( بقلم : باسم العوادي )
المتتبع للصحافة البريطانية خلال الأشهر الماضية وبالخصوص خلال الشهر المنصرم يستطيع ان يستنتج وبوضوح حالة الآلم التي يمكن ان تقرأ من خلال عبارات آكابر الكُتاب في الصحف البريطانية فيما يتعلق بوضع قواتهم في البصرة وعموم مشاركتهم في القوات المتعددة الجنسيات التي اطاحت بنظام صدام حسين والتي قدموا خلالها (300) جريح و (177) قتيل ، وبغض النظر فيما اذا كانت بريطانيا قد قدمت الشيء الكثير ام لا ؟ إلا ان موقفهم الاخير في معركة صولة الفرسان قد القى بضلال شديد على واقعهم النفسي العسكري وجرح كبرياؤهم بدرجة كبيرة مما دعى الكثير من منظريهم السياسيين الى الاعتراف بالخطأ الفادح الذي دعى احد كتابهم قبل ايام بالقول (ان قواتنا لم تعد تحضى بالاحترام في العراق لا من قبل الحكومة العراقية ولا حتى من قبل حلفاءنا الامريكان هناك) ، حيث يشعر الكثير من المحليين السياسيين بان قواتهم العسكرية وقواتهم الخاصة قد تعرضت للهزيمة العسكرية والنفسية من قبل المليشيات في البصرة وهذا ما لايمكن ان تتحمله بريطانيا لسمعتها ، وعليه فان ما تبحث عنه بريطانيا على العموم الآن في الوضع العراقي لايعدو ان يكون وضعا يحفظ لبريطانيا كبرياؤها باتفاقية أمنية او بروتوكول امني توقعه الحكومة العراقية معها كقوة عالمية عظمى يوفر لها غطاءا قانونيا شرعيا لحسب قواتها من العراق بصورة لا تشوبها الاهانة من قبل الحكومة العراقية التي قد تكون منطلقا في المستقبل لتعكير صفو العلاقات العراقية البريطانية ، فالعراق اليوم وغدا سيبقى بحاجة ماسة الى الدعم البريطاني السياسي والعسكري والقانوني الأممي ولكن يبدو ان ( بعض الشيعة ) في الحكومة العراقية قد نسوا ان بريطانيا دولى عظمى ولها ثقلها ووزنها السياسي وان صوتها في مجلس الأمن وحركتها الدبلوماسية وتأثيرها على دور الجوار العراقي العربي قد يحتاجه العراق وان جرح كبرياءها قد يفقد العراق هذا الدعم المستقبلي الكبير ومن هنا تبرز اهمية التعاطي الحذر مع الحالة البريطانية والتعاون معها بصورة ايجابية وضمها الى صف حلفاء العراق فالمبررات التي دعت الى توقيع اتفاقية أمنية مع امريكا لا تختلف كثيرا عن المبررات التي تستدعي توقيع اتفاق أمني مع بريطانيا ، لكن الغريب هو ان تبشر الحكومة العراقية بالعلاقات الايجابية وتسعى لتحسين علاقتها وتدعو وتغفر الاخطاء لدول لاقيمة ولاوزن سياسي لها مستقبلا وتنسى وتتغافل عن بريطانيا ، وتعد وتحصى على البريطانيين اخطاؤهم في العراق وتريد لهم ان ينسحبوا من العراق حالهم حال مولدفيا او مقدونيا او ارمنيا او اذربيجان او السلفادور ، وهنا يكون السؤال مالذي يريده البريطانيون على الاجمال : الأول : هي السعي البريطاني الحثيث لسحب قواتهم من العراق بشكل او بأخر ولاسيما وان رئيس الوزراء البريطاني الحالي ( كوردن براون ) كان قد اعطى وعود كبيره قبيل وبعد تسمله لمنصبه بانه سيسعى جاهدا لسحب قواته من جنوب العراق او يضع جدولا زمنيا لذلك وقد قامت بريطانيا بالفعل بسحب بعض قواتها من البصرة خلال العام