الآخر بالعمل على استثمارِها . ويُعَدّ هذا الفعل من أخطر، وأصعبِ ما يُقامُ به عندما لا يَعي الناخبُ المكانَ الحقيقي الذي يرسمُ فيه علامة َ الترشيح على قائمةِ الأنتخاب . هناك مُسَلماتٌ قد يُمكن للناخبِ أن يستعينَ بها ، هي الأخذ ُ بنصيحةِ أهل الخبرة والوعي َالناضج ، والسياسةِ الصادقة ، والثقافةِ الشاملة ، والوطنيةِ النزيهة ، من الذين تصدوا لنظام صدام حسين ولم يهادنوه أو يصافحوه ويَجنحوا . لكن في ذاتِ الوقت على الناخب أن يختارَ من هذه النُخَب الطيبةِ النزيهةِ مَن هوَ الأكثر كفائةٍ في الفهم السياسي لواقعِنا المعاصر الذي نخوض به أوسعَ وأضيقَ الأفق للوصول الى الهدَفِ المَنشود ، أوالأكثر مَنهجيّةٍ وواقعيّةٍ في العمل الوطني الذي نقل العراق َ والعراقيين خلال هذه الأعوام ِ القليلة ِ ما بعد سقوط عرش صدام حسين الى شاطىء الأمان بتجربة ٍ ناجحةٍ ، وبكفائةٍ رائدةٍ ، ونزاهتهةٍ ، وشجاعة .

أمّا التسطيرُ في الأحلام ، والوعود ، والعشوائية ، والأسراف ، والكلماتِ الفضفاضة ، والمَجهولية ، وعدم النزاهة لدى البعض أو الكثير من الكتل السياسية المرشحَة فأن الدخول معها بصوت واحد يعني الدخول الى نفق الضَياع المُظلم المُخيف ، وهو أشبهُ بنفق مَرحلة صدام حسين الظلماء . فالوعيُ الثقافي الذي يتمتعُ بهِ الناخِبُ العراقي سيكونُ الوسيلة ُ الأنجَح لعبور هذه المَرحلة المضطربةِ الى مَرحلةٍ أفضل ٍ وفضاء ٍ أوسع ينتصرُ فيها الأنسانُ العراقي ، وتكون فيها مصلحة ُ العراق ِ هي العُليا .

قاسم محمد الكفائيعراقي مقيم في كندا

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك