المقالات

العنف ضد الأطفال وفقدان رادع الدين والأخلاق

1271 17:08:00 2008-12-04

( بقلم : بشرى الخزرجي )

العنف ضد الأطفال (Child Abuse) موضوع شغل الرأي العام في المملكة المتحدة، فمنذ سنوات عدة وقصص موت الأطفال الصغار والرضع بسبب الإهمال أو الضرب السادي تملأ مساحات واسعة من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة على حد سواء، فلم يستفق الناس بعد من صدمة موت الطفلة ( فيكتوريا كلمبي) ذات الثمان سنوات التي تعرضت للتعذيب الوحشي والسجن في حمام المنزل العام 2001م على يد أقاربها الذين جاؤا بها من القارة الإفريقية لأجل الحصول على فرصة حياة أفضل في بريطانيا بينما لم يكن ينتظر الصغيرة غير الإهمال والعنف والتفكك الأسري الذي ليس فقط لم يمنحها السعادة والعيش الكريم المرجوين، بل أدى إلى قتلها دون ذنب وبوحشية في منزل الخالة التي يفترض أن تكون مسؤولة عنها ، وقد رصد المركز الصحي والشرطة البريطانية على جسد الطفلة الذابل الصغير حينها آثاراً لحروق وكدمات جمة شوهت وجهها الطفولي.

وفكتوريا الصغيرة ليست الضحية الأولى في بلد متحضر يراعى فيه الإنسان وحقوقه مثل بريطانيا العظمى! بل هي واحدة من مئات الضحايا الصغار والحالات المماثلة لها كثيرة وعديدة، فقد تلتها جريمة لطفلة تركت تموت جوعا في البيت وحيدة، وآخر هذه الفضائح المروعة هي الرضيع (baby p)، وحكايته الغريبة التي اكتسحت الإعلام البريطاني برمته، إذ تعرض هذا البريء وعمره لا يتجاوز السبعة عشر شهرا إلى أشرس أنواع التعذيب حتى عثر عليه ميتا في سريره بمنطقة Haringey)) شمال شرق لندن العام الماضي، ومنذ ذلك الوقت وماكنة الإعلام لم تتوقف عن تناول الحدث المفجع بالتحليل والتفصيل، وهذا الرضيع المسكين قامت أمه مع صديق لها بتعذيبه وبطريقة مقرفة سادية حيث كان صديق الأم يضربه ويركله كما يضرب الملاكم كيس الملاكمة المعد للتدريب، حسب وصف الإعلام، مما ترك كسورا وقروحا على بدن الصغير تبعث على الأسى والخجل لأن ينسب مرتكبو هكذا جريمة إلى الإنسانية والجنس البشري! ولا عجب والتقارير الأخيرة أظهرت تعرض طفل من مجموع عشرة أطفال للعنف والضرب والإهمال في بريطانيا.

مثل هذه الجرائم البشعة بحق الطفولة ترتكب كل يوم في عالمنا ودون أن يعاقب عليها الجناة وقد يكشف النقاب عنها أو تذهب أدراج الرياح يطويها الكتمان، فالعنف ضد الطفولة الذي تتحدث عنه بإسهاب الوسائل الإعلامية الغربية كي تسلط الضوء عليه كحالة مرضية تعصف بالمجتمع له أسبابه ودوافعه الأسرية، نجده مبهماً وغير معلن عنه في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، فلا احد يستطيع أن ينكر وجود حالات ضرب الأطفال لأتفه الأسباب، أو لمجرد خلاف اوعراك نشب بين الأبوين يترجم في نهاية المطاف إلى صراخ واعتداء قاسٍ ينزل على رؤوس فلذات الأكباد، وما أن يأخذ هؤلاء الأبناء نصيبهم من العنف داخل الأسرة حتى تتلقفهم أيادي الكبار خارجها، فليس منا من لم يتعرض للضرب على يد معلميه أيام الدراسة خاصة في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، ولا أعلم إن كان المعلم في عراقنا الجديد على سبيل المثال لا زال يمارس العقاب الجسدي في عملية التقويم والتعليم داخل صفوف المدارس وأروقتها! وإن كنت أظن بوجود هذه الظاهرة السيئة في عموم البلاد العربية وغيرها من البلدان التي تسمى بالعالم الثالث، ففي السابق كان المعلم يشبعنا ضربا بخشبة مستطيلة الشكل لأننا لم نصفف شعرنا أو لأننا تكلمنا أثناء الاصطفاف المدرسي وما شابه ذلك، فمن ضمن ما تختزنه الذاكرة عندما كنت في الصف الأول الإبتدائي قامت معلمة الصف بضربي بقسوة وبمسطرتها الخشبية على يدي لمجرد كتابتي الحرف (و) بالمقلوب! ولكم أن تتخيلوا حجم الألم الذي سببته لي تلك الضربات خاصة والفصل كان شتاءاً!.