الحالي . ثانيا : ان بريطانيا التي شاركت في اسقاط نظام صدام حسين بـ ( 46 ) الف جندي بريطاني و انسحبت من المدن العراقية الجنوبية تدريجيا حتى استقر وجودها الحالي في قاعدتها الأساسية في مطار البصرة بمعدل (4100) جندي بريطاني تسعى وبشده لتوقيع اتفاقية امنية او اي شيء آخر مع العراق كنوع من انواع حفظ ماء الوجه كدوله عالمية عظمى لاتريد لنفسها ولا لصورتها ان تكون تبع للولايات المتحدة الأمريكية فتوقيع اتفاق مع امريكا وإهمال بريطانيا يدل فيما يدل عليه ان لاقيمة لها وانها تبع للولايات المتحدة الامريكية وان التعاطي مع الامريكان يغني عن التعاطي مع البريطانيين مما يؤثر على صورتها العالمية وعلى دورها في المنطقة ، في حال يجب ان على الحكومة العراقية ان تقف الآن مع بريطانيا وتساعدها وتستجلب دعمها وتحضر لعلاقات مستقبلية معها مبنية على التفهم والمساعدة وحفظ مصالح الطرفين محليا وعالميا.اذن خلاصة ما تريده بريطانيا هو (الانسحاب) من العراق وترتيب مستقبل المصالح المشتركه للطرفين وهذا بالضبط مايريده العراق ، اذا ماهو السبب الذي يدفع بالبعض من السياسيين الشيعة في الحكومة الى تلك الحملات الاعلامية وتلك التصريحات النارية والايغال في جرح الكبرياء البريطاني ؟؟؟لايوجد اي مبرر عقلائي او منطقي او حتى سياسي لحالة التأخير في الاعلان عن نية توقيع اتفاقية او برتوكول او اي شيء آخر مع بريطانيا والتعاطي مع الأمر بصورة جدية وعلنية لان القضية برمتها مرتبطة باستقلال العراق وبريطانيا تريد الانسحاب وبشيء من الكبرياء وهذا ما يجب ان توفره لهم الحكومة العراقية والاحزاب الوطنية العراقية بدون حاجة الى مزايدات وتصريحات وبيع وطنيات لايشتريها احد حتى في ( سوق مريدي ) ، لان المسألة برمتها محصورة عقلائية بأساس يقول ( أما ان يوقع العراق اتفاقيات او لا يوقع ) ، وبما ان العراق قد وقع اتفاقية مع امريكا فاذا يجب ان تسري الحالة الى بريطانيا كذلك ، نعم لا نريد ان تكون الاتفاقية العراقية _ البريطانية كمثيلتها الامريكية من حيث الحجم والأهمية والمواضيع التي احتوتها ، لكن لابد من التعاطي مع بريطانيا بشيء من الاحترام الذي يمكن ان يبنى على اساسه قاعده متينه مستقبلية للتعاون بين البلدين والسؤال الأخير والغريب كذلك هو : لماذا يردح بعض السياسيين الشيعة وحدهم في ساحة استفزاز بريطانيا في حالة سكوت مطبق من الكتل القومية والطائفية الاخرى ، أم ان بعض السياسيين الشيعة قد تعلموا من اسلافهم سابقا في ان يكسروا الجرة دائما براس الشيعة باسم الوطنية فيما يأتي الآخر بعد ذلك ليحصد النتائج؟؟؟!!!لقد كانت بريطانيا الساحة السياسية الأكبر التي جمعت المعارضة العراقية والتي هيأت الأرضية لاسقاط نظام صدام حسين وبأمكانها ان تتحول الى ساحة سياسية خطيرة كذلك بالضد للعميلة السياسية الحالية في العراق ان لم تسارع الحكومة العراقية والاحزاب الوطنية العراقية الاخرى للتعاطي والتباحث معها بصورة اكثر ايجابية
(( اعطوا لبريطانيا الكبرياء واخذوا ماشئتم منها ))
https://telegram.me/buratha