المقالات

اضواء على النظريات الاسلامية في فلسفة الحكم 4 - 5

1373 20:28:00 2008-08-27

( بقلم : سليم سوزه )

بعد ان استعرضنا اهم النظريات الشيعية في فلسفة الحكم، لابد لنا ان نسلط الضوء على الفكر السني واهم ما يمكن ان يطرحه من آراء حول قضية الحكم في الشريعة الاسلامية حيث لم تنشط المدارس الاسلامية السنية في معارضة السلطة السياسية ومحاولة انتزاع الحكم منها، الاّ اللهم في ازمنة الاحتلالات المختلفة لدولها وذلك بسبب رؤيتها الفقهية بضرورة تقديم الطاعة والولاء لولاة امرها وهم حسب مبناها الفقهي الحكام السياسين للبلاد مهما كانت توجهاتهم بشرط ان يكونوا عرباً مسلمين.

احدى اهم النظريات السنية التي يؤمن بها ابناء المذاهب الاربعة نظرية (الغلبة والقوة) وهي النظرية التي تقول بوجوب طاعة الولاة الحاكمين لانهم المغلّبين ولديهم القوة على ذلك بغض النظر عن كيفية الوصول الى هذا الحكم، حيث تكون طاعة هؤلاء الحكام والرؤساء واجبة باعتبارهم ولاة الامر الشرعيين للبلاد انطلاقاً من قول الله تعالى (اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم)، يبدو ان فلسفة المؤمنين بهذه النظرية اتت من باب النهي عن القيام بأي انشقاق او خلق فتنة داخل بلاد المسلمين، حيث يؤكد القائمون على هذه القول بان الفتنة اشد من القتل وان التصدي للحاكم ومحاولة تغييره بالقوة سيغرق البلاد المسلمة في بحور من الفتن والتصدعات التي نحن في غنى عنها، بل البعض منهم واعتماداً على هذا الكلام ذهب اكثر من ذلك حينما قال بتخطئة الامام الحسين (عليه السلام) وعدم جدوى الخروج على يزيد بن معاوية الخليفة الاموي في ذلك الحين ونسي بان الحسين سيد شباب اهل الجنة حسب حديث الخاتم (ص) وكيف يعقل ان يخطئ مَن كان ضامناً سيادة شباب اهل الجنة.

على العموم لا يمكن القول بان من يروّج لهذه النظرية يضمر السوء لمحاكمة التاريخ بصورة غير مستقيمة او غير شريفة رغم ان بعضهم حاول ذلك فعلا ً من خلال القاء تبعات الانشقاق والفتنة الكبرى كلها بين السنة والشيعة على خروج الامام الحسين آنذاك، لكن كان هناك من كانت نيته سليمة وهو يدعو لهذا الكلام محاولاً تجنب الفتن واراقة الدماء المسلمة على ملك زائل ليس فيه الخير سوى الهموم ومشاكل الرعية.في ظل هذا الفكر الذي آمن به ولا زال السواد الاعظم من الاشاعرة (المذاهب الاربعة) استفادت الحكومات العربية المختلفة وارتكزت عليه في مقارعتها للحركات الاسلامية المعارضة التي كانت تنشأ بين الفينة والاخرى في بلدانها باعتبار ان فقهاء المذاهب الاربعة اجتمعوا على موالاة الحاكم العربي المسلم ووجوب طاعته كما اسلفنا، بيد ان الامام ابو حنيفة قد شذّ عن هذا الاجماع عندما اوجب طاعة الحاكم المسلم دون الالتفات الى قوميته وهو ما جعل العثمانيين يهتموا بفقهه ويروّجوا آراءه لانها شرعنت من وجهة نظرهم احتلالهم للاراضي العربية واوجبت على المسلمين طاعتهم وعدم حمل السلاح لمواجهتهم اعتمادا على هذا الرأي، حيث توفر لديهم شرط الاسلام الذي يكفيهم ان يكونوا خلفاء مفروضي الطاعة دون الحاجة الى ان يكونوا عرباً .. معتبرين انفسهم امتداداً للخلافة العباسية لكن بنسخة اسلامية اجنبية هذه المرة.

على اية حال الايمان بنظرية (الغلبة والقوة) لم تمنع من ظهور عدد من المدارس الاسلامية تنظّر لفلسفة جديدة ورؤية حديثة حول مسألة الحكم وضرورة تصدي رجل الدين للسياسة في البلدان الاسلامية حيث نشطت مدرستان اساسيتان في الاوساط السنية لعلهما الابرز من بين الكل في تقديم فكر يسحب الشرعية من الحكام الحاليين ويختلف مع هذه النظرية جملةً وتفصيلاً، اَلاَ وهما مدرسة الاخوان المسلمين ومدرسة السلفية الجهادية التي تؤمن بالعنف كأحد اهم وسيلة من وسائل التغيير السياسي.

النظرية الاولى التي تخص الاخوان اعتمدت بشكل اساسي فكرة ان الغلبة للاسلام ولا غلبة لغيره وهو رد على ما يبدو على النظرية السابقة حيث لا بديل للاسلام في حكم الدولة حسب وجهة نظر الاخوانيين ولهذا السبب يعتبر الكثير من الباحثين في الشؤون الاسلامية ان حركة الاخوان المسلمين كانت السبب الرئيسي في ظهور الحركات الاسلامية المتطرفة، بل كانت القاعدة ثمرة من ثمرات هذا الفكر الراديكالي الذي يرى بضرورة تولي الاسلام في الحكم وعدم اعطاء المشروعية لحكام المسلمين الحاليين، وهذا يعني ان الاخوان يرون بان الحاكم لا يكون حاكماً مسلماً مفروض الطاعة (حسب النظرية السابقة) الاّ اذا كان حاكماً بالشريعة الاسلامية، فالانتساب للاسلام وحده، لا يعطي المرء صفة المسلم الواجب طاعته، اذا ما وصل الى سدة الحكم، ما لم يعمل بالشريعة ويحكم بالقرآن.

بلا شك مرت الافكار الاخوانية كغيرها من الآراء بتغيرات عديدة وتبدلات جوهرية لاسباب زمكانية تأثر بها الاخوانيون، فبعد ان كان العنف والقوة وحمل السلاح حاضراً فعلا ً في تصوّراتهم التغييرية وقاموا بالعديد من العمليات الارهابية خصوصاً في مصر ضد السواح الاجانب، قبلوا بالدخول في الحياة السياسية في بعض البلدان مثل مصر والاردن وبدأوا يعارضون السلطة باستخدام الوسائل الديمقراطية في حين بقوا في بلدان اخرى على ما هم عليه من تطرف ولم يقبلوا التجديد اطلاقاً، فعلى سبيل المثال اخوانيو مصر اليوم مشاركون في الحياة السياسية المصرية ويمثلون ثاني اكبر كتلة برلمانية بعد كتلة الحزب الوطني الحاكم ولديهم عدد من الصحف المحلية وسيطرة لا بأس بها على بعض النقابات الحيوية كنقابة المحامين وغيرها، كل هذه الانجازات السياسية التي حصلوا عليها في دولة مثل مصر لا تعتبر من الدول الديمقراطية، كان بفضل تخلّيهم عن العنف واعتماد الايديولوجية الجديدة المعتمدة على قبول الآلية الديمقراطية في التنافس على الحكم وايصال الاسلام للقمة لتحقيق نظريتهم نظرية الغلبة للاسلام ولا شيء غير ذلك.

ان الفكر الاخواني (الذي يؤمن به الحزب الاسلامي العراقي ويعتبر نفسه امتداد للاخوان في العراق) يُصنّف بأنه افضل بكثير من غيره في طريقة النظر للحكم وقبوله بالاسس الديمقراطية لنيل مبتغاه السياسي، بل لا وجود للمقارنة بينه وبين بعض المدارس كالسلفية الجهادية التي سنتطرق اليها في حلقتنا الاخرى، والتي ستكون الحلقة الاخيرة لنغلق بها هذا الملف ونسحب اضوائنا لنسلطها على مواضيع اخرى مهمة ايضا للقارئ الكريم بعونه تعالى.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك