( بقلم : حميد الشاكر )
لابد ان الجميع قد استمع للخطاب الاخير للارهابي المختبئ الدكتور أيمن الظواهري بعناية شديدة ، ولاسيما انه اول خطاب لقائد من قادة تنظيم القاعدة بعد انتخاب باراك حسين اوباما لرئاسة الولايات المتحدة الامريكية المقبلة ، مما جعله الخطاب الذي اعطى وجهة نظر القاعدة في تطور الاحداث الجديدة على الساحة الامريكية بعد الانتخابات ، ومن هنا كان العالم كله يصغي بعناية لهذا الخطاب ليس باعتباره الخطاب الاهم لتنظيم القاعدة ولكنه الخطاب الذي سوف تُبنى عليه متغيرات حركة رقعة الشطرنج في الحرب الدائرة بين القاعدة من جهة والادارة الامريكية من جهة اخرى في الاربع سنوات القادمة من حكم اوباما لاميركا السمراء !.
نعم كان هذا هو الشق الرسالة الاولى من خطاب الظواهري الذي استقطب الاهتمام الاعلامي ، ولكنّ هناك الشق الاخر او الرسالة الرابعة التي لاأعلم اصحاب الشأن فيها من ساسة الدولة العراقية وهل انهم التفتوا لمضامينها ودلالاتها السياسية والامنية التي تختص بالشأن العراقي أم انهم أصلا لايلتفتون الى مثل هذه الرسائل السياسية التي ترسلها القاعدة من خلال وسائل الاعلام لخيوط شبكتها التنظيمية المنتشرة في العالم بالعموم و في العراق بالخصوص ؟.
والحقيقة انها مشكلة كبيرة للعراق الجديد ولدولته الوليدة ان لم يكن لديها مؤسسة بحثية وثقافية وامنية تعود لجهاز الدولة في العراق وتضم نخبة من المفكرين والمثقفين والامنيين والاقتصاديين والسياسيين المهتمين بالشأن الارهابي الدولي تلتقط كل شاردة وواردة في الاعلام الارهابي القاعدي وغير القاعدي الذي يختص بالشأن العراقي العام لتحليلها وفك شفرات رموزها الفكرية والسياسية والامنية التي ترسل للداخل العراقي لتحريك الخلايا الارهابية النائمة ومن ثم وضع هذه التقاريرأمام : اولا الشعب العراقي من خلال الاعلام وندوات الراي السياسي ومقالات الصحف والانترنت ........ ليطلع على حجم المؤامرات التي تحاك ضده وضد أمنه ، وثانيا أمام صاحب القرار السياسي في الدولة العراقية ليكون على اطلاع تام لمفردات الحركة الارهابية العالمية فكريا وثقافيا وسياسيا ولوجستيا وغير ذالك ليتخذ فيما بعد القرار المناسب الذي يجنّب العراق دولة وشعبا مخاطر السموم الارهابية الثقافية والامنية والسياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية !.
وعلى اي حال نحن نعتقد ان خطاب الظواهري لم يكن موجها للادارة الامريكية فحسب كما اراد الاعلام العربي تصويره بقدر ماهو خطاب موجه اصلا وبالاساس ايضا للخلايا النائمة في العراق من تنظيم القاعدة ، ولاسيما ماذكره ايمن الظواهري حول تنظيم دولة العراق الاسلامية بقائدها المجرم الذبّاح ابو عمر البغدادي ؟!.والان : ماذا اراد الظواهري من ذكره لدولة العراق الاسلامية بالذات وربط هذا الذكر بمناسبة سعي الادارة الامريكية الجديدة بقيادة اوباما لسحب قواتها من العراق وارسال مزيدا من القوات الامريكية لافغانستان ؟.بمعنى اخر ما الغاية او الهدف الاستراتيجي الذي يستهدفه ايمن الظواهري وبعض قادة القاعدة في افغانستان عندما يعيدوا الكرّة مرّة اخرى لاحياء حركة ونشاط تنظيم القاعدة من خلال الخطابات الموجهة لعناصرها في العراق بالتحديد ؟.
وهل يشير خطاب ايمن الظواهري الرجل الثاني في القاعدة الى تخوّف القاعدة من خروج قوى الاحتلال الامريكية من العراق بعد استتباب الامن واندحار الاعمال التخريبية فيه والتفرغ تماما من قبل هذه القوات الامريكية لجبهة واحدة بالتحديد هي جبهة القاعدة الافغانية والباكستانية ، ولهذا حثّ الظواهري انصار القاعدة في العراق المتبلورين في دولة العراق الاسلامية من خلال خطابه ببذل مزيد من الجهد والعمل الارهابي والتخريبي لاعاقة خروج او انسحاب القوات الامريكية من العراق تحت ذريعة عدم الاستقرار الامني في هذا البلد ؟.أم ان القاعدة ناطقةً باسم رجلها الثاني ايمن الظواهري كانت تهدف الى شيئ آخر عندما حثت انصارها في العراق على وجوب تفعيل نشاطها بشكل اكبر واعادة الحياة لحركتها تزامنا مع امكانية ترك فراغات امنية بعد انسحاب قوات الاحتلال الامريكية اولا من المدن في الداخل وثانيا من هذا البلد على الكلية وعليه كانت دعوة الظواهري ماهي الامجرد دعوة لتهيئ انصار القاعدة لملئ الفراغ المحتمل وجوده بعد خروج الامريكان من العراق فيما بعد ؟.ثم لماذا اشار الظواهري بنوع من الريبة الى امكانية ان تقوم ادارة اوباما المقبلة في الولايات المتحدة الامريكية بالتحرك نحو ايران بنوع من الانفتاح والاتفاق على المصالح المشتركة لتأمين انسحاب هادئ من العراق بالاتفاق مع ايران ؟.
وهل كانت هذه غمزة من قبل الظواهري لقوى الارهاب ودول التطرف المحيطة بالعراق من سلفية تكفيرية وغير ذالك على وجوب تحركها لمنع هذا الاتفاق او الالتقاء الايراني الامريكي باي ثمن كان ؟. وهل هناك رابط في خطاب الظواهري بين تخوّفه من اتفاق عراقي ايراني امريكي بشأن انسحاب القوات الامريكية ، وبين ان تكون القاعدة في افغانستان وباكستان هي كبش الفداء القادم والهديّة التي سوف يتلقى نبأ نهاية قادتها (بن لادن والظواهري) الشعب الامريكي من يد ادارة اوباما الجديدة الذي صرّح قبل استلامها حسين اوباما وبكل وضوح ان الخطر الحقيقي هو خطر القاعدة في افغانستان وليس في العراق ؟.ان هذه الاسألة وغيرها هي المحاور الذي ينبغي دراستها سياسيا وامنيا في خطاب ايمن الظواهري الاخيربالنسبة للشأن العراقي في هذا الخطاب ، لاسيما ان النبرة التي تحدث فيها الظواهري عن ادارة باراك حسين اوباما المقبلة لاتتسم بالانفعال المكتئب والغاضب من شتائم وسباب لهذا الرئيس الجديد فحسب ، ولكن هناك ماهو اعمق من ذالك وهو تخوّف الرجل الثاني للقاعدة ايمن الظواهري من توجهات هذه الادارة الديمقراطية الجديدة التي اوضحت وبكل تأكيد : ان القاعدة وقادتها بالخصوص في افغانستان وباكستان هي الهدف المحدد القضاء عليه في المرحلة المقبلة من حكم حسين اوباما الديمقراطي !.
وهذا هو بالضبط ما اغضب الظواهري على الادارة الجديدة ، وهو ايضا مادفعه للتأكيد على قوى الارهاب القاعدية في العراق بالتحديد ووجوب ان تعيد النشاط التدميري لها في العراق من خلال المفخخات والانتحاريين وباقي العمليات التخريبية التي تترك اصداءا اعلاميا وعالمية كبيرة لتقول للرأي الامريكي العام بالتحديد والذي خاطبه الظواهري برسالته الاخيرة للدلالة على انه الرأي الذي يشكل ثقلا حقيقيا في خطابات القاعدة الاجرامية : بعدم الاستقرار الامني في العراق واستحالة التفكير بتخفيف عديد القوات الامريكية من هذا البلد فضلا عن التفكير بسحبها واعادة جوقلتها الى جبهة افغانستان القاعدية !.وهذا يعني وبكل وضوح اننا سنشهد كعراقيين محاولة عناصر تنظيم القاعدة في العراق بعد هذا الخطاب الظواهري التوجيهي وهي تسعى لاعادة بعض نشاطها الارهابي هنا وهناك كخروقات امنية من جهة و كردود فعل لارشادات هذا الخطاب ، او كمنعكسات طبيعية لفحوى رسالة الظواهري التي تحث القاعدة في العراق على اعادة النشاط لعناصر القاعدة الممثلة بدولة العراق الاسلامية بقيادة ابو عمر البغدادي !.
نعم من خلال الخطاب القاعدي للظواهري بالامكان تلمس ان هناك طريق واحد اصبح واضحا بالنسبة لهذه القيادة اللادنية والظواهرية واخير بالنسبة للقاعدة في المرحلة المقبلة لتجتنب اجتثاث الادارة الامريكية الديمقراطية لوجودها الافغاني السرطاني الا وهو اغراق هذه القوات في الوحل العراقي اكثر فاكثر من خلال التلاعب بالاستقرار الامني في العراق وبكل ثمن لاشغال هذه القوات عن الالتفات للساحة الافغانية ولقيادة القاعدة المختبئة في جبالها الوعرة ، وهذا هو كل مافي فحوى خطاب الظواهري بالنسبة للعراق و الذي اراد ان ينبه عناصر القاعدة في العراق ان ضعف عملياتهم الارهابية او انتهاء فعلهم الاجرامي في هذا البلد سيكون هو المبرر الواقعي الذي سيدفع بالادارة الامريكية الجديدة للتفرغ لرأس الحية القاعدية في افغانستان لانهاء اسطورتها الارهابية والى الابد ، واذا انتهى رأس القاعدة وقرن شيطانها الارهابي في افغانستان فلاريب ان هذا التنظيم سيتلاشى من الوجود العالمي والسياسي والى الابد ، مع انه لاضمان بنهاية فكرة الارهاب الاجرامي العالمي حتى بعد نهاية هذا التنظيم الاجرامي الكبير ، ولكن وعلى اي حال يتركب اليوم تنظيم القاعدة بكليته على اسمين رئيسيين في هذا التنظيم العربي السلفي الاول وهو اسامة بن لادن عميل السي اي اي سابقا والمجاهد لاحقا ، والدكتور ايمن الظواهري الموظف في دائرة المخابرات السودانية فيما مضى ومفتى حركات الجهاد السلفي فيما بعد ، وفي حال زوال هذين الرأسين لافعى القاعدة المسمومة سيكون التنظيم القاعدي بالخصوص قد طوى اخر فصول قصته منذ التسعينات من القرن المنصرم وحتى هذه اللحظة التحولية في العالم اليوم !.
تمام : على العراقيين ان ينتبهوا بجد لشفرات الخطاب الاخير للظواهري المختص بالشأن العراقي ، لاسيما انه اشار في مضمون خطابه الى (( حقبة الدسائس والمؤامرات )) التي ستظهر في حقبة العمل السياسي العراقي المصاحب لعملية الانسحابات الامريكية المتوقعة من العراق ، وكأنما الرجل صاحب خبرة حقيقية في موضوعة الدسائس والمؤامرات المخابراتية التي كان يعمل بها طويلا لدول كثيرة في العالم العربي ، والحقيقة انه على حق فيما اشار اليه ، ففي كل تغيرات جذرية تصاحب اي دولة خضعت للاحتلال الاجنبي وما خلقه هذا الاحتلال من اوضاع شاذة ، ومن بعد ذالك يقرر الاحتلال الخروج ، فان في مثل هذه الحالات ستكون هناك ارتدادات اجتماعية وسياسية وتصفيات طبيعية ومخاضات في تركيبة العملية السياسية حتى وصولها الى الاستقرار النهائي للنظام السياسي العراقي ، وهي حقبة لابد ان تمر بفترة (فلترة) للعمل السياسي تاتي بعد خروج اي محتل اجنبي من ارض تعيد هيكلة وجودها السياسي بشكل اقرب للطبيعية السياسية منه الى طبيعة الهيمنة التنظيمية للمستعمر الاجنبي ، وعليه ففي رسالة وخطاب الظواهري واشارته الى مرحلة المؤامرات والدسائس الاخيرة مايشير للعراقيين الى ان القاعدة تفهم جيدا مايعني خروج المحتل الامريكي من البلد العراقي ، وفاهمة ايضا ان المرحلة الفاصلة بين خروج المحتل وحتى وصول النظام السياسي العراقي لوضعيته النهائية المعتمدة على الكفاءة الذاتية بالتمام انها المرحلة المصيرية والنهائية في معركة الشعب العراقي مع الارهاب ، بل هي الثمرة الحقيقية لجميع الجهود والتضحيات التي بذلها الشعب العراقي ليصل الى حقوقه السياسية المشروعة اليوم ، فأما ان يكون على وعيّ تام وحقيقي لحراجة الفترة واستثمار جميع ملابساتها لصالح بناء الدولة وتثبيت الاستقرار والامن الاجتماعي ، او ان هناك من سيخطف المنجز كتنظيم القاعدة وبقايا نظام صدام المجرمة ليفرض معادلته الخيانية التي تدفع بالشعب العراقي الى الجحيم لتعيد الكرة عليه من جديد بحكم يزرع المقابر الجماعية في العراق اكثر من زراعته للقمح لهذا البلد !.
https://telegram.me/buratha