المقالات

تعددت المبررات والتسول واحد!

1003 19:45:00 2008-09-03

( بقلم : بشرى الخزرجي )

لو لم أكن قد كتبت من قبل عن موضوعة الطفولة وعمالة الأطفال في العراق والتي أرجعت أسبابها بالطبع لتدني الحالة الاقتصادية للأسر العراقية الفقيرة والمحدودة الدخل وعوائل ضحايا الحروب الطاحنة السابقة واسر ضحايا الإرهاب المجرم في الزمن الحالي والغلاء الفاحش الذي يلهب الأسواق العراقية والذي يعود لأسباب عدة أهمها غياب الرقيب وجشع بعض التجار وانعدام الحس الوطني لدى الغالبية منهم، إضافة إلى تعطيل قدرات الشباب بسبب البطالة.. لولا ذلك لما دهشت وأنا اسمع عن عوائل تتعمد إرسال أطفالها إلى الشوارع والأسواق من أجل كسب المال وإن كان دخلها وإمكاناتها المادية على قدر يكفي ويسد احتياجاتها المعيشية، وبعض الأسر ميسورة الحال لدرجة تعدها من الأغنياء .. خاصة ورواتب شريحة الموظفين حسب ما عرفت من بعضهم قد تحسنت وشملتهم بعض الزيادات والعلاوات انعكست كما لاحظت ذلك على مستوياتهم المعيشية إذ يشهد العراق في الآونة الأخيرة حالة من النهوض الاقتصادي والعمراني الواضحين وان كانت بطيئة.

في الحقيقة إن ظاهرة نزول أطفال عوائل ميسورة الحال إلى الشارع للعمل حالهم حال أطفال أسر فقيرة ليس لها من يعيلها تبعث على الاستغراب، ومبرراتها التي استمعت إليها في زيارتي الأخير للعراق غير مقنعة وغير منطقية من وجه نظري المتواضعة، فالبعض يرجعها إلى أن مجتمعاتنا العربية تنتشر فيها هذه الظاهرة وتعتبر بالتالي حالة عادية! وأن الطفل يجب أن تصقله الحياة وبنزوله المبكر للعمل خصوصا أيام العطل المدرسية، سوف يتعلم ويكتسب الكثير من الخبرات التي تخدمه في المستقبل وتشد عوده كما يقال! عذرهم في ذلك أن التعلم في الصغر كالنقش على الحجر، وغيرها من المبررات التي أرى أنها مجحفة بحق الطفل والطفولة.

إن الاستشهاد بالمأثور السابق الذكر كلام فيه من الصحة الشيء الكثير ولا يختلف عليه اثنان، وليس منا من لا يحب أن يتعلم ابنه ما ينفعه وينمي مواهبه، والتجارب والخبرات تكتسب بالتالي من الإحتكاك اليومي ومعايشة الآخرين، هذا إن عرفنا وتيقنا أن أبناءنا ومن خلال إقحامهم في معترك الحياة سيتعلمون مهناً أو حرفاً أو فنوناً تنفعهم وبأسلوب وطريقة لا تضرهم ولا تؤثر سلبا على تربيتهم وأخلاقهم ولا تخدش من براءتهم، ولا يتحقق ذلك قطعا إلا عن طريق المؤسسات الحكومية والجمعيات الخيرية والنوادي والورشات المتخصصة في مجال الطفولة واحتياجاتها.

فجميعنا يعرف مشاكل الشارع ومساوئه وما تزدحم فيه من مفردات ومصطلحات وسلوكيات يجلبها الطفل العامل أو البائع الجوال معه إلى البيت مع ما كسبه من المال الذي لو قارناه مع حجم الضرر الذي يصيب هذا المسكين البريء لعلمنا أن الأهل هم الخاسر الأول حيث لا تنفعهم تلك النقود التي تأتي على حساب تربية وسعادة أبنائهم والتي لا تقدر بمال قارون.

وتعج الأسواق العراقية بهؤلاء الأطفال من الجنسين ومن جميع الفئات العمرية دون سن البلوغ، فبعضهم لا يتجاوز عمره الخمس سنوات .. بنات صغيرات جميلات مثل الزهور المتفتحة يجرين خلفي في أحد الأسواق ليبعن لي الأكياس في عزّ الظهيرة، والصيف وحره الذي لا يرحم في ظل الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي ومشكلته الغير قابلة للحل على ما يبدو! تساءلت والحسرة تعصر قلبي أين أهلكم عنكم؟ .. صبي آخر عيناه زرقاوتان كزرقة ماء دجلة والفرات وخداه المتوردان من شدة حر شهر آب يدفع عربته الخشبية سار إلى جنبي أملا في أن أضع في عربته ما احمل بيدي من أشياء كانت في الواقع قليلة خفيفة الوزن! وانفعه ببعض النقود على قوله.. "خالة الله عليج نفعيني"!

في الواقع لا أعلم لهذه الظاهرة أسبابا إلا الفقر اللعين وفقدان المعيل والمعين في عراق ينشد أهله الخير وبشائره القادمة، إلا أنها ظاهرة أخذت تزداد ومنظر الأولاد في الشوارع والأسواق وبهذه الأعداد الكبيرة منظر غير حضاري يظهر البلد وكأنه يعيش في العصور الوسطى أو ما بعد الحروب العالمية حين كانت شوارع لندن ومدن أوربية أخرى تكتظ بالمتسولين وعمالة الأطفال.

وعلى ذكر المتسولين والمدن التي امتلأت بهم احكي هذا الموقف الذي حصل وأنا في مدينة كربلاء المقدسة والزيارة الشعبانية حيث الزحام والجماهير المؤمنة الغفيرة التي وفدت على الإمام الحسين من كل حدب وصوب، جاءني فقير إحترف مهنة التسول حسب الظاهر! يطلب المساعدة، فتحت حقيبتي كي اخرج له بعض النقود فلم أجد غير ورقة نقدية واحدة من الفئة الكبيرة، فطلبت منه أن يمهلني بعض الوقت حتى (أصرّفها) عند احد المحال القريبة .. وقف ينتظر وبدا عليه الاستعجال، ولما تأخر صاحب المحل في التصريف حيث ذهب إلى متجر آخر لهذه المهمة اقترب أخونا المتسول هذا مني ليقول لي (عيني راح تدفعين لي لو أروح!) فأجبته: انتظر لحظة! هذا الرجل جاء ومعه التصريف! ثم ما بك مستعجل؟ فأجابني على الفور: (بابا شنو قابل أنا باقي عليج؟؟).لم أتمالك نفسي من الضحك على الموقف العجيب.. قلت متسول آخر زمن يأمر ويتأمّر!

بشرى الخزرجي

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
مواطن صابر
2008-09-03
السلام عليك لاأعتقد هناك عائله او رب اسره يستطيع ان يوفر قوت عائلته يجعل اطفاله يتسولون او يعملون وهم في عمر الزهور نعم ان شريحة الموظفون قد أزداده دخلها ولكن على حساب الفقراء الذي زاده فقرهم ولاحد يجد علاج لهكذا شريحة كبيرة وأسبابها واضحة ومعروفه وماكتبتيه سيدتي لهو وصمة عار في جبين الأحزاب والسياسين وشهادة فشل لهم وللحزابهم وشعاراتهم الرنانه فلوا كان عندهم ذره من الخجل ونصف ذره من حب العراق لما جعلوا هذا الشعب الصابر المظلوم اضحوكه ونادره يتندر بها كل من هب ودب وهم يمشون على ذهب مدفون تحت أقدامهم ويتصدق عليهم من يسرق خيراتهم وكأن هناك مؤامره ضد هذا الشعب الأبي منذ جاء اولاد الحرام البعثية ورمزهم المقبور الى الأن لأذلاهم ومعاقبتهم على جرم لم يرتكبوه موجود في عقول وقلوب الحاقدين على هذا الشعب فالله كريم متبقى هيج لازم يصبح صبح ولنها كمره وربيع والعراقيون أحرار كأمامهم ابو الاحرار ___
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك