( بقلم : علي الخياط )
الفيلسوف الانجليزي (جون ستوارت مل) الذي عاش بين عامي 1806 -1873 وارسى في هذه الفترة القصيرة قواعد المنطق وكتب المؤلفات الخالدة في الفلسفة والاقتصاد ،وانشأ ستوارت في بيئة ثقافية ، فقد كان والده على قسط وافر من العلم ،كلما كان منزله مقصد الفلاسفة والمفكرين في ذلك العصر، فتعلم ستوارت اللغة الاغريقية وهو في سن الثالثة ،وانتقل بعد ذلك لقراءة ماكتبه الاقدمون في هذه اللغة فقرأ مؤلفات افلاطون في سن السابعة ،ودرس اللاتينية في الثامنة واتبعها بقراءة الهندسة ، والجبر ليلتهم نظريات اقليدس وفيثاغورس ونيوتن وهو لم يتجاوز التاسعة من العمر ، كما كان يكتب تعليقاته في مقالات ينشرها في الصحف وكانت هذه المقالات التي كتبها بين سن السادسة والسابعة تتميز برصانة الاسلوب وقوة العبارة ودقة المعنى لاتتوفر الا عند الكاتب الناجح مما ساعده على الاشتراك مع والده في تأليف مجلد ضخم في التاريخ وهو صبي لم يتجاوز الحادية عشرة!
ومن يطلع على سيرة حياة العباقرة العرب امثال ابن سينا وابن رشد وابي تمام والخوارزمي وغيرهم كثيرين لامجال لذكرهم يجد امثلة لاتقل اعجازا على سبيل المثال ان ابن سينا الفيلسوف والاديب وعالم المنطق والطب والفلك والرياضة درس القرآن وحفظه كما درس الكثير من كتب الادب قبل ان يتجاوز العاشرة من عمره ، ثم درس الهندسة والطب ومارس كل منهما قبل ان يبلغ السادسة عشرة .العصر الحديث يضم الكثير من المتميزين العرب الذين اوجدوا لهم مكان في هذا المجال امثال العالم احمد زويل الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999 لدوره في الكشف عن (الفيمتونانية) ولايمكن تجاهل الدكتور (يحيى المشد) الذي يعد من ابرز علماء الذرة في العالم حيث سجل اسمه ضمن افضل 20 عالما للذرة في العالم ، وتوالت بحوثه في هذا المجال بعد حصوله على الدكتوراه في روسيا حيث عمل خمسة سنوات في الجامعة التكنولوجية ،ثم عين مشرفا على المشروع النووي العراقي اضافة الى تعاونه مع وكالة الطاقة الذرية. والمهندس محمد صالح مكية الذي اكمل دراسته في انكلترا والذي اسهم في تخطيط مدينة بغداد ، وصمم جامع الخلفاء والجامع الكبير في الكويت ورفعت الجادرجي الذي اكمل دراسته في انكلترا وانتشرت تصميماته المعمارية في العراق والكويت والبحرين وابو ظبي.
ان هؤلاء وغيرهم من المتميزين الذي يشكلون ثروة هائلة للامة يجب احياء ذكر من فقدناه منهم وتشجيع واحتضان الكوادر الكفوءة المتبقية، وليس من المغالاة ان نقول بأن المجتمع الذي يخرج بضع علماء عباقرة افضل بكثير مما يحصده مجتمع يزخر بانصاف المتعلمين وحين كتبنا سابقا بالطعن في بعض الشهادات العلمية لم نقصد حاملي الشهادات ممن جاهد وتعب سنوات كثيرة وخاصة في زمن النظام المقبور الذي حارب العلم والثقافة وفي الوقت الذي نشد فيه على مثقفينا وادبائنا وعلمائنا، يجب فضح من حصل على هذه الشهادات. بالحيلة والمال والغش ونذكر مثالا بسيطا على هؤلاء المنتفعين ،حيث جمعتني الصدفة في احد المؤتمرات مع شخص لم التق به منذ سنوات وحسب معرفتي به انه لم يكمل الدراسة الاعدادية ،واثناء حديثنا اخبرني انه حصل على الدكتوراه قبل ايام من بلاروسيا ،وفي حساب بسيط للسنوات التي لم نلتقي فيها ،فلم تتعد الست سنوات ،وربما هذا نموذج بسيط للغشاشين في زمننا هذا ، فنحن لم ننتقص من حملة الشهادات الحقيقيين الاكفاء الذين تكن لهم كل احترام وتقدير وانما قصدنا كل من ينتحل شهادة او علما ليس اهلا له.
https://telegram.me/buratha