بالقطع أن الوجع الذي يتسبب به الكبار نتيجة ممارسة العقاب الجسدي المفرط لا يقتصر على الآلام الجسدية فحسب بل تمتد آثاره إلى النفس والسلوك في قابل السنين، فإما أن يؤدي إلى نشوء شخصية شرسة تسعى لأن ترد اعتبارها وتنتقم لكرامتها التي منحها الخالق لها حين قال (ولقد كرمنا بني آدم)، أو أن ينتج لنا التعسف الأسري والمجتمعي شخصيات إنطوائية لا تعرف كيف تنخرط في الحياة وتتفاعل مع المجتمع، هذا ما خلص إليه العديد من الباحثين البريطانيين في مجال الطفل وتقره المناهج الحديثة المعتمدة في دراسة الطفولة والعناية بهاThe Child Care) ).

وعودة لتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف التي لم تترك مشكلة أو معضلة تخص الفرد أو الأسرة والمجتمع والبيئة إلا ووضعت لها حلها المناسب، فالأحاديث النبوية الشريفة وأحاديث أهل البيت عليهم السلام تشرق بالمزيد من القيم الناصعة التي تحث على نشر ثقافة السلم والتراحم والحب والاحترام بين الناس، حيث رسم نبينا الأكرم محمد (ص) صورا عظيمة للبشرية تبين أهمية إبداء العطف والرحمة بين أفراد المجتمع الواحد فضلا عن إعطاء شريحتي المرأة والطفل الخصوصية من خلال الروايات العديدة وهو يوصي بهم مرارا (اتقوا الله في الضعيفين المرأة والطفل).

لقد كان رسولنا الكريم يعطف على الصغار ويقربهم منه حتى إذا عاد من سفر بعيد اشتاق إليهم فيخرجون لاستقباله فيفرح بهم ويأنسون به، يسلم عليهم ويقبلهم ويحملهم بين ذراعيه الشريفتين، وكان يوصي الآباء والكبار بحب الصغار ومساعدتهم، ويغضب صلوات الله عليه، إن رأى أحدهم يضرب صغيرا قائلا: (أحبوا الصبيان وارحموهم)، مؤكدا : (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا) كما ينقل لنا التاريخ أن رجلاَ دخل على رسول الله فرآه يقبل حفيده الطفل الحسين (ع) فتعجب لذلك وقال للرسول: "والله إن لدي عشرة من الأطفال لم أقبل أحداً منهم قط"، فرد عليه نبي الإنسانية قائلاً: (وماذا أفعل وقد نزعت الرحمة من قلوبكم، من لا يَرحم لا يُرحم ..أرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء).

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
زهراء محمد
2008-12-08
انادرست سايكولجية وتربية الطفل في لندن ولكن لم ارى الاالقليل من هذه الجرائم بحق الاطفال وكلها ناجمه من اناس معتوهين..لكن الذي نراه في بلدنا العراق من القتل والتعذيب ومن ثم رميهم بالثرامه كما كان في زمن المقبور الدموي صدام. وكذالك نرى اليوم اكثر المقتولين هم من الاطفال !! فماذا يسموا زمرة صدام عندما يقتلوا ويمزقواالطفل امام اعين والديه .
بهجت الخزاعي
2008-12-05
تكملة التعليق اقول ان خوفي منه كان يذهب بكل عقلي الامر الذي يوقعني في عقابه،وانا اليوم اعيش في المانيا ودرست فيها ورأيت مدى الانحلال الاخلاقي والتصرفات الامعقولة التي يقوم بها الطلاب إلا ان المدرس لا يقابلهم بأكثر من كلمة:ششش الهدوء رجاء. وهذا سر التفوق العلمي في المانيا،علما ان الفصل الذي كنت لم يكن يدرس فيه لا الدين ولا الاخلاق، صدق من قال رأيت في الغرب اسلام بلا مسلمين، اناس رجعوا الفطرة التي فطرهم الله عليها فتراحموا وتحابوا، فأبدعوا في صنع الانسان
بهجت الخزاعي
2008-12-05
احسنتم وأجدتم اختنا الفاضلة،هذا الموضوع غاية في الاهمية وارجو من الاخوة المسؤلين الالتفات له بعين الأبوة والمسؤلية، وسن قوانين تمنع المعلم من استخدام اي عقاب جسدي ضد التلميذ او الطالب،واريد ان اضيف تجربتي مع احد معلمينا( الافذاذ) عندما كنت في الرابع الابتدائي لا تغمده الله برحمته ان كان ميتا وعجل الله هلاكه ان كان حيا،فقد كان معاق جسديا وأعتقد انه كان يعاني من اضطراب نفسي شديد اذ يعض على لسانه كالمجانين اثناء ضربنا بالعصا على ظاهر اليد وليس باطنها، ورغم انني كنت من التلاميذ البالغي الذكاء الا ان
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك