( بقلم : د.سناء الحربي )
المجلس الأعلى و الطائفية :ينقلنا الأمر السابق إلى مستوى آخر من المعالجة تختص بقضية أخرى و لنبدأ هنا بهذا الادعاء : (( الساحة الفكرية الوحيدة التي يعمل عليها فكر مؤسسي وقيادة المجلس هي ساحة الصراع الطائفي ومن تخيل لهم غير هذه الساحة فليبدل عقله !! المجلس الأعلى شيعة بالولادة والنسب لا بالفكر والهدف !! ومذهب أهل البيت ع والتشيع لا علاقة له بالطائفة !! )) أشير قبيل أن أنسى إلى أن هذه الجمل بين المعقوفات اقتباس لمقالة منشورة باسم الحجي سلام صالح . التهمة الطائفية لاحقت الشيعة منذ كانوا و لا زالت و ستستمر كلما ازداد الشيعة اقترابا من السلطة لأن الموروث السني ينظر إلى الشيعة كأقلية تابعة و يصطحب التاريخ كحالة قائمة و مطلقة ، الشيعي طائفي مهما كان موقفه و رأيه و تأثيره في الحدث . و قد ثبت بالتجربة أن كل حزب أو تيار أو جماعة شيعية يزداد تأثيرها سياسيا و اجتماعيا توصم بالطائفية وصما قاهرا و لازما . لهذا فالدفاع عن المجلس هنا يقع جزءا من الدفاع عن الشيعة ككل بوجه التهمة الباطلة التي يلصقها بهم الآخرون و هي الطائفية التي هي واقعا ألصق و أجدر لوصف الآخرين بها . الادعاء السابق و هربا من السقوط في إشكالية الطائفية أضاف كلمة " صراع " لأنها تستوجب ملازمة و مجانسة و تحديد بين الطائفية كمنهج سياسي و فكري و قوة و تأثير المجلس منصبا و سلاحا و إمكانيات .. و السؤال : هل حقا يعمل المجلس الأعلى وفقا لهذا الوصف حيث لا يتمثل قوامه الفكري بغير الصراع الطائفي ؟ لا يؤيد الواقع و التحليل الموضوعي شيئا من هذا القبيل .. لنعرض هنا هذه الحقائق
1- المجلس الأعلى قوة سياسية مؤثرة للغاية و استطاع خلال الانتخابات السابقة المحلية و النيابية من تحقيق الغلبة على منافسيه و أمسك بمقاليد القرار في أكثر من مكان و مفصل بشكل شرعي فلم يحدث انقلابا مسلحا و لم يتوسل أداة محرمة .
2- استلزم هذا الفوز و تحمل المسؤولية الحرص على استتباب الأمور و استقرار الأوضاع لأنها بكل بساطة تصب في مصلحته و لا غُنْم من وراء إثارة الصراع الطائفي .. فكلما استقرت الأمور و قلت الاضطرابات كان ذلك تحقيقا لنجاح إضافي لنقل يستثمره الحزب في تحقيق نجاحات أخرى و إقناع القاعدة الشعبية التي انتخبته بإعادة انتخابه و ليس من المنطقي أن يؤجج الصراعات و بعد ذلك يراهن على مكتسب يذكر لأنه خلاف بديهات العقل و المنطق حتى أنه لا يحتاج إلى أدنى درجة من التفكير بل سيكون هذا السلوك و التوجه لاستتباب الأوضاع أمرا طبيعيا جدا و يحدث بصورة تلقائية .
3- المتصور و كما أيدته الوقائع و الأحداث أن تلجأ القوى التي لم تفلح في كسب ما تصبو إليه و تناصب المجلس الأعلى عداءها غير المفهوم إلى إرباك الأوضاع إلى أقصى حد تستطيعه .. هنا ستكون الكلمة الفصل للمواطن العراقي بمجرد إعادة شريط الذاكرة و إن كانت متعبة بفعل الظروف التي يعاني منها ليحكم أي جهة هي التي حاولت إرباك الوضع و تحت شتى الحجج و الأعذار الواهية ؟ من هم الذين حكّموا السلاح في الشوارع و تبادلوا القتل إما بينهم أو بينهم و القوات الحكومية ؟ من كان يهب لإسقاط الحكومات المحلية و نشر عناصره بملابسهم السود في الشوارع و حرق و نهب المؤسسات الحكومية و غلق الأسواق و قطع الأرزاق .. و من ثم تأتي البيانات للتغطية من القائد الفذ لتحرّم و تتبرأ من أفعال أتباعه دون أن ينتج عن ذلك لا من تحريم و لا من تبرؤ ؟
4- الكل يعلم أن الصراع الطائفي الذي اندلع بعد تفجيرات ضريح الإمامين العسكريين عليهما السلام كان أبطاله جيش المهدي و القاعدة .. و إذا كان ثمة عناصر من الداخلية حسب الادعاءات تحسب على أنها من بدر أو المجلس ساندت أو تواطأت مع جيش المهدي فإن الأمر لن يتغير كثيرا ، فضلا عن عدم وجود أي دليل و من قبل الأطراف الأخرى التي أشهرت و أصدرت الكثير من البيانات أجمعت على أنها تدين جيش المهدي .. و للتذكير فقط بدأ الخطاب السني و خطاب مؤتمر أهل العراق و هيئة علماء المسلمين و الحزب الإسلامي و غيرها يتغير بعد حملات حرق المساجد التي قام بها جيش المهدي وهو أمر يعرفه القاصي و الداني و بدأ التغيير بإطلاق وصف مليشيات إرهابية ثم تم التصريح به في بيان هيئة علماء الضاري و عن طريق القيضي الذي ظهر على قناة الجزيرة و اتهم مباشرة جيش المهدي و قال كلمته المشهورة : إننا كنا نحسبهم إخوانا و أن فيلق بدر هو المسؤول عن ذلك و لكن للأسف الشديد يثبت الآن عكس هذا فأنادي السيد مقتدى بأن ... الخ ( يراجع أرشيف قناة الجزيرة ) .. وفي نفس الوقت استبدلت قناة بغداد التابعة للحزب الإسلامي كلمة جيش المهدي بكلمة عصابات إجرامية أو مليشيات إرهابية .. على أن ثمة ما هو جدير بالتنبيه هنا إذ أن الخطاب الذي تبنته القاعدة و القنوات الإعلامية العربية المملوءة بعقدها ضد الشيعة كانت تصف كل جندي أو شرطي عراقي أنه من بدر أو المجلس أي أن الثلاثمائة ألف و خمسين جنديا و شرطيا آنذاك كانوا كلهم من المجلس !!
وفي نفس الرابط يمكن قراءة خبر عن مقتدى الصدر و مطالبته للضاري بإصدار فتوى تحرم قتل الشيعي لكي يساومه على أن يصدر بدوره بيانا يدين اعتقاله .. نرجو التأمل في مثل هذه الأمور التي كان يصعب على المواطن تأملها بدقة و استجلاء ما في مضامينها من أبعاد للجلبة التي كانت تحيطه و لسرعة مرور و تعاقب الأحداث و تبدل المواقف بين ليلة و ضحاها ..
أما الحكاية المفبركة التي ابتدعتها مخيلة الحجي سلام عن هبّته و نخوته هو و مجموعته لإطفاء حريق جامع الرحمن و الحكاية انتهت بعد مفارقات قصصية غير متقنة بتبرئة جيش المهدي و اتهام المجلس على أساس أن العراقيين في بغداد كانوا يغطون في " نومة " أهل الكهف التي فلت منها حجي سلام و بقي مستيقظا ليروي لنا أحداثا لم يرها و لم يسمع بها سواه . فلو فرضنا صدق الحجي فإن ما في قصته هو نقل عن أشخاص بوصف أشخاص آخرين ينتمون إلى جهة شخص و هكذا طبيعةٌ للنقل هي من أكثر أنواعه هشاشة . فمن يقطع بانتماء جندي أو شرطي للمجلس دون سواه وهل كانت بغداد خالية من جهات و أحزاب و تجمعات و مليشيات يخدمها العنف و القتل و يلبي مصالحها بل كانت تتخادم عن طريق العنف و إثارته و لم يكن سوى المجلس الأعلى فقط ؟! لقد مرت بغداد و محافظات أخرى بأعمال عنف أثارتها عصابات مقتدى و القاعدة الإرهابية و كان المحرك لكل ذلك هو رغبة النفوذ و السيطرة عبر السلاح و القوة و اصطدمت هذه المجاميع الإجرامية و الإرهابية بالقوات الحكومية و أبناء العشائر الغيارى و المواطنين الذين تعاملوا بكل إخلاص مع الحكومة و الجهات الرسمية حتى ولو حمل بعضهم مواقفَ أو رؤى تخالف أحزابها لأنهم يدركون حجم الخطر الذي يتهددهم من عصابات منحطة هدفها القتل و الخراب و فرض الإرادة بالقوة و من يخالفها يتم تصفيته بدم بارد .
لقد كاد جيش مقتدى على وشك إفراغ بغداد من السنة و هذا الهدف كان لأجل إظهار كونه القوة المهيمنة على الوضع برمته و لم يكن يصب لا من قريب و لا من بعيد في مصلحة المجلس الأعلى و لسبب بسيط هو إن المجلس الأعلى ملتزم بعملية سياسية طويلة الأمد يدرك تمام الإدراك أنها لن تقوم ما لم يكن هناك توازن منطقي للأشياء ، أن تنهض المقومات الموضوعية ليكون قد اقترب من تحقيق أهدافه السياسية المشروعة بوصفه أحد أهم الأسس التي قامت عليها خريطة العراق السياسية بعد التغيير . أما على الجهة المقابلة أعني الصدريين فهم أصحاب منطق ديماغوجي لا يكترث بالمقومات البنائية للدولة و لا تهمه أية التزامات من أي نوع بل يراهن على الإمساك على الأرض بمنطقة النفوذ وهذه أهم نقاط ضعفه كأية حركة تقترب من مفهوم كونها عصابة و ليست حزبا أو حركة سياسية .
أعود إلى المقطع الأخير من كلام سلام صالح إذ يقول : المجلس الأعلى شيعة بالولادة والنسب لا بالفكر والهدف !! ومذهب أهل البيت ع والتشيع لا علاقة له بالطائفة !!! لا تستحق مثل هذه العبارات أية وقفة أو إشارة لأنها لا تحمل شيئا ذا قيمة يمكن أن يناقشها كاتب فهي محض تعبير عن مشاعر حقد و كراهية لا أكثر .. دافعي الوحيد لعرضها هنا هي أنها عبارة تتكرر بشكل شبه يومي في موقع كتابات البعثي .. أقول إن أبناء المجلس الأعلى كما أبناء الأحزاب السياسية الإسلامية الشيعية أو المصنفة وفق الوصف الإعلامي و السياسي الحالي بهذا الشكل هم عراقيون شيعة من أبناء الوسط و الجنوب و هناك عشائر كاملة تدين بالولاء للمجلس شئنا أم أبينا ، قاوموا النظام و جاهدوا في الأهوار و القرى الميسانية و البصرية و الذيقارية و بذلوا الغالي و النفيس و ودعوا قوافل من الشهداء داخل و خارج العراق كل ذلك ولا شك قد جرى إيمانا بمبدا و عقيدة و فكر و إلا كيف يبذل الإنسان نفسه و يضحي بها و يعرض اقرب مقربيه لبطش النظام دون شيء من ذلك ! كل هذا في الوقت الذي كان غيرهم قد تم تخديره بالصلوات الجماعية المحروسة من قبل أزلام النظام و الزيارات التي و يا للعجب يؤاخذ عليها اليوم المجلس الأعلى و يقال أنها تأتي لمصالح سياسية طبعا لأن المجلس الإسلامي يقوم برعاية جانب منها أما حين يقوم بها الآخرون فهي لوجه الله تعالى و تعبير مجرد .. مجرد جدا من كل شيء سوى الولاء الفكري حسب ! أقول كان ذلك في الوقت الذي نجح النظام البائد في لعب لعبته الخادعة عن طريق عملائه في الداخل لتعرية الشيعة من الغطاء الذي كان يجمعهم و يلم شملهم والمتمثل بالحوزة العلمية . بالطبع ترديد هذه السخافات من قبل ذوي المواقف المتشنجة و المتعصبة ضد الأحزاب الإسلامية لا يحتاج إلى رد .
بالفعل يا حجي سلام إن مذهب أهل البيت لا علاقة له بالطائفة و هذا الكلام يجب أن تفهمه و يفهمه الصدريون قبل غيرهم الذين رفعوا شعار " الفئة الناجية " وهي أكثر بعدا عن روح و فكر الدين الإسلامي الحنيف من الطائفية ، فإذا كانت الطائفية تشف المسلمين إلى مذهبين أو أكثر فشعار الصدريين الذين علقوه على مكاتبهم عام 2005 و حتى بداية 2007 من كونهم الفرقة الناجية هو شرذمة و شق عجز عنه ألد أعداء الإسلام و الشيعة خاصة ..
https://telegram.me/buratha